كنت أرغب اليوم في استكمال ما بدأته عن خطورة عودة العسكر للسلطة والهيمنة على الدولة وكيف أن حكم العسكر والفساد قرينان لا ينفصلان ، غير أن التسجيل الخطير الذي تم تسريبه أمس لحوار الفريق السيسي مع الزميل ياسر رزق قطع علي هذا المسار مؤقتا لأنه من العيار الثقيل ويصعب تجاهل دلالاته ، والتسجيل شديد الوضوح والترابط ويستحيل عمليا الطعن عليه بالفبركة ، وأنا مندهش جدا من خروج اللواء سيف اليزل بعد ساعتين فقط من نشره ليقول أنه مفبرك ، هل كنت تشم على ظهر يدك أم أنك متصل بالجن والعفاريت أو أن الشريط تم عرضه على خبراء دوليين وأكدوا لجنابك أنه مفبرك أم أنه طلب منك أن تخرج بسرعة وتنفي صحة التسجيل ، والحقيقة أن سرعة رد الفعل المتشنج من سيف اليزل وتهاني الجبالي وياسر وغيرهم من النخبة المرتبطة بالمشروع العسكري يعني أن التسجيل نزل كصاعقة على رؤوس الجميع ، لأنه يكشف عن أكثر من بعد خطير ، في مقدمتها اهتزاز الفريق السيسي وضعف ثقته بالمستقبل القريب واستعجاله لإنجاز خطوة وصوله إلى السلطة بما يعطيك الانطباع بأنه مدرك بأن الوقت ليس في صالحه ، وأيضا يكشف عن قلق السيسي من المؤسسة العسكرية ذاتها وأنه بمجرد أن يخطو خطوة واحدة خارجها فلن يعود لدرجة أنه يطلب حماية حقه في العودة إذا فشل مشروع الرئاسة ، فأمره كما يقولون : عين في الجنة وعين في النار ، أيضا يكشف الحوار عن قلق الفريق السيسي من أن تتم محاكمته على مجموعة الأحداث الدموية التي جرت في مصر مؤخرا وربما تجر هذه الوقائع وقائع أخرى مشابهة جرت قديما في محمد محمود وماسبيرو واستاد بورسعيد ونسبت وقتها إلى الطرف الثالث ، وهو طرف أصبح قاب قوسين أو أدنى من الوضوح الآن ، أيضا يكشف التسجيل عن الدور الذي يقوم به صحفيون وإعلاميون ومثقفون متحلقون حول الجنرالات ، لم يكن ياسر صحفيا يطرح أسئلة وينتظر أجوبة أو حتى يطرح تحفظات على أقوال ، وإنما كان "شريكا" في تخطيط لكيفية دعم الجنرال وتهيئة الجو أمامه لانتزاع السلطة ويقدم له النصائح والأفكار المعاونة ، هو جزء خفي من الترتيبات الغامضة التي تجري في الظلام وبعيدا عن المؤسسات الدستورية أو نظر الرأي العام ، وتكليف السيسي لياسر أن يقوم بتسويق الفكرة بين المثقفين يعني أن ياسر ليس مجرد رئيس تحرير لصحيفة جامله العسكر بالانتقال إليها بعد أن أطاح به الإخوان وفقط وإنما يعني أنه أنهم يتعاملون معه "كمقاول أنفار" في عملية انتقال السلطة أو التسويق للنظام الجديد ، والمدهش أنه بعد أقل من يومين فقط من هذه الجلسة بدأ إعلاميون ورموز حقوقية ومدنية يروجون لنفس المطلب وبالنص : حصانة السيسي وحمايته ، فعل ذلك محمود سعد على الهواء في برنامجه في قناة النهار ، وقاله سعد الدين إبراهيم في تصريحات فيها ما يشبه التحدي ، وآخرون ، بما يعني أن جهود ياسر كانت سريعة وحماسية وبدأت تؤتي ثمارها بعد أقل من يومين من التكليف . التسجيل المسرب يعطي دلالات أخرى ربما أكثر خطورة ، لأنه ليس الشريط الوحيد وإنما سبقه عدة تسجيلات مشابهة ، والغريب أن "جماعة السيسي" لم تطعن عليها ولكنها فزعت من هذا الأخير فسارعت بالطعن فيه والادعاء الفج بأنه مفبرك ، فالتسجيل المسرب يعني أن جهة ما قامت بتسريبه بداهة ، ولم يكن في الحوار سوى ثلاثة أطراف ، السيسي ومدير مكتبه وياسر رزق ، فمن الذي سربه منهم ، وقد سارع ياسر للتهديد بالشكوى للنائب العام ليبعد عن نفسه الشبهة ، أم أن الفرضية الأسوأ أن يكون هناك "طرف رابع" سجل أيضا وسرب التسجيل ، كما أن هذا التسجيل تم تسريبه إلى جهة لها ارتباطها الصريح مع جماعة الإخوان ، وهو ما يطرح تساؤلات عن مغزى ذلك ، هل هو من باب ثقة "المورد" في أنهم سيهتمون بالشريط وينشرونه بينما الآخرون ربما لو وصلهم لأعادوا تسليمه إلى السيسي نفسه ، أم أن الإخوان أو بعض القريبين منهم اخترقوا دائرة قريبة جدا من السيسي لدرجة أنهم خصصوا موقعا أو صفحة منفصلة للتسجيلات المسربة السابقة والأخرى التي أكدوا أنها في الطريق . بدون أي شك فإن تطورات الأحداث الأخيرة في مصر تؤكد أن الوقت ليس في صالح الفريق السيسي ، وأن التطورات بما فيها عجزه عن مواجهة الإرهاب في سيناء أو قمع الاحتجاجات في الشوارع أو طمأنة الملايين على مستقبل البلاد الأمني والاقتصادي تتسبب في تآكل حضوره الشعبي والسياسي تدريجيا ، وكل يوم يخسر أرضية جديدة من القبول الشعبي أو الثقة به كبديل أو منقذ ، وأنه إذا لم ينتزع الفرصة الآن وليس غدا فإنه قد يخسرها للأبد ، ولكن الاستعجال عواقبه أكثر خطورة ، وسيوقعه في المزيد من الأخطاء وربما الكوارث التي تعرض مستقبله للمجهول ، وهذا هو منبع تردد السيسي وجوهره ، وفي المحصلة فإن ما يحدث في مصر الآن يوحي بأن البلاد حبلى بأحداث جسام وأن مفاجآت كبيرة منتظرة قد تغير مسار الوطن أبعد مما كان يحلم به الجميع .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. twitter: @GamalSultan1