في الوقت الذي زعمت فيه الإدارة الأمريكية استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، قطع جون كيري وزير الخارجية إجازته القصيرة لمعالجة الأزمة حسب ما ترى الولاياتالمتحدة.. وعلى رأسها إمكانية اتخاذ إجراءات عسكرية محتملة في حال ثبوت استخدام الكيماوي وفقاً لتقرير لجنة مفتشي الأممالمتحدة.. الرئيس أوباما يدرس توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا من شأنها أن تكون ذات نطاق محدود ومدتها قليلة، كما أنها ستكون بمثابة عقاب لاستخدام الأسد للأسلحة الكيماوية ورادعاً لعدم تكرار المحاولة مرة أخرى، حسبما أكد بعض المراقبين العسكريين أن توقيت مثل هذا الهجوم لن يستمر أكثر من يومين وتشمل استخدام صواريخ وربما قاذفات القنابل بعيدة المدى، وهذا الأمر متوقف على ثلاثة عوامل، أولاً: الانتهاء من تقرير وفد مفتشي الأممالمتحدة وتقييم مسؤولية الحكومة السورية، ثانياً: التشاور المستمر مع الحلفاء والكونغرس، ثالثاً تحديد مبرر بموجب القانون الدولي ولعدم إغضاب روسيا والصين. بوب كروكر عضو لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس, أكد أن الإدارة الأمريكية عليها أن تتبع إجراءات القانون الدولي في حال أصرت على توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، نظراً لأن تفويض استخدام القوة ضد دولة أخرى يأتي فقط من مجلس الأمن، وطالما اعترضت روسيا والصين اتخاذ مثل هذه الإجراءات ضد الأسد، فإننا لابد أن نمثل لذلك ونساهم في إيجاد حلول دبلوماسية أكثر قوة وغير تقليدية، مشدداً على ضرورة الاحتكام إلى قواعد القانون الدولي ودراسة المبررات القانونية الممكنة على أساس تقرير مفتشي الأممالمتحدة ومدى ضلوع الأسد في انتهاك الحظر الدولي على استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. ويرى د.عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن مثل هذه الخطوة التي صممت لتكون رادعاً وعقاباً للنظام السوري وقوات الأسد من شأنها أن تفجر المنطقة وتقلبها رأساً على عقب، فلو أصرّت أمريكا على توجيه ضربة خاطفة وسريعة ضد أهداف سورية فإن الأسد ربما ينتقم من حليف أمريكي -إسرائيل- التي ستكون أذرعها متوجهة في الضربة، رغم أن الجيش النظامي أرهق تماماً في الصراع الداخلي إلا أنه لن يتردد في توجيه بعض الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي، ووقتها ستتدخل روسيا والصين لدعم المساندة للأسد ومنع تل أبيب من إمكانية الرد العسكري، لافتاً إلى أن واشنطن لا يمكنها الدخول في مغامرة خاسرة أو حرب مفتوحة في سوريا لوجود حليف قوي البنية العسكرية يساند الأسد (روسيا)، ومؤخراً قال بوتين: إن روسيا لن تتخلى عن سوريا حتى لو وصلت الحرب إلى شوارع موسكو، وهي إشارة واضحة وصريحة للأمريكان أن إغضاب روسيا ستكون عواقبها وخيمة. ومن جانبه أشار د.مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن أمريكا تبحث في مختلف زوايا القانون الدولي لإيجاد صيغة قانونية ومبرر دولي لشن عملية عسكرية ضد سوريا، حيث تتمركز سفن حربية أمريكية محملة بالصواريخ والتسليح الفائق في البحر الأبيض المتوسط ومستعدة للانطلاق والدخول في مواجهة في حال إعطائها الضوء الأخضر من إدارة أوباما، موضحاً أن هناك ثلاث عراقيل أمام واشنطن للعمل العسكري، أولاً: تنتظر بفارغ الصبر انتهاء مفتشي الأممالمتحدة من تقريرهم وتوضيح مدى ضلوع ومسؤولية الحكومة السورية في استخدام السلاح الكيماوي، ثانياً: التشاور المستمر مع الحلفاء الغربيين على رأسهم فرنسا وإنجلترا وألمانيا، بالإضافة إلى أهمية إقناع الكونغرس بأهمية الضربة العسكرية، ثالثاً تحديد مبرر بموجب القانون الدولي ضد نظام الأسد مثل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية لعدم إغضاب روسيا والصين، لافتاً إلى أن الأدلة التي يجري جمعها من قبل خبراء الأممالمتحدة في سوريا لا تمثل أي أهمية للإدارة الأمريكية بقدر ما ترغب واشنطن في توجيه ضربة عسكرية سواء تم إثبات استخدام السلاح الكيماوي أم لا، من أجل كسر غرور روسيا والصين. زار فريق من المحققين التابعين للأمم المتحدة ثلاث ضواحي يسيطر عليها المتمردون, حيث وقع الهجوم المزعوم، لكن تعرضت سياراتهم لنيران القناصة من أجل إثنائهم عن استكمال المهمة، وقد تكون محاولة من قوات المعارضة لتوريط النظام في هذا الهجوم المسلح، حسبما أكدت الخارجية السورية. وفي رأي د.عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن أي تورط عسكري مباشر في الصراع السوري الذي أوشك على دخول عامه الثالث ستكون عواقبه وخيمة على المنطقة والمجتمع الدولي، لافتاً إلى أن الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية يدرسون خيارات سياسية ليست جديدة، منها إمكانية تنحي الأسد أو تشكيل مجلس وطني يقود البلاد، وغيرها من الحلول التقليدية التي كثر الحديث حولها والتي لم تلقَ قبولاً لدى النظام السوري أو حلفائها مثل روسيا والصين وإيران، حتى تم استخدام السلاح الكيماوي من قبل قوات مجهولة، وربما تكون قوات مجهولة أو تابعة للمعارضة المسلحة قد استخدمت هذا السلاح الخطير من أجل توريط الأسد أمام المجتمع الدولي لوضع حد للأزمة وكيفية معالجتها بطريقة أو بأخرى، ولا أعتقد أن النظام السوري بهذا الغباء حتى يلجأ إلى إغضاب أو إزعاج المجتمع الدولي ضده، كما أن موسكو لم تكن تسمح بذلك حتى لو رغب الأسد في توجيه ضربة كيماوية لقوات الجيش السوري الحر، موضحاً أن الحكمة من وراء التدخل العسكري المباشر في سوريا هو توجيه ضربات موجعة لما تبقى من الجيش النظامي لتفكيكه وانهياره وضمان أمن إسرائيل، ومن بين الأهداف المحتملة ذات القيمة العالية التي ترغب أمريكا في قصفها مركز قيادة الدفاع الجوي، والاستخبارات السورية، والقوات البحرية وكذلك المنشآت العسكرية الداعمة والحيوية في البلاد، لكن في نفس الوقت مثل هذه العملية تتطلب مئات السفن والطائرات الحربية وربما تكلفت المليارات من الدولارات، بالإضافة إلى أن المناطق السورية الحيوية عديدة ومتناثرة على نطاق واسع، ولن تجني واشنطن من هذه الحرب سوى إشعال المنطقة وخسارتها العسكرية على غرار العراق وأفغانستان. ويرى د.طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن أي هجوم عسكري غربي على سوريا سيقابل بدعم من تركيا وبريطانيا وفرنسا في حال قررت إدارة أوباما التحرك ضد سوريا رداً على الهجوم المزعوم -الأسلحة الكيميائية-، لكن يبدو أن روسيا بعد أن أرسلت قوة بحرية صغيرة لشرق البحر الأبيض المتوسط وتحديداً في ميناء طرطوس السوري، يؤكد أنها جاهزة لصد أي عدوان خارجي, وتستنكر التصريحات اللفظية التي ترمي في مجال توجيه ضربة عسكرية غربية ضد سوريا، ولذلك فإن الولاياتالمتحدة تخشى من توابع توجيه ضربة عسكرية بمفردها وتسعى لإيجاد حلفاء أقوياء يدعمون موقفها ضد موسكو، موضحاً أن إدارة أوباما تنتوي خلال الأيام القادمة إمكانية رفع السرية عن تقييم المخابرات الأمريكة حول مسؤولية الأسد عن هجوم بالأسلحة الكيميائية في معاقل قوات المعارضة، وبعض الأدلة ستكون صوراً من الأقمار الصناعية حول نشاط النظام السوري في تخزين الأسلحة الكيماوية ونقلها إلى مخابئ على الحدود اللبنانية تابعة لحزب الله، بجانب الكشف عن مستودعات الأسلحة الكيميائية في دمشق، وكل الخيارات الأخرى مازالت قيد النظر من قبل أوباما.. ويبقى وضع إطار زمني على قرار الضربة العسكرية غير محدد وغير معلوم تأثيره ومخاطره على تشابكات العالم الدولي. وفي رأي د.حسني بكر الخبير السياسي، أن توثيق استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا تعد جريمة ضد الإنسانية.. ويجب أن يعاقب النظام على استخدام هذا السلاح المحظور دولياً، لكن يبقى حق الفيتو في مجلس الأمن من قبل روسيا والصين حلفاء سوريا يجهض ويقوض أي مهمة عسكرية ضد الأسد، ولذلك فإن وجود تحالف محدود من شركاء حلف الناتو مثل ألمانياوفرنسا وبريطانيا بجوار أمريكا يبدو حلاً قائماً وأكثر احتمالاً؛ هرباً من مواجهة موسكو وبكين في مجلس الأمن، فضلاً عن وجود بعض دول جامعة الدول العربية تطالب بضرورة اتخاذ إجراءات ضد سوريا لإنهاء الأزمة، موضحاً أن أي عمل عسكري غربي رغم أنه سيكون محدود إلا أنه سيكون ذو تأثير قوي على النظام السوري، نظراً لأن توجيه ضربة عسكرية لن تكون لمعاقبة الأسد كما يردد الغرب ولكنها تسعى للحط من قدرات النظام السوري لإضعافه ودعماً للمعارضة