قرأت باهتمام الحوار الممتع الذى أجراه نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد مع شيخ الأزهر الأهرام (10/ 7/ 2010م )، وقد تابعت حوارات الإمام الأكبر منذ تولى مشيخة الأزهر قبل شهور ، ولا أخفى أننى استبشرت خيراً بجلوس د. أحمد الطيب على مقعد الإمام الأكبر، فهو أستاذ فاضل وصوفى ذواقة من أسرة كريمة المعتد والنسب لها فى طريق المعرفة باعٌ وتاريخ، ومثل هؤلاء الشيوخ فى تاريخ الأزهر معدودون، استطاعوا النهوض بالجامعة العريقة وحافظوا على هيبة مقام الإمام الأكبر، ووقفوا فى وجه الحكام بحكمة وقوة ويكفى أن نستحضر منهم فى تاريخنا الحديث الإمام الراحل الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود غفر الله له، وقد سار على دربه الشيخ الراحل جاد الحق على جاد الحق غفر الله لهم أجمعين. وواجب التحية للدكتور الطيب على سلاسة العبارة، ودقة الفهم، وتلقائية الحوار التى لم تذهب به بعيداً ، ورهافة الحس بالأزهر ورجاله والإحاطة الواسعة بمشاكل الأزهر وهموم رجاله والروح الوثّابة التى يلمسها القارئ للنهوض بالأزهر الجامعة والجامع، المؤسسة والرسالة، والإدراك الواعى للمطبات الصعبة التى عانينا منها خلال العقد الأخير بالذات من مواقف بدت شاذة بعيدة على الفهم ولا يستيسغها المسلم العادى من موقع يشغله الإمام الأكبر غفر الله له . لقد كان الإمام واضحاً ومحدداً ، فالأزهر أصيب بانتكاسة بسبب قانون تطويره عام 1960م ولا زال يعانى، وللشيخ رؤية لمعالجة الآثار السلبية لذلك القانون تتمثل فى الإسراع بإنشاء شعبة للعلوم الأزهرية لمن يريد التخصص فى تلك العلوم، ولعلنا نعود إلى سيرة السابقين الذين كان أهلهم ينذرونهم للعلوم الشرعية وللقرآن الكريم وللشريعة الإسلامية، ولعل الشيخ يحصل على نسبة من أوقاف الأزهر الشريف لتشجيع الطلاب على الانتساب لتلك الشعبة الواعده والإنفاق عليهم كما كان يجرى سابقاً. ولقد علمت من متابعتى المحدودة لشئون الأزهر أن الشيخ بالفعل خلال الشهور الماضية بذل جهداً كبيراً لوقف التدهور الذى حدث فى المعاهد الأزهرية والجامعة العريقة، وأصدر تعليماته بإلغاء مناصب شرفية للعديد من المستشارين الذين أرهقوا ميزانية الأزهر وأنصف بتلك المبالغ المدرسين والعاملين بالمعاهد. ويكفى للوقوف على أن الشيخ الإمام له رؤية هو أنه سارع فى صمت باتخاذ قرارات إدارية ومالية وسياسية لوقف ذلك التدهور الذى كاد يصيب الأزهر فى مقتل ويذهب بالهيبة والمكانة التى احتلها الجامع العريق والجامعة الأقدم فى العالم كله فى نفوس المسلمين جميعاً. ولتتأمل معى تلك العبارات القاطعة التى – بلا شك – أثلجت صدور المسلمين بل كل المؤمنين فى العالم: اسمعه يتكلم عن الحوار مع اليهود فيقول : " أما بنى إسرائيل فيريدون فقط من الحوار استدراج العرب إلى التطبيع دون أن يقدموا شيئاً حقيقياً للفلسطينيين" . " ما ينبغى أن يعرفه العرب والفلسطينيون أن إسرائيل لن تعيد حقوقهم على طبق من فضة أو نحاس أو ورق، ومن يرى غير ذلك فهو فى الحقيقة يحلم وعلى الفلسطينيين أن يتحدوا دفاعاً عن حقوقهم المشروعة وأن يستخدموا حقهم المشروع فى مقاومة المحتل بما فى ذلك المقاومة .. " . وعندما سُئل عن سلفه الشيخ طنطاوى غفر الله له، التمس العذر للرجل برقة ولكنه أعلن موقفه الواضح الصريح كإمام جديد للأزهر الشريف قائلاً: "لا أستطيع أن أستقبل الحاخامات (اليهود) ولا أستطيع مصافحة بيريز، ولا أستطيع أن أوجد معه فى مكان واحد" . وعندما استفسر منه المحاور زاعماً أن ذلك تشدداً كان حاسماً فى رده: " لأنه – أى بيريز – أحد الذين خططوا لعدوان إسرائيل الصارخ على الشعب الفلسطينيى والاستيلاء على القدس التى أشعر بقيمتها الهائلة، ولو أننى صافحت بيريز فسوف أحقق له مكسباً لأن المعنى أن الأزهر صافح إسرائيل، وسوف يكون ذلك خصماً من رصيدى، وخصماً من رصيد الأزهر لأن المصافحة تعنى القبول بتطبيع العلاقات وهو أمر لا أقره إلا أن تعيد إسرائيل للفلسطينيين حقوقهم المشروعة ". ورغم تمسكه بالوحدة الوطنية وإعلانه حقوق المواطنة الكاملة لكل مواطنى الدولة على اختلاف أديانهم إلا أنه قال بحسم: " من العدل أن يكون منصب رئيس الجمهورية من نصيب الأكثرية المسلمة كما هو الحال فى كل الدنيا" . وعندما سُئل عن تطبيق الشريعة الإسلامية أقّر بأنّ هناك أمور لا تُطَبق فيها الشريعة موضحاً: " نحن فى مجتمع مسلم ، ومن ينكر ذلك فهو آثم، والأمور التى لا يتم فيها تطبيق الشريعة فى مصر تدخل فى باب المعصية أو باب الطاعة، ولا تدخل فى باب الإيمان والكفر " . وعن السنة والشيعة قال: " الفروق بين (السنة والشيعة) ليست جوهرية، هم يؤمنون بالله الواحد الصمد، ونحن نؤمن به، ويتبعون محمداً كما نتبعه، ويقدسون القرآن الذى نقدسه، ويمكن أن نصلى خلف أئمتهم ويصلون خلف أئمتنا" . وقال عن الحروب بين الشيعة والسنة عندما سُئل : هل يجوز حربهم؟ " الحرب بين السنة والشيعة فتنة كبرى وحرام حرام" . كانت فى الحوار تلقائية شديدة أدّت إلى بعض الهنات التى سارع المتحدث الإعلامى باسم الشيخ إلى تصحيحها فوراً فى اليوم التالى لنشر الحوار بالصفحة الأولى من الأهرام الأحد 11 / 7 عن الشيخ الإمام العلامة يوسف القرضاوى، وعن قناة "أزهرى" الفضائية وبقيت فى الحوار مسألة تحتاج من الإمام الأكبر إلى مزيد من التوضيح وهى المتعلقة بالسلفية والسلفيين والوهابية، ولعل الشيخ يعود فى حوارات مقبلة لمزيد من التوضيح ، فلا شك أننا جميعاً سلفيون ، ولكن هناك من خرج بالسلفية إلى أمور عجيبة وشاذة بعيداً عن وسطية الإسلام واعتداله ، ولا يجوز جمع الجميع فى سلة واحدة. يبقى أن حوار السبت 10 / 7 / 2010 م مع الإمام الأكبر فى الأهرام سيظل نقطة فاصلة وبداية الإعلان عن مرحلة جديدة فى تاريخ الأزهر الشريف الجامع العريق والجامعة الأم التى تشرفت بالتخرج منها دارساً للشريعة الإسلامية. وهنا أودّ من الإمام الأكبر ان يذلل الصعوبات والعقبات من طريق الراغبين فى الدراسة بالأزهر العظيم من خريجى الجامعات الأخرى كما حدث فى عهد سلفه العظيم الشيخ جاد الحق رحمه الله. أخى أسامه سليمان : شفاك الله اجتمع على الأخ الحبيب د. أسامه سليمان السجن وفراق الأهل وإغلاق مصادر الرزق وأخيراً المرض فى القلب بجانب أمراض أخرى. ظلم مضاعف يتحمل وزره كل من شارك فيه بادّعاء كاذب وتهم باطلة وإحالة إلى محكمة غير مختصة استثنائية وإصرار على الحبس رغم الإفراجات القضائية. ولكن رحمة الله أوسع، ورجاؤنا فيه ليس له نهاية. فرج الله كربك يا أسامه، وشفاك من مرضك، وردّك إلى أهلك وأعاد إليك أموالك كاملة غير منقوصة، إنه على كل شيء قدير. منع كتب المودودى فى بنغلاديش لم تكتف الشيخة حسينة رئيسة وزراء بنغلاديش بإعدام جنرالات وقفوا ضد أبيها انتقاماً منهم، بل اعتقلت رئيس الجماعة الإسلامية بالبلاد وأمينها العام وعدد من قيادتها. وكان آخر الإجراءات القمعية إصدار أمر إلى كل مكتبات البلاد التى تزيد على 23 ألف مكتبة بحجب كتب العلاّمة الكبير الإمام المودودى رحمه الله، وهم منتشرة منذ عشرات السنين فى كل بقاع الدنيا ولم يكن هناك إرهاب ولا عنف، وإلصاق العنف والإرهاب بها هو هراء لها يستند إلى دليل، والجماعة الإسلامية فى باكستان والهند وبنغلاديش مثال الوسطية والاعتدال ومؤسسها هو المودودى رحمه الله. المشكلة سياسية فى الأصل لأن الجماعة الإسلامية كانت ضد انفصال بنغلاديش عن باكستان وهو الانفصال الذى قادت إليه رابطة "عوامى" التى أسسها الشيوعيون والعلمانيون بزعامة والدها، كما كانت فى الأصل مع وحدة شبه القارة الهندية قبل أن تتفاقم الأحداث وتضطر إلى الإنقسام والرحيل إلى باكستان وبقى من بقى منها ليواصل مسيرة العمل الإسلامى فى الهند.