كعادتها دائما قبل شن أية عمليات عسكرية تحاول الولاياتالمتحدةالأمريكية إنشاء تحالف دولي يدعم قرارها دون اللجوء لمجلس الأمن الدولي، وحالياً ترغب واشنطن في معاقبة الرئيس السوري بشار الأسد رداً على استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين في منطقة "الغوطة"، وتحاول إظهار أن العالم كله يشعر بالقلق إزاء ما حدث في سوريا وليس فقط الأمريكيين، والتي روعت المجتمع الدولي بأسره من جرائم الحرب التي تحدث في هذا البلد على يد قوات النظام السوري الموالية للرئيس بشار الأسد. لم يكن غريباً على أمريكا أن تستدعي حلفاءها الدائمين وعلى رأسهم بريطانيا لمهاجمة سوريا، فقد شاركوا جميعاً في حملتين ضد صدام حسين في العراق، الأولى خلال حرب الخليج الأولى 1991، الرئيس جورج بوش الأب جمع قوة عسكرية بنحو مليون جندي من 31 بلداً حول العالم بما في ذلك جنود من سوريا لمهاجمة قوات صدام وتحرير الكويت من الغزو العراقي، وحتى لو كان معظم الجنود في واقع الأمر ينتمون إلى الولاياتالمتحدة وبريطانيا، إلا أنه كان هناك شعور بأن العالم كله قد انضم لمحاربة قوات صدام حسين، أما الحملة الثانية فكانت عام 2003 لإسقاط النظام العراقي من الوجود نهائياً وكانت الحملة العسكرية تحت ستار الأسلحة الكيمائية في بغداد، وتآلف التحالف وقتها الذي قادته الولاياتالمتحدة من 30 دولة ، بما في ذلك جزيرة تونغا ومولدوفا ودولاً صغيرة لإظهار أن هناك جبهة عالمية موحدة على استعداد للقتال ضد الديكتاتوريات الشمولية ودعماً للسلام العالمي، رغم أن هاتين الدولتين شاركوا فقط بأقل من ثلاثين جندياً لكل منهما، ولكن وضعوا اسماءهم وراء الجهود الدولية لمحاربة الديكتاتورية وكان ذلك كافياً لنيل رضاء أمريكا. د.عماد جاد الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية قال: إن الحليف العسكري لواشنطن وذراعها الوحشي في المنطقة -إسرائيل- كانت بعيدة عن هذا التحالف خوفاً عليها من مئات صواريخ سكود العراقية التي تستطيع الوصول إلى عمق تل أبيب، حيث كان يعتقد بوش الابن أن مشاركة قوات الدفاع الإسرائيلي في الحرب على العراق من شأنها أن تكون سبباً في انهيار دولة إسرائيل من الوجود، أما مع سوريا فإنه يجري التخطيط لهجوم عسكري قوي وخاطف وقيادة تحالف بمشاركة إسرائيل، لكن لن تتطلب إدارة أوباما إلى حشد ائتلاف واسع النطاق للمشاركة في حملة عسكرية يصفها البعض بأنها ستكون محدودة، نظراً لأن العراق عكس سوريا والجيش السوري من أقوى جيوش المنطقة ويمتلك أسلحة روسية متطورة قادرة على ردع أية اعتداءات خارجية بمشاركة حلفائه -إيران وحزب الله اللبناني- كما أن إسرائيل في حال كانت جزءاً من الجبهة الدولية التي يتم تشكيلها لمعاقبة سوريا على مزاعم استخدام السلاح الكيماوي فإنها ستضع أمام الأسد إمكانية توسيع الحدود الضيقة لهذا الصراع وتحويلها إلى حرب إقليمية. ومن جانبه أوضح د.مصطفى النجار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن توجيه ضربة أمريكية على سوريا من الممكن جداً أن تفتح أبواب جهنم على إسرائيل، ولذلك تحاول واشنطن إقناع العالم الإسلامي أولاً قبل العالم الخارجي بأن النظام السوري يذبح شعبه بالكيماوي في محاولة لحشد جبهة عربية لتبرير الضربة الأمريكية ضد سوريا، رغم أنه من المستحيل إقناع ملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم أن أي هجوم على سوريا هو رغبة من أمريكا لإقامة نظام ديمقراطي أو لحماية المدنيين هناك من المذابح، لكنها في النهاية محاولة أمريكية وتآمر صهيوني لتفكيك مربع المصالح والتشابكات المعقدة بين إيران وسوريا وروسيا والصين وتغيير خريطة الشرق الأوسط، لافتاً إلى أنه خلال الفترة الماضية تم بالفعل بث صور الضحايا من الأسلحة الكيميائية المستخدمة في ضواحي دمشق من قبل جميع شبكات الأقمار الصناعية الرئيسية لإثبات أن الأسد تجاوز الخط الأحمر في الصراع مع المعارضة المسلحة، وسيحدث في يوم من الأيام بعد توجيه الضربة العسكرية ضد سوريا أن تخرج إسرائيل بكل فخر واعتزاز لتقول "نحن لم نغلق أعيننا أو نقف مكتوفي الأيدي لحماية حياة جيراننا الذين كانوا يُذبحون من قبل زعيم لا يرحم"، رغم أنه عندما يتعلق الأمر إلى سفك الدماء في العالم العربي فإن العقيدة الإسرائيلية السائدة تنتقل من اللامبالاة إلى الشماتة، وقديماً قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل مناحيم بيجن عندما اندلعت الحرب بين إيران والعراق "أتمنى لكلا الجانبين النجاح والنصر". وفي رأي د.عمرو الشلقاني أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أن نجاحات المعارضة المسلحة في الآونة الأخيرة ضد القوات النظامية أعطى انطباعاً عند الأسد أنها قادمة وتستطيع الوصول إلى دمشق، بجانب إلى عدم قدرة النظام السوري في القضاء على المتمردين جعله يفكر في كيفية مقاومة المسلحين وإخراجهم باستخدام وسائل غير تقليدية منها السلاح الكيماوي مثلاً، وهو الأمر الذي صدم العالم وجعل أوباما يقول: "إن اتباع سياسية ضبط النفس هذه المرة لن تكون خيارنا"، موضحاً أن الهجوم على إسرائيل من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني أو كتائب حزب الله اللبناني رداً على توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا معضلة حقيقية تواجه أمريكا وتتخوف منها إسرائيل، ولذلك تفكر أمريكا في دخول حرب مفتوحة على كافة الأصعدة مع إمكانية توجيه ضرية مشتركة لكل من إيران وسوريا، أو التراجع والعودة إلى الحل السلمي؛ لأنه في كلا الحالتين احتمالات نشوب حرب إقليمية قائمة سواء تم ضرب دمشق يمفردها أو مع طهران، وحتى إذا شاركت إسرائيل في الحملة الدولية العسكرية أو لم تشارك، ولا أحد يتوقع توابع هذه الحرب على دول الخليج ومصر والمنطقة بأسرها. وفي هذا الصدد، يجري عقد اجتماعات مكثفة من قبل بعض وكالات الاستخبارات الغربية والعربية، كما التقى بعض رؤساء أركان جيوش العالم في الأردن مؤخراً لبحث إمكانية توابع ما سيحدث في حال تم توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، وهناك عدد غير قليل من خطط طوارئ أمريكية تحسباً لتوابع مشاركة إسرائيل في هذه الضربة، وهنا تفكر واشنطن في أن تكون هناك عملية جوية قصيرة ودقيقة لفترة زمنية محدودة وينبغي أن يكون هدفها توجيه ضربة خطيرة لإضعاف النظام السوري. ويرى د.عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه قبل أربع سنوات عندما مُنح أوباما جائزة نوبل للسلام، كرّس خطابه في الاحتفالية على موضوع الحروب العادلة وغير العادلة.. وأكد أيضاً على وجود حروب ليست ضرورية لكن لا مفر منها مثل حرب العراق وأفغانستان، لكن يبدو أن كلمات أوباما ستنطبق أيضاً على سوريا رغم أن هذه الحرب ستشكل عبئاً ثقيلاً على المنطقة، إلا أن هناك حاجة دائمة لإثبات صفات أن أمريكا قوة عظمى أمام دول العالم، وعليها معاقبة من يخرج عن نطاق السيطرة -حسب رؤيتها الأحادية-، حتى في ظل مساندة روسيا ودعمها المطلق للنظام السوري، موضحاً أن هجوم الولاياتالمتحدة على سوريا قد يقوض احتمالات عقد مؤتمر جنيف للسلام 2، كما ستتفاقم العلاقات المتوترة فعلياً بين واشنطن وموسكو، من ناحية أخرى فإن المعارضة المسلحة مازالت عاجزة عن تحقيق أي نجاح ملموس ضد القوات النظامية، لكنها استفادت دولياً من فضيحة استخدام الأسلحة الكيميائية المشكوك حتى الآن من وراء استخدامها؟ وربما توجد تعليمات أمريكية لمفتشي الأممالمتحدة بعدم معرفة من كان على خطأ لدحض حقيقة من وراء استخدام الكيمياوي بهدف توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، وربما يجري إعداد العملية العسكرية دون انتظار نتائج تقرير المفتشين، لافتاً إلى أن إمكانية وجود مساعدة عسكرية مباشرة من قبل روسيا والصين لنظام الأسد، لن يكون سهلاً بسبب القيود المفروضة على التسليم الفعلي للأسلحة، لكن سيكون هناك تعاون أوثق ولا محدود مع إيران وتفعيل سريع لإمدادات الأسلحة إلى مقاتلي الجيش السوري النظامي.