1- الاعتذار فضيلة وليس عيباً، وهو خلق اجتماعي يستهدف طيب المعايشة بين أفراد المجتمع، ويمحو ما قد يشوب المعاملات الإنسانية والمجتمعية من اضطراب، أو من تشاحن نتيجة اختلاف الرؤى، أو تعارض المصالح، أو سوء الأفهام، أو سوء تقدير المواقف... والاعتذار ينفي عن صاحبه صفة التعالي والكبر، ويمنحه المصداقية والثقة في قلوب الآخرين، كما أنه يُزيل الأحقاد، ويقضي على الخصومة في مهدها، ويدفع عن صاحبه سوء الظن به والارتياب فيه، والأهم من ذلك كله أنه نوع من تحمل المسئولية عن الخطأ حتى وإن كان الأخير غير مقصود لذاته أو دُفع إليه دفعاً. 2- نعم مصر الآن - وشعبها الطيب- تحتاج إلى الاعتذار؛ من أجل لم شمل أبنائها واجتماعهم من جديد على آمال وأهداف الثورة. لكن من يقدم الاعتذار؟؟.. أيقدمه من عزلوا الرئيس المنتخب وحبسوه، من عطلوا الدستور، وأهدروا القانون، وامتهنوا كرامة المصريين واستباحوا دماءهم... لن يفعلوا أبداً، فأيديهم تخضبت بالدماء، والدم لا يغني عنه اعتذار.... بل سيكرسون سلطتهم أملاً في الهرب من ثمن الدماء. 3- إذن من له أن يقدم هذا الاعتذار إلى مصر وشعبها غير من كانوا في سدة الحكم بالأمس القريب، من أخرجوا رئيسهم من القصر بسوء الممارسة سواء كانت عن قصد، أو عن خطأ، أو عن جهل، أو عن تقصير وسوء فهم أو تقدير. فئات كثيرة من المصريين استشعرت من التيار الإسلامي لغة الاستغناء والاعتداد بالنفس.. نعم استشعروا لغة الاستعلاء عليهم، وعدم حاجة حكامهم الجُدد إليهم في إدارة شأنهم العام ومشاركتهم فيه، وكانت أول الأخطاء عدم استيعاب من فجر الثورة من شباب مصر الأطهار، فتركوهم للئام النخب العواجيز، أو لفضائيات رجال أعمال النظام السابق، أو لمنظمات دولية مشبوهة شوهت كفاحهم وثورتهم حتى أنهم يُتهمون اليوم بالتخابر... نعم كانت هناك أخطاء كبيرة ومتكررة، كالتعامل الهين المائع مع براثن الفتن، من الداعين إليها والداعمين لها... كانت هناك أخطاء عدم تطهير مؤسسات الدولة بشكل مباشر وعاجل... كان هناك بطء وتقاعس بل وخطأ في طريقة أخذ حق من ضحوا من أجل مصر ومازال حقهم إلى اليوم ضائع. وإن أضفنا إلى ذلك من قبل مفاجأة كثيرين بإعلان الإخوان عن مرشح رئاسي لهم رغم سبق تأكيدهم بالامتناع عن ذلك، إضافة إلى ما شاب تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور من نسب ومحاصصة اعتبرها كثيرون أيضاً تكريساً للاستقواء والاستئثار والمغالبة... وقد تحولت جل هذه الممارسات السياسية السلبية التي جاء أغلبها عن تخوفات أو عن جهل بدهاليز السياسية وصنعتها، إضافة إلى تآمر جهنمي ممن كانوا ينتمون لدولة مبارك فيما أطلق عليه البعض"الدولة العميقة، فضلاً عن مكائد الخارج وخوف الكثيرين من استقرار مصر واعتدال وجهتها على طريق ديمقراطي ذو مرجعية إسلامية يحيي أمل وحدة العرب ومن بعد وحدة المسلمين... كل هذه عوامل هدم عجلت بالسقوط المفاجئ والمدوي وخروج الرئيس المنتخب غيلة من القصر بل وحبسه. 4- والذي لاشك فيه أن ممارسات التيار الحاكم من قبل، وأخطائه هذه- بل ومجرد وجوده في سدة الحكم- وَرَّثّ كثير وكثير من الاختلاف والاضطراب، الأمر الذي الذي تحول بعد الانقلاب إلى كراهية مستحكمة من البعض، وشماتة من البعض الآخر، ورضا من طرف ثالث بخارطة الانقلاب إن كانت ستفلح في تكريس الاستقرار، واستتاب الأمن، وعدم انقطاع الكهرباء، وتوفير الوقود، وسير عجلة الحياة، ونيل لقمة العيش، حتى وإن تحقق ذلك على حساب التضحية بالإخوان وحلفاءهم، وهو ما جرى بالفعل، فلم يتصدى للانقلاب على التجربة الديمقراطية الوليدة سوى أول الخاسرين... 5- من أجل ذلك ولأن الإخوان لم يوفقوا فيما ذهبوا إليه في كثير من المواقف والممارسات والتي أثبت الزمن خطأ قرارهم بصددها، ولأن اجتهادهم رغم الخطأ كان عن إخلاص ولصالح هذه الأمة، فيتعين عليهم ابتداءً الاعتراف بالخطأ، ثم الاعتذار لجميع التيارات الثورية، ورفقاء ميدان التحرير وشعب مصر الطيب على هذه الأخطاء التي دفع الإخوان ثمنها باهظاً من دماء الشهداء، حرباً ضروساً تشنها عليهم أدوات الانقلاب. 6- وليكن هذا الاعتذار بمثابة مصالحة شعبية حقيقية تدعو الجميع إلى التوحد والالتفاف حول راية الثورة التي تكاد تضيع، ويكاد يسلبها النظام القديم وعملاؤه مرة أخرى. فغالبية الشعب الطيب لا تمارس السياسة، إنما ترغب في حياة هادئة، ولقمة عيش حلال للأبناء.... لكن الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه سيتملك شغاف قلوب هذه الغالبية بقوتها الناعمة، وستحرك المصالحة الشعبية عاطفتها نحو الحق والعدل، نحو التصدي للباطل، نحو حماية التجربة الوليدة ومحاسبة المنقلبين عليها، السارقين للحلم، الذين أهدروا الدم الحرام. 7- وجملة القول انه لا قبل ولا إمكانية لمواجهة جبروت قوة الانقلاب الغاشمة إلا بانضمام هذه القوة الناعمة ذات الثقل إلى من بالشارع والميادين الآن، وإنه لا سبيل إلى ذلك إلا باعتذار واجب، عن اجتهاد خاطئ، وسوء ممارسات جاء عن أثرة، أو خوف، أو جهل بجديد لم تختبر فيه أي من القوى السياسية في مصر من قبل.