حسنا ما قام به النائب العام المستشار عبد المجيد محمود مؤخرا من فتح التحقيق في ملف رشوة المرسيدس ، وهي خطوة تأخرت كثيرا ، دون سبب مفهوم ، ظل العالم يتحدث طوال شهرين تقريبا عن فضيحة رشوة المرسيدس التي كشفت عنها تحقيقات أمريكية وانتهت بحكم قضائي بعد اعتراف الشركة بأنها قدمت رشاوى لمسؤولين في عدة دول من أجل تسهيل بيع منتجاتها بعيدا عن "الشفافية" في المنافسة ، ومن هذه الدول التي حددتها مصر وذكرت أن مسؤولا رفيعا فيها تلقى الرشوة ، وانتشر الحديث في الصحف والفضائيات واتهامات طالت رموزا كبيرة في مصر منهم رؤساء وزارة ، كل ذلك ولم يتحرك أحد للتحقيق ، ولا أمر النائب العام بفتح أي تحقيق ، حتى فوجئنا به أول أمس وهو يعلن فتح التحقيق في الملف ، لماذا تجاهله وقت الهوجة ، ولماذا قرر فتح التحقيق أخيرا ، هذا ما يصعب فهمه ، لكن في النهاية نقول : حسنا أن تأتي ولو متأخرا ، غير أن ما أعلنه النائب العام عن خطة التحقيق لا يبشر بكشف المتهم ولا يفتح بابا للأمل في وصول العدالة إلى الحقيقة ومن أقصر طريق ، لأن الإعلان قال أنه أمر بإحصاء تعاملات المؤسسات المصرية مع شركة مرسيدس طوال المدة التي شهدت الاتهامات بالرشوة وهي حوالي ثماني سنوات ، وأظن أن مثل هذه "الرحلة" ستمتد بتحقيقات النيابة إن شاء الله إلى الألفية الرابعة قبل أن نصل إلى الحقيقة ، وأما الطريق المختصر فهو واضح وصريح ، وهو مخاطبة رسمية للجهات القضائية الأمريكية بطلب ملف التحقيقات المتعلقة بالرشوة في مصر والتي ذكر فيها اسم المسؤول المصري كاملا ومنصبه ، وكان أكثر من مسؤول أمريكي تجاري وقانوني ، قال أنهم لن يقدموا أي معلومات عن التحقيقات والأسماء إلا بناء على طلب رسمي من الجهات الرسمية المصرية ، وبالتالي فالطريق واضح ومختصر يا عبد المجيد بيه ، وهو مخاطبة رسمية مباشرة للجانب الأمريكي ، سيعطوك الملف وبه الاسم كاملا والمبالغ بالتفاصيل ، وكانت الشركة قد أعلنت عن المبالغ الحرام التي دفعتها بالفعل كرشوة في مصر ، ولكن اسم المسؤول الذي قبضها أخفته ، فلماذا تصر النيابة العامة على طريق رأس الرجاء الصالح ، وتتجاهل الطريق المختصر ، لماذا لا تخاطب الطرف الأمريكي مباشرة وتطلب الملف ، والحقيقة أن تأخر جهات التحقيق في المبادرة باستجلاء الحقيقة في القضايا التي تشغل الرأي العام من شأنه أن يعرض مؤسسة العدالة لسوء الظن ، وهناك كثير من الملفات والقضايا التي تحدث عنها الإعلام علانية خلال السنوات الماضية من دون أن نسمع شيئا عن مصيرها وحقيقتها ، وعلى سبيل المثال فقد ذكر نائب رئيس حزب التجمع النائب البرلماني السابق أبو العز الحريري أن هناك قضية شهيرة حدثت في سفارة مصرية بأوربا ، عندما قام سفير مصري بإيداع مبلغ كبير من المال قدر بحوالي 750 مليون دولار في أحد البنوك السويسرية ، ثم تم تحويل المبلغ بطلب من البنك إلى بنك آخر ، غير أن البنك الثاني قرر إعادة المبلغ وتسليمه إلى السفارة المصرية لأنه لم يكن هناك أي مستند يدلل على مصدر المبلغ ومشروعيته ، وتم إسدال ستائر الصمت حول هذه الواقعة دون أن يجيب أحد عن مبررات حمل سفير مصري لمثل هذا المبلغ الكبير ، ومن الذي سلمه المبلغ ، ولحساب من ، ولماذا رفضه البنك تحديدا ، وأين ذهب المبلغ بعد ذلك ، لماذا لا تبادر أي جهة بفتح تحقيق حول الواقعة ، ولماذا لا تهتم أي جهة رسمية مصرية بسؤال النائب البرلماني السابق عن معلوماته حول الموضوع درءا للشبهات وإجلاء للحقائق ، صحيح أن "اللامبالاة" هي شعار المرحلة في التعامل مع ما ينشر في الإعلام المحلي أو الدولي عن الشأن المصري ، ولكن بعض القضايا تكون اللامبالاة فيها أشبه بالاعتراف بالتهمة . [email protected]