تتملكك الدهشة عندما تجد البعض يطلب منك أن تحدد له على وجه الدقة الأشياء التي ستحدث في المستقبل ، وأن تشرح له بالتفصيل كيف ستجرى الأمور في اليوم التالي ، وإذا لم تفعل ذلك فأنت متهم عنده بأنك شخص عشوائي لا تعرف ما تريد ، ويبدأ في تقريعك والمبالغة في لومك ، ويقول لك ببساطة: يجب أن تملك تصورا كاملا لما ستؤول إليه الأحداث ، ويجب أن تخطط بدقة لما سيكون في قابل الأيام. ثم تبدو أنت بعد ذلك مثيرا للشفقة عندما تؤثر فيك كلمات اللوم والتقريع ، فتبدأ في جلد ذاتك ، وتتهم نفسك بالتقصير لأنك – ويا للحسرة – لم تتمكن من حجز تذكرة "رايح – جاي" إلى العالم المستقبلي لتقف على الأخبار الجارية هناك ، ثم تعود فتقصها على أصدقائك وتصبح بعدها أنت بريئا من تهمة التخبط والعشوائية. هذا ما يحدث عندما يسألك أحدهم الأسئلة المستفزة عن عودة الرئيس ، ويطلب منك أن تقدم له إجابات واضحة عن الطريقة التي سيعود بها الرئيس ، وعن التوقيت الذي سيعود فيه الرئيس ، وعن كافة التفاصيل والدقائق الأخرى المرتبطة بعودة الرئيس. لماذا؟ لأنك تنادى بعودة الشرعية وتحشد الشارع ، وبما أنك تفعل ذلك فيجب أن تقدم للذين يسيرون وراءك الخطة كاملة ، وأن تحكي لهم أخبار المستقبل حتى يكونوا على بينة من أمرهم. يا سادة نحن لا نعرف متى سيعود محمد مرسي ، ولا نعرف كيف سيعود محمد مرسي ، ولا نعرف ما إذا كان محمد مرسي سيعود أصلا أم لا. كما أننا لا نملك بالطبع أي فكرة عما سيحدث في المستقبل ، وليس عندنا أي اتصال بالجان الذين يسترقون السمع ، ولا بالعرافين الذين يضربون الودع ويقرأون الفنجان. الموضوع ببساطة أننا نقف موقفا تاريخيا ووطنيا تجاه انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب ، لا نقدم أية ضمانات بشأن نهاية الإنقلاب وعودة الرئيس ، كل ما نملكه أننا نتعهد بالثبات على المطالب التى سالت من أجلها دماء الشهداء ، وأن نبذل ما نستطيع في سبيل عودة الشرعية المغتصبة ، ونثق كل الثقة في أن الحراك الشعبي الجارى الان سينجح في دحر الإنقلاب. ما هو المشهد الذي سيسدل عليه ستار مسرحية الإنقلاب؟ لا ندري. لسنا نحن الفاعلين وحدنا على خشبة المسرح. تستطيع أن ترسم مشهد النهاية إذا كانت المسرحية من تأليفك وإخراجك ، كما أنك تملك التخطيط للمستقبل وتحدد الإطار الزمنى لمشروعك إذا كنت أنت من يقف على تنفيذه. واجب الوقت هو التصدى للإنقلاب ، والضغط فى اتجاه عودة الشرعية ، استهلاك الحديث حول دراما خروج محمد مرسي وهو يلوح بيديه للثوار ليس مفيدا بأي حال ، وإن كنت أظن أنها ستكون دراما مضحكة ، مبكية ، مخجلة ، مخزية ، كلٌ على حسب موقعه على خشبة مسرحية الإنقلاب الهزلية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.