قامت إسرائيل منذ أسبوعين بقصف موقع سورى، على خلفية تهديد إيران بأنها لن تسكت عن أى اعتداء على سوريا. وحيث إن إسرائيل تسعى منذ سنوات لدفع الولاياتالمتحدة إلى شن حرب مدمرة ضد إيران تقضى على منشآتها النووية، لأنها أجبن من أن تطلق رصاصة على إيران، فإن الأمريكيين مازالوا على رفضهم خوض حرب لا قبل لهم بتحمل تبعاتها على منطقة الخليج بأسرها، ولا بتحمل أثمانها الباهظة على قواعدهم وجنودهم. ضربت إسرائيل سوريا لاستدراج إيران إلى ضربها، فلا يجد الأمريكيون مفرا من الدفاع عنها. غير أن إيران لم تُستدرج إلى الفخ المنصوب. ولأن الصهاينة لا يختلفون فى جميع بلدان العالم، وحيث إن دوافعهم واحدة: استبداد وعنصرية وشر مطلق، نرى صهاينة مصر ينهجون النهج الشيطانى نفسه: فكما جرّت إسرائيل شَكَل إيران بضرب الموقع السورى، يجرّ حلفاؤها فى مصر شَكَل الإخوان بالاعتداء المتواصل على قصر الرئاسة. وكما تسعى إسرائيل إلى استدراج إيران إلى مصيدة الاشتباك معها من أجل استدراج أمريكا إلى حرب مع إيران، يسعى حلفاؤها فى مصر إلى استدراج الإخوان إلى الاشتباك معهم من أجل استدراج الجيش إلى الانقلاب على الحكم المنتخب، والدخول فى حرب دموية مع الإسلاميين، تريح العلمانيين منهم مرة وإلى الأبد. لست من أنصار إلقاء الاتهامات جزافا. وعندما أتهم العلمانيين بالصهينة، فإنى لا أفعل ذلك اعتباطا، وإنما على أساس أدلة قاطعة. مثل هذا الدليل الذى ذكرته للتو مثال آخر كنت قد ذكرته منذ شهور بمقارنتى بين استقواء العلمانيين بالعسكر، قبل رحيلهم عن السلطة، على الشعب وممثليه الشرعيين، واستقواء العصابات اليهودية بالاحتلال الإنجليزى، قبل رحيله عن فلسطين، على الشعب الفلسطينى صاحب الشرعية. ومثال ثالث نراه فى التشابه بين الديمقراطية العنصرية التى تمارسها إسرائيل بإقصاء العرب عنها، وتلك التى تنادى بها قوى العلمانية فى مصر، بإقصاء الإسلاميين عنها. فى الحالتين يتحول العرب (أو الإخوان) إلى ديكور فى الكنيست (أو مجلس النواب)، أى أقلية لا حول لها ولا قوة. أما أن يتحول العرب (أو الإخوان) إلى أغلبية، فهذا دونه حرق البلد على رءوس من فيه وسفك دماء وبلطجة وإرهاب. ومثال رابع ملحق بالثالث نراه فى سلوك كل منهما عندما تسير الأمور عكس ما يشتهى، فيأتى رد الفعل فى صورة بلطجة وقتل وإرهاب. ومثال خامس نراه فى سلوك وسائط الدعاية المصرية من صحف وفضائيات، التى تكاد تكون نسخة كربونية من وسائط الدعاية الصهيونية فى الولاياتالمتحدة وبريطانيا، والتى تعاملت معها على مدار أكثر من 13 عاما أثناء عملى بالبلدين. أما المثال السادس فقد ذكرته من قبل، ونراه فى موقف الطرفين من الديمقراطية المصرية الوليدة. فكل منهما يستميت من أجل وأدها فى مهدها. من المنطقى قطعا أن يكون هذا هو هدف الصهاينة فى إسرائيل وأوربا والولاياتالمتحدة، لأن الديمقراطية هى السلاح الأخطر فى هذا العصر، ولأنه لا توجد دولة مارستها بحق إلا وتقدمت وازدهرت وظهرت على أعدائها. ولكن عندما نرى تيارا سياسيا فى الداخل يرتكب الفعل نفسه، وينقلب على الديمقراطية ويرفض نتائجها منذ استفتاء مارس 2011، مرورا بكل الانتخابات، وانتهاء باستفتاء ديسمبر 2012، ويسعى إلى وأدها والانتقام من الشعب الذى مارسها، فلا أظن أنى أكون مبالغا عندما أقول إن هؤلاء صهاينة التقت مصالحهم مع مصالح صهاينة الخارج. نعم لم يكن مبارك هو كنز إسرائيل الوحيد فى مصر، لأنه ترك وراءه فى مختلف المواقع فى مصر كنوزا صهيونية كامنة تتحين الفرصة من خلال الثورة المضادة لكى تعود بمصر إلى سابق عهدها.. دولة ذليلة تابعة لإسرائيل. والسؤال هو: كيف نستطيع إجهاض هذا المخطط الشيطانى؟ هناك أسس وبدهيات إذا تجاهلناها وتخلينا عنها فلن نفلح إذن أبدا، وسنكون قد فرطنا فى نعمة الثورة وخذلنا شعبنا، وجميع شعوب العرب الذين يتطلعون إلى مصر كى تنهض بهم وتقودهم إلى الأمام. أول هذه الأسس والمبادئ هو مبدأ الشورى. إن الرئيس مرسى فى النهاية انتخبه الشعب، ومن ثم فالجميع يجب أن يقف وراءه بكل قوة، ومن لا يفعل فهو إنسان مغرض فاقد الوطنية، محتضن للصهيونية. الرئيس مرسى أمر واقع يجب أن يحترمه الجميع، ليس لشخص مرسى، ولكن دفاعا عن الديمقراطية التى نريد أن نؤسس عليها مصرنا الجديدة. غير أن هذا الأمر الواقع الشرعى يقابله أمر واقع آخر غير شرعى يتمثل فى جبهة الخراب وكل من يتحالف معها من صهاينة مصر. الحالة التى تمثلها جبهة الخراب لا تختلف عن الحالة التى يمثلها وجود إسرائيل فى المنطقة. كلا الكيانين يعادى ويحتقر الشعب المصرى ويحارب ديمقراطيته الوليدة.. كلا الكيانين يفرض نفسه علينا بالإرهاب والبلطجة، وكلاهما يمتلك وسائط دعائية قوية ونافذة تقلب الحقائق إلى أكاذيب والعكس، ولكن كلا منهما أمر واقع قادر على إلحاق كثير من الأذى بنا، وقادر على تصيد أخطائنا واستغلالها ضدنا. ومن ثم يتطلب الأمر كثيرا من الحكمة والذكاء والصبر والمناورة فى التعامل معهما، من أجل كف شرورهما عنا. ولعل خروج التيار العلمانى على الشرعية وسقوط أقنعة المنتمين إليه تباعا خلال العامين الماضيين- يكون مصدر خير فى النهاية، لأنه بمثابة فرصة للإسلاميين فى الحكم لكى يتعلموا من أخطائهم فى التعامل معه حتى لا يكرروها فى تعاملهم مع صهاينة الخارج. فمثلا، كما دفعت ضغوط إسرائيل (المستندة إلى أموال طائلة تصل إليها من أمريكا وأوربا) العرب إلى الزهق من القضية وتوجيه اللوم والعتاب إلى الفلسطينيين، لابد من أن نفكر كيف نجهض مخطط العلمانيين (المستندين إلى أموال طائلة تصل إليهم من الفلول والخليج) للوصول إلى الهدف نفسه داخليا.. أى دفع شعب مصر إلى الزهق من الديمقراطية، التى أعتبرها قضية المصريين الأولى، وتوجيه اللوم والعتاب إلى كل ما نعانى منه إلى الإخوان خاصة، والإسلاميين عامة. إن الحوار والتوافق مع علمانيى الداخل لا يختلف فى جوهره عن التفاوض والسلام مع الإسرائيليين. فالتوافق المزعوم هو فى الامتثال لشروطهم، تماما كما هو السلام مع إسرائيل. ومع ذلك يمكن أن نقدم على هذه الأمور ولكن دون أن نسمح للطرف الآخر باستهبالنا. إن العلمانيين الصهاينة لم يتركوا وسيلة انقلابية إلا وجربوها.. قضائيا وعسكريا وبلطجة.. لم يبق لديهم إلا الانقلاب الإرهابى بالاغتيالات السياسية، وبعده الانقلاب الصهيونى باستدراج إسرائيل إلى شن حرب على مصر. ومن ثم على الرئيس والجماعة أن يدركوا خطورة ما يضمره هؤلاء لنا، فلا يوفروا لهم ما نحن فى غنى عنه. عليهما أن يتوقفا عن ارتكاب الأخطاء الفادحة وإطلاق التعهدات المستحيلة، وأن يسعيا إلى إشراك الإسلاميين من خارجهما فى قرارهما، حتى لا يتصلبا فى أمور تستدعى المرونة، ويلينا فى أمور تستدعى التصلب. عليهما أن يفعلا شيئا سريعا لمواجهة الكلمة الخبيثة التى تسمم أجواءنا، وذلك بكلمات طيبة تصدر عن منابر إعلامية قادرة على المنافسة وجذب القراء والمشاهدين لها.