عاموس يدلين رئيس الاستخبارات الإسرائيلي السابق يقول إن الجميع انتصروا في اتفاق الكيماوي ما عدا اثنين: المعارضة السورية، والعدل والأخلاقيات في العالم. روسيا عادت عمليا إلى مكانة متساوية مع أمريكا في الشرق الأوسط. أمريكا لم تسارع إلى تنفيذ خطوة عسكرية، وقد منحها الاتفاق مخرجا سياسيا - دبلوماسيا مرفقا بإنجاز استراتيجي ملحوظ. نظام الأسد نجح في منع ضربة أمريكية مؤلمة وحصل عمليا على مصادقة لمواصلة حربه ضد الثوار وقتل المواطنين بأي وسيلة يختارها. أما إسرائيل فربما زال التهديد طويل السنوات بالسلاح الكيميائي، حيث أصبح بإمكانها أن تتحرر من العبء المالي أيضا المنوط بتكاليف توفير أقنعة الغاز للمواطنين. من تضرر، إذا؟!. العدل والأخلاقيات حيث فضلت الدول العظمى عدم التعامل مع الحل الشامل للقتل المتواصل في سوريا، والأسد المسؤول عن قتل أكثر من مائة ألف سوري، لم تتم معاقبته. المعارضة السورية وكل من يعتقد أن نظام الأسد غير ملائم ليواصل سيطرته على سوريا، وأنه يجب القضاء عليه لأسباب استراتيجية وأخلاقية. نضيف أن هناك خاسر آخر بارز هو السعودية التي كانت تريد معاقبة الأسد بضربة تؤثر على قدراته العسكرية وتتيح للمعارضة المسلحة التقدم وتعديل موازين القوى على الأرض لتكون لها اليد العليا في الحسم العسكري أو السياسي على مائدة التفاوض في مؤتمر "جنيف 2 " أو في غيره. السعودية ودول خليجية تقوم بدور فاعل في دعم المعارضة بالسلاح وفي ميدان السياسة لأن العلاقات مع الأسد صارت بلا رجعة منذ فترة طويلة عندما رفض كل النصائح والوساطات بالتوقف عن القتل الممنهج والاتجاه لحل سياسي سلمي ، والرياض بذلت جهودا كبيرة مؤخرا في إعادة هيكلة تحالف قوى الثورة والمعارضة السورية وأدخلت فيه أطرافا وشخصيات مقبولة من الغرب لتخفيف سيطرة الإخوان والفصائل الإسلامية على تشكيله ، كما دعمت اختيار أحمد الجربا رئيسا له، ثم أحمد طعمة رئيسا للحكومة المؤقتة المزمع تأليفها على أمل ضبط أوضاع الجناح السياسي للمعارضة أمام العالم الخارجي وجعله مقبولا، وتحقيق تناغم بين معارضة الخارج وبين قوى الداخل المسلحة المنضوية في الجيش الحر من غير المرتبطين بالقاعدة ليسهل جلب العون العسكري والسياسي له وتبديد مخاوف الغرب من عدم قدرة القوى المتطرفة على السيطرة على المناطق المحررة وبسط نفوذها على مستقبل سوريا لو سقط النظام. الإقليم يشهد صراع محورين، أحدهما تقوده إيران ومعها سوريا وحزب الله والجماعات الشيعية في العراق واليمن، وهذا المحور يقاتل صراحة إلى جانب الأسد، ولا يريد السماح بإسقاطه لأن فقدان سوريا سيعني خسارة كبيرة لإيران فهي الجسر الذي تتمدد من خلاله في المنطقة العربية وتفرض نفسها كلاعب مؤثر، كما أن سوريا هي ظهير لميليشيا حزب الله رأس الحربة الإيرانية لتحقيق أهدافها في المنطقة من خلال توجيه رسائل لأمريكا عبر تحرشه بإسرائيل، والمحور الآخر تقوده السعودية مع بلدان خليجية وعربية لدعم المعارضة وإسقاط نظام الأسد لمحاصرة خطر إيران وخطر الأسد إذا بقي في السلطة، والوضع الآن هو صراع وجود بين هذين المحورين، محور ايران يتحصن وراء روسيا والصين ومحور السعودية يحتمي وراء أمريكا وفرنسا وبريطانيا، لكن للأسف القوى الكبرى لا تعتد إلا بمصالحها ولا تهتم بحلفائها كثيرا وخصوصا من يتحصنون بالأمريكان، فقد خذل أوباما المعارضة السورية والرياض وبقية العرب الذين وقفوا إلى جانبه ودعموا الضربة العسكرية في الجامعة وفي اجتماع باريس، بل وتعهدوا بتمويلها، لكن أمريكا تلعب وفقا لمصالحها وبدون أخلاق أو تعاطف مع الدم، ولما وجد أوباما مخرجا ساعده فيه غريمه الروسي بوتين للنزول من على الشجرة فإنه تخلى فورا عن الضربة وعن حلفائه العرب وأصابهم بخيبة أمل كبرى. مشكلة أوباما أنه لا يريد التدخل بأي شكل في سوريا لا سلما ولا حربا خدمة لإسرائيل لأنها تحصد النتائج في كل الحالات فإضعاف سوريا كدولة مهم لها وإضعافها كنظام حاكم وكمعارضة مهم أيضا وتسليم الأسد لسلاحه الكيماوي هو خدمة مجانية لم تكن تحلم بها جاءتها على طبق من ذهب واستمرار القتال مفيد لها لأنه يقود سوريا إلى هاوية التفتيت والصراع الذي لا ينتهي والفشل الكامل. مقاربة أوباما للحل كما قال مؤخرا لشبكة تلفزيون تيليموندو الناطقة بالإسبانية إنه يهدف إلى تحول يخرج فيه الأسد من السلطة على نحو يحمي الأقليات الدينية ويضمن ألا تصبح للمتطرفين الإسلاميين اليد الطولى داخل البلاد، والخطوة التالية بعد الكيماوي هي الحوار مع كل الأطراف المعنية بالأزمة والبلدان التي تساند سوريا مثل روسيا لنقول "هيا نضع نهاية لهذا ". لكن متى يشرع أوباما بهذا الحل لمنع سقوط المزيد من الضحايا، وهل تسمح إسرائيل بذلك الحل إذا كان الرئيس الأمريكي جادا فيه، وماهي الكلفة الأخرى التي يريدها من دماء السوريين بعد 125 ألف قتيل حتى اليوم، هل يريد مثلهم أو ضعفهم حتى يقول "هيا نضع نهاية لهذا"!. للأسف أوباما لا يجيد غير الكلام فهو بارع فيه أما في الفعل فهو متردد وضعيف، وسبق وكتبت عن مهاراته في الأقوال وليس الأفعال، وقد شككت في أكثر من مقال في نيته ورغبته بمعاقبة الأسد ولو عقابا محدودا وسريعا كما كان يروج، وتأكد ما قلته. محرقة سوريا لن تتوقف اليوم، ولا غدا، إلا إذا أرادت إسرائيل، أما العرب فهم ينتظرون من يقوم بالحل، أو بالتدخل نيابة عنهم، وهم مجرد متفرجون!. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.