أثناء حكم الرئيس محمد مرسي تقدمت حكومة الدكتور هشام قنديل بقانون للتظاهر ينظم عملية التظاهر ويضع ضوابط لها , حيث كانت المظاهرات في ذلك الوقت تعتمد علي حرق مؤسسات الدولة العامة والخاصة وقطع الطرق والمواصلات وترويع المواطنين وكان ذلك علي مراى ومسمع من الاجهزة الامنية دون ان تحرك ساكنا وكان من بينها القاء زجاجات المولوتوف علي القصر الرئاسي بالاتحادية ومحاولة اقتحامه بونش أمام اعين الحرس الجمهوري والاجهزة الامنية , وبالتالي فكان لابد من وضع قانون للتظاهر يمنع مثل هذه التظاهرات الغير سلمية , وعندما تم عرض القانون علي الرئيس مرسي وقبل الموافقة عليه قامت الدنيا ولم تقعد وانهالت الانتقادات والتشويهات الداخلية والخارجية لهذا القانون وعمد الاعلام المصري علي تشويه هذا القانون والاساءة اليه برمته وانتقدت المنظمات الحقوقية المصرية والأجنبية ذلك القانون وعلي رأسها مكتب الاممالمتحدة لحقوق الانسان ومكتب المفوض السامي لحقوق الانسان ومنظمة هيومان رايتس , ثم فوجئنا جميعا - خلال هذه الايام - بعد الانقلاب العسكري بقيام حكومة الانقلاب باعداد قانون للتظاهر أشد خطورة علي الحريات والتظاهر من قانون مكي - الذي تم تشويهه قبل ان يولد – وهذا ما سيتضح في هذه النقاط :- أولا بالنسبة لتعريف المظاهرة . فنجد أن قانون مكي اعتبر المظاهرة هي كل تجمع ثابت او متحرك لاشخاص يزيد عددهم علي 5 مواطنين بقصد التعبير السلمي عن آرائهم ومطالبهم , بينما في قانون حكومة الانقلاب نجد ان المظاهرة هي كل تجمع ثابت لافراد يزيد عددهم علي 10 بقصد التعبير سلميا عن آرائهم , وهنا نجد الفارق الجوهري بين النصين فنجد ان القانون الجديد اعتبر المظاهرة مقصورة علي التجمع الثابت فقط والذي يزيد علي 10 متظاهرين . ثانيا بالنسبة لطريقة التعبير الحر عن الرأي في المظاهرة نجد أن قانون مكي نص علي للمتظاهر الحق في التعبير عن رايه بصورة فردية او جماعية مستخدم في ذلك أية وسيلة مشروعة بما فى ذلك مكبرات الصوت واللافتات التى تعبر عن آرائهم وميولهم بما لايخالف القانون , بينما تجاهل قانون حكومة الانقلاب هذا الحق أو تغافل عنه . ثالثا بالنسبة لاجراءات تأمين المظاهرة فنجد أن قانون مكي أمر بتشكيل لجنة من قبل وزير الداخلية في كل محافظة برئاسة مدير الامن تتولي مع منظمي المظاهرة وليس بمفردها مراجعة الضوابط والضمانات الكفيلة بتأمينها وحماية الارواح والممتلكات العامة والخاصة , ويحرر محضر للاجتماع يوقع عليه من منظمي المظاهرة , ويجوز لهذه اللجنة في حالة الضرورة بالاتفاق مع منظمي المظاهرة – وليس بمفردها – تحويل خط سير المظاهرة الي خط مغاير لأسباب طارئة تتعلق بتأمينها – وليس الغائها – بينما في قانون حكومة الانقلاب نجد أن القانون امر بتشكيل ذات اللجنة علي ان تكون مهمتها وضع الضوابط والضمانات الكفيلة بتأمين المظاهرات المخطر عنها، وطرق التعامل معها في حالة خروجها عن إطار السلمية، وتعريض الأرواح والممتلكات العامة والخاصة للخطر وذلك كله بمفردها دون الاتفاق مع منظمي المظاهرة . رابعا بالنسبة لاعتراض الاجهزة الامنية علي تنظيم المظاهرة نجد ان قانون مكي نص علي أنه يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص أن يعترض على المظاهرة بطلب يقدم إلى قاضى الأمور الوقتية بإلغائها أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر ، متى وجدت أسباب جوهرية لذلك .ويصدر قاضى الأمور الوقتية قراراً مسبباً بذلك على وجه السرعة , بينما في قانون حكومة الانقلاب نجد أنه نص علي عكس ذلك حيث اجاز لوزير الداخلية او مدير الامن المختص ان يعترض علي المظاهرة ويصدر قرارا بالغائها او تغيير خط سيرها اذا وجدت اسباب جوهرية لذلك بمفرده دون اللجوء الي القضاء علي انه يحق للمنظمين للمظاهرة ان يتظلموا من هذا القرار امام القضاء , مما يعني ان المظاهرة تلغي بقرار اداري وليس قضائي مسبب.
خامسا بالنسبة للاعتصام والمبيت ففي الوقت الذي حظر قانون مكي علي المتظاهرين الاعتصام او المبيت أمام مؤسسات محددة يحددها المحافظ المختص بالتنسيق مع وزير الداخلية نجد أن قانون الحكومة الانقلابية حظر علي المتظاهرين الاعتصام او المبيت في أماكن المظاهرة سواء كانت امام هذه المؤسسات المحددة أو في أماكن أخرى. سادسا بالنسبة لحالات فض المظاهرات فنجد أن قانون مكي اشترط توافر ثلاثة حالات لفض التظاهرات وتفريق المتظاهرين وهي " عدم اخطار الجهات الامنية بالمظاهرة , ومخالفة التعليمات والارشادات المتفق عليها بين الجهات الامنية ومنظمي المظاهرة , والاعتداء علي المؤسسات العامة والخاصة وتعطيل المرور ومصالح المواطنين ... "بينما في قانون حكومة الانقلاب لم يشترط حالات محددة لتفريق المتظاهرين وانما جعل الامر مرهون بمخالفة النظام العام وهي جملة مطاطة ليست لها معايير محددة بل واجاز استخدام اقصي درجات القوة لمواجهة المتظاهرين والقبض عليهم في هذه الحالة ,وعلي عكس ما كان منصوصا عليه في قانون مكي من انه يحق لوزير الداخلية أو مدير الأمن فى هذه الحالات أن يطلب من رئيس المحكمة الابتدائية المختصة ندب من يراه لإثبات حالة المظاهرة قبل فضها , نجد أنه اجاز لوزير الداخلية او مدير الامن ان يطلب ندب قاضي لاثبات ذلك ولم يذكر "قبل فض المظاهرة "كما كان منصوص عليه في قانون مكي وهذا يعني أنه ربما يكون الندب أثناء الفض وليس قبل الفض. سابعاً بالنسبة لاماكن تسيير المواكب والمظاهرات ففي الوقت الذي لم يمنع فيه قانو مكي المتظاهرين من تسيير المواكب والمظاهرات من أي مكان نجد أن قانون الحكومة الانقلابية حظر علي المتظاهرين الاجتماع العام او تسيير المواكب والمظاهرات أمام أماكن العبادة ناسيا ومتجاهلاً أن جميع التظاهرات السلمية التي كانت تخرج أثناء ثورة الخامس والعشرين من يناير كانت تتخذ من دور العبادة منبعا لها وسكنا لها حيث كانت تبدأ هذه المسيرات والتجمعات من امام دور العبادة , كما ان العجيب ان هذا النص يأتي في الوقت الذي اغلقت فيه حكومة الانقلاب كافة الميادين امام المصريين للتعبير عن آرائهم وافكارهم بكل سلمية. ثامناً بالنسبة للعقوبات ففي قانون مكي نجد ان العقوبة المقررة لكل من ثبت تقاضية مبالغ مالية من جهات او اشخاص من داخل او خارج مصر لتنظيم مظاهرات تهدد الامن العام او عرض او قدم تلك المبالغ او توسط في ذلك هي السجن المشدد وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه , بينما في قانون حكومة الانقلاب نجد ان العقوبة اصبحت السجن والغرامة 100 ألف جنيه الي 300 ألف جنيه لكل من عرض او حصل علي مبالغ نقدية او أي منفعة لتنظيم المظاهرات او الاعتصام دون اخطار او توسط في ذلك او حرض علي ذلك ولو لم تقع المظاهرة او الاعتصام , وهنا نجد تزايد العقوبة بل وجعلها تقع في حالة الاعتصام وليس التظاهر فقط . كما أنه في قانون مكي في حالة قيام المتظاهرين بالتعدي علي الممتلكات العامة او الخاصة , او غلق الطرق او الميادين وتعطيل حركة المرور ,او حرق اطارات خشبية أو حمل اسلحة وذخائراو العاب نارية او مفرقعات , تكون العقوبة الحبس وغرامة لاتقل عن 20 الف جنيه ولا تزيد علي 50 ألف جنيه , بينما في قانون حكومة الانقلاب نجد ان العقوبة تكون الحبس والغرامة التي لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد علي 100 مائة ألف جنيه. وأخيرا بعد توضيح الفارق الكبير بين قانون مكي وقانون حكومة الانقلاب هل ستتحرك المنظمات الحقوقية المصرية والاجنبية ووسائل الاعلام المصرية للتنديد بهذا القانون كما نددت من قبل قانون مكي أم اننا لا نسمع لها صوتاً الان؟؟؟
" محامي وناشط حقوقي"
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.