خلصنا مما سبق أن الرئيس السادات قد اتخذ قرارًا منفردًا مخالفًا آراء كل القادة، بل وما هو منصوص عليه فى الخطة الهجومية العسكرية "المآذن العالية" التى تدربت عليها القوات ثم نفذتها بنجاح تام ومنقطع النظير منذ السادس من أكتوبر وحتى يوم 12 أكتوبر 1973، (حيث احتلت قواتنا رءوس الكبارى بعمق 10-15 كم شرق القناة)، كما أنه – أى السادات - ألقى بتحذيرات كل القامات العسكرية المصرية الفذة عرض الحائط، وأصر على تقدم القوات برغم تعرضها لمخاطر التدمير، فضلاً عن تعرضها – أيضًا - للإخفاق فى تلك المهمة القتالية. وقد قيل فى ذلك إنه وصلت إليه استغاثات من الجبهة السورية تستصرخه نجدتها، كما قيل إن الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل كانت له صلة بنقل نصائح السفير السوفيتى الموافقة لرأيه لدى السادات، لحمله على إصدار الأمر باستئناف القوات المصرية تقدمها لتنفيذ المهمة الجديدة (تطوير الهجوم)، بيد أن المخاطر التى أبداها القادة العظام المصريون له، كانت حريًا به أن تثنيه عن ذلك القرار، ولكن هيهات، فلم تجدِ. وبالدخول إلى كواليس اتخاذ ذلك القرار وجدنا أن السادات قد قوبل قراره بالرفض من هيئة رئاسة الأركان، وعلى رأسها الفريق الشاذلى رئيسها، ثم لقى رفضًا من قادة الجيشين الثانى والثالث الميدانيين، والذى على إثره أمر السادات قائدى الجيشين بتركهما مقرى قيادة الجيشين واستدعاهما لمركز العمليات الرئيسى بالقاهرة، واستمر الاجتماع معهما خمس ساعات، وأسفر أخيرًا عن أن يتم التنفيذ، غير أن السادات وافق على تأخير موعد بدء تطوير الهجوم 24 ساعة، ليبدأ صباح يوم 14 أكتوبر بدلاً من صباح يوم 13 منه، ريثما يدفع الجيشان مفارز استطلاع أمام الأرتال المتقدمة، فضلاً عن أداء ما يلزم من أعمال. تطوير الهجوم شرق القناة صباح يوم 14 أكتوبر دُفِعَت قوات الفرقتين المدرعتين 4، 21، من مواقعها غرب القناة إلى شرقها، وبدأت فى الاشتباك مع مدرعات العدو فى معركة وصفت بأنها أكبر معارك الدبابات فى التاريخ، غير أن قواتنا ابتعدت خارج نطاق الحماية الجوية لها، ومن ثم كابدت عظام المشاق، ولم يتثن لها أن تحقق أى انتصار، لأن قوات العدو تلقت معاونات جوية حاسمة من سلاح الجو الإسرائيلى الذى كانت طائراته تتفوق على طائرات قواتنا الجوية عددًا بنسبة 2,5: 1، فضلاً عن الكفاءة للسلاح الأمريكى عن السلاح الروسى المتخلف نسبيًا، ولقد سطر التاريخ هناك أساطير فى البذل والفداء، وجاد الكثير من أبطالنا بروحهم ودمر الكثير من دبابات قواتنا قبل أن تشتبك مع العدو، وبمن فيها من جنود بدم بارد نتيجة القصف الجوى المعادى. وأخيرًا، صدرت الأوامر لتلك القوات – قوات التطوير - بالعودة إلى مواقعها التى كانت تحتلها غرب القناة للاشتراك فى حصار القوات الإسرائيلية التى تمركزت بثغرة الدفرسوار. التسرب الإسرائيلى غرب القناة مساء يوم 14 أكتوبر(الثغرة) تخلف عن دفع الفرقتين الرابعة عدا لواء، والواحد وعشرين مدرعًا، إلى شرق القناة، أن تركتا أماكنهما شاغرة، كما أفرغتا المفصل بين أجناب الجيشين الثانى والثالث لمسافة ميل فى المواجه وميلين عمقًا، عند مدينة الدفرسوار، تم تصويرها من طائرة الاستطلاع الأمريكية "أواكس"، فاستثمرت إسرائيل ذلك، ومن ثم أسرعت بعبور القناة عند تلك المدينة من الشرق إلى الغرب بعدد 7 دبابات، و3 عربات مدرعة، و250 جندًا بقيادة ايريل شارون، حيث انتشرت فى عدة أماكن لاستهداف دشم قواعد الصواريخ المصرية، فدمرت العديد منها، ومن ثم أحدثت ثغرة جوية فى نطاق الحماية الجوية لقواتنا غرب القناة. وتزامن مع ذلك تقاطر وصول أفواج الدبابات من الجسر الجوى الأمريكى الممتد من جميع القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة حول العالم إلى مطار العريش تلك الدبابات المكتملة الأطقم من الأفراد، والتى ما لبثت أن لامست الأرض، حتى انطلقت على الجنزير صوب الدفرسوار، برغم طول المسافة (الدبابات لا تتحرك على الجنزير إلا قبيل الفتح فى تشكيلات القتال). وبدأت الطائرات الإسرائيلية لأول مرة منذ بدء العمليات تحلق غرب القناة، ودارت أول المعارك الجوية التى أسفرت عن سقوط 15 طائرة فانتوم إسرائيلية، مقابل سقوط 8 طائرات ميج مصرية. ووصلت الدبابات من العريش إلى داخل الثغرة، واستمر الحشد الإسرائيلى حتى أصبح لدى إسرائيل غرب القناة أربع فرق مدرعة، اشتملت على 7 ألوية مدرعة، ولواء مشاة مظلات، ولواء ميكانيكى. وحاول بعض من تلك القوات دخول مدينة السويس، إلا أنه فشل لمناعة المقاومة الشعبية هناك، كما حاولت قوات أخرى دخول مدينة الإسماعيلية، وفشلت، واعترضت تلك القوات الكثير من الهيئات الأرضية المعوقة والموانع الطبيعية التى حصرتها فى منطقة محدودة، كما قابلتها مقاومة شديدة من بعض الوحدات المتمركزة غرب القناة. إلا أنها نجحت فى تطويق الجيش الثالث وقطع خطوط إمداداته، غير أن قادة الوحدات لذلك الجيش كانوا قد احتاطوا لذلك من قبل، وقاموا برفع المستويات اللوجستية من الذخيرة والطعام والماء المخزنة لدى وحداتهم المقاتلة لمدد أطول، وذلك ما أحبط المخطط اليهودى فى استسلام قوات مصرية نتيجة التطويق والحصار. واعتبارًا من يوم 17 أكتوبر، كانت القوات المصرية التى تحاصر الثغرة الإسرائيلية تتألف من ثلاث فرق مشاة ميكانيكى وقوات الصاعقة والمظلات وبعض احتياطيات القيادة العامة (قوات الحرس الجمهورى ذات الكفاءة العالية) وقوات رمزية من الدول العربية، بالإضافة للفرقتين المدرعتين: الرابعة والواحد وعشرين العائدتين من شرق القناة. وكل هذه القوات كانت على أهبة الاستعداد بل ومتحرقة لتلقى الأوامر بتصفية الثغرة. وقد وجدت القوات الإسرائيلية نفسها فى موقف حرج وخطير، إذ تتواجد لها قوات مدرعة كبيرة جدًا محصورة فى منطقة أرضية محدودة جدًا تحدها موانع طبيعية فى العديد من الجهات ومحاصرة بحجم كبير من القوات المصرية، وبالإضافة لتلك المخاطر كانت المسافة بينها وبين خطوط اتصالها بقواعدها وإمداداتها المتواجدة خلف خط المضايق شرق القناة (فى سيناء) طويلة جدًا وضيقة ويسهل على الجيش المصرى سدها وقطعها، وبالتالى تطويق تلك القوات الإسرائيلية ومنع المدد عنها، فتصبح عرضة للتدمير أو الاستسلام. لذلك فبحلول يوم 22 أكتوبر وجد كل من الجيشين أن من مصلحته فض الاشتباك وأن يسمح الجيش المصرى بالخروج الآمن للقوات الإسرائيلية من غرب القناة (الثغرة)، مقابل أن يفك حصار الجيش الثالث الميدانى، فى إطار قرار مجلس الأمن رقم 338 الذى أسدل الستار عن أكبر المعارك فى الصراع العربى الإسرائيلى التى أسفرت عن كسر أسطورة التفوق الإسرائيلى المدعوم بالدولة العظمى الوحيدة فى هذا العالم، ألا وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية، التى رعت بعد ذلك المباحثات التى أفضت إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية بكامب ديفيد بالولاياتالمتحدةالأمريكية. تلك كانت خواطر مقاتل من الجيل الذى مضى من القوات المسلحة المصرية - الذى يطلق عليه جيل أكتوبر - وذلك فى تأملاته فى الحرب الرمضانية. "انتهى" عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.