رفض المتحدث الرسمي لمشيخة الأزهر أن يتركنا نستمتع بحوار الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في أهرام السبت.. حيث لم تمض سوي ساعات معدودة علي نشر هذا الحوار الصريح والمتميز..حتي وجدنا المتحدث باسم المشيخة يصدر بيانًا يعيد فيه صياغة بعض إجابات الإمام الأكبر الصريحة والتي وردت نصًا علي لسانه..خاصة ما قاله بخصوص الشيخ يوسف القرضاوي وكذلك رأيه الصريح في قناة أزهري ووصفه للشيخ خالد الجندي بأنه ليس من علماء الأزهر. ما قاله المتحدث في بيانه أفسد علينا الاستمتاع بالحوار وأفقده كثيرًا من حيويته وعفويته..وأخشي أن نفاجأ غدًا بهذا المتحدث وهو يعيد صياغة جديدة لما تبقي من إجابات جريئة وردت علي لسان الشيخ في حواره..مما سيفقد هذا الحوار أهم سماته وهي الصراحة والوضوح..وقبل أن ننفعل بحوار قادم لشيخ الأزهر نرجو من المتحدث باسم المشيخة مراجعته قبل النشر حتي لا ننفعل بما يقوله إمامنا الجليل أكثر مما ينبغي. ظني أنها المرة الأولي التي يعلن فيها رأس أعلي سلطة دينية في مصر رأيًا واضحًا وصريحًا يحمل اتهامًا لفترة الحكم الناصري بأنه قد سعي إلي تحجيم دور الأزهر عن قصد.. مما دعا شيخ الأزهر وقتها لتوجيه خطاب بهذا المعني إلي عبد الناصر..لم يكتف الدكتور الطيب بذلك الاتهام بل ذكر أن لديه من الوثائق ما يؤكد صحة أقواله..وكنت أرجو من الأستاذ مكرم الاستزادة من تلك الإجابة وأن يسأل أكثر حول تلك النقطة، كما نأمل أن يشرح لنا الشيخ في حوارات قادمة تفاصيل هذه الوثائق. ومنذ زمن بعيد لم أستمتع بحوار لشخصية تنتمي إلي المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء) لأسباب كثيرة أهمها أن المتحدثين كانوا موظفين أكثر منهم علماء دين..كما أن غالبيتهم افتقدوا الثقافة الواسعة والاطلاع علي علوم الحضارات المختلفة مما يسمح لهم بتوجيه خطاب مستنير يعلي قيمة التفكير العقلي..وحده شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب الذي نجح في أن يجذبني- وغيري كثيرين- للاستمتاع بحواره الأخير مع الأستاذ مكرم محمد أحمد بجريدة الأهرام..الذي وجدنا فيه سماحة الإسلام وعالميته.. وقد جاء الحوار متميزًا لعدة أسباب منها: 1- الصراحة المطلقة التي اتسمت بها آراء الشيخ الجليل دون التفاف حول ما يريد قوله أو التلاعب بالمعاني أو الجهل فيما يتحدث عنه.. وقد نشرت أمس مقتطفات من هذا الحوار في جمل قاطعة ومباشرة قالها الإمام الأكبر. 2- الاستنارة العالية التي حملتها إجابة شيخ الأزهر مثل وصفه الأقباط بأنهم مؤمنون وليسوا كفارًا..وهو قول يختلف كلية عن خطاب سابق لبعض المنتسبين للمؤسسة الدينية..وقوله بأن حرب الشيعة والسنة حرام وفتنة كبري ..وإباحته سماع الغناء..وحديثه الصريح عمن يتاجرون بالدين..ولم يخش شيخ الأزهر أن تفتح آراؤه الصريحة أبواب النقد والهجوم عليه لكن يبقي أنه قال ما هو مقتنع ومؤمن به. 3- حتي نستمتع بحوار مع شخصية في قامة شيخ الأزهر فلابد أن يكون محاوره من الطراز الرفيع..هكذا كانت براعة الأستاذ مكرم في أسئلته والمناطق التي ذهب إليها.. مما جعله حوارًا مختلفًا عن حوارات سابقة أجراها آخرون مع الإمام الأكبر.. وبسبب تميز الأسئلة فقد خرجنا بآراء جديدة علي لسان الدكتور الطيب. ورغم كثرة إيجابيات الحوار فإنه ينبغي أن يترجم شيخ الأزهر أقواله إلي أفعال. .وأن ينتقل من خانة التصريح إلي الفعل.. فأمام الرجل مناطق وساحات تحتاج منه شجاعة الاقتحام بعد سيادة ثقافة الجهل وغلبة التدين الشكلي وربما اصطدام ما سوف تقوله المؤسسة الأزهرية مع بعض مواقف الدولة.