نجح نواب مجلس الشورى أمس ، وبعد مناقشات ساخنة وتحذيرات قوية ، في تأجيل الموافقة على اتفاقية تأسيس شبكة التنمية العالمية الموقعة في داكار ، محذرين من خطورة هذه الاتفاقية على الأمن القومي المصري حيث تتيح نصوصها القيام بأعمال التجسس على الدول الموقعة عليها ومن بينها مصر. وقرر صفوت الشريف رئيس المجلس عقب محاولات فاشلة من الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابة لتهدئة ثورة النواب إعادة الاتفاقية للجنة مشتركة من لجنة التعليم ومكتب لجنة الشئون الدستورية ومكتب لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي لدراستها من جديد في ضوء تحفظات ومخاوف النواب. وطالب الشريف من وزارة الخارجية إرسال أحد مسئوليها من ذوي الخبرة ويليق بمكانة المجلس لتقديم شرح وافي عن الاتفاقية للنواب ، مشددا على أن مجلس الشورى يهدف في المقام الأول إلى تحقيق المصلحة الوطنية. وكان النواب قد شككوا في أهداف الاتفاقية وما سوف تقوم به شبكة التنمية العالمية من مهام كما شككوا في الأطراف التي تقف ورائها ، وأشار الدكتور فاروق إسماعيل رئيس لجنة التعليم ومقرر الموضوع إلى عدم وضوح بعض نصوص هذه الاتفاقية كما أكد أن اللجنة لم تتمكن من الاستدلال على الجهة الحكومية المستفيدة منها ، الأمر الذي أدى إلى عقد ست اجتماعات لدراستها . وأكد إسماعيل تحفظ اللجنة على المادة الخاصة بحصانات العاملين في المؤسسة ، بينما تساءل الدكتور خلاف عبد الجابر عن أسباب إعفاء الشبكة من الضرائب ، وأكد أن مصر لديها عقول وكوادر اقتصادية قادرة على إعداد الدراسات التي تخدم المصلحة المصرية وليست بحاجة إلى من يملى علينا توجهاته. وانتقد بشدة النائب الدكتور نبيل لوقا بباوي الاتفاقية ، وقال إنها اتفاقية بلا أطراف واضحة توقع عليها ، منتقدا بشدة وزارة الخارجية التي أرسلت اتفاقية لمجلس الشورى ليس موقعا عليها من أطراف أو جهة محددة. وحذر ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل من خطورة الانضمام إلى هذه الاتفاقية ، لافتا إلى أن القائم عليها هو البنك الدولي الذي يحاول التدخل في شئون مصر الداخلية ، كما أن الاتفاقية تتعارض مع البرنامج الانتخابي للرئيس مبارك. وشكك النائب الدكتور عبد الكريم درويش في أهداف الشبكة مؤكدا أنه استشعر بالبعد الأمني من عرض الاتفاقية في اللجنة ، وأن أهدافها ليست في صالح مصر ، كما أن عدد الدول الموقعة عليها ضئيل جدا ومن الصعب على أي إنسان له ضمير حي أن يوافق على هذه الاتفاقية. وتحفظ المستشار رجاء العربي على عدد من بنود الاتفاقية مؤكدا أن مجلس إدارة الشبكة له حق تعديل الاتفاقية كما أن الحصانات مبالغ فيها ، وهو ما تحفظ عليه أيضا الدكتور إبراهيم العناني ، والذي اعتبر أن نشاط الشبكة تجاري غير مهني لا يستحق الحصانة. من جانبه ، حاول الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية تهدئة ثورة النواب وتخوفاتهم من هذه الاتفاقية ، وأكد أن الشبكة لا تمارس أعمال التجسس على الدول وأن الحكومة المصرية هي الأب الشرعي للاتفاقية التي وقعتها في يناير 2005 . وأضاف شهاب " إذا كان المجلس يساوره أي شك في خطورة الاتفاقية على الأمن القومي فعليه أن يستدعي خبراء من الأمن القومي أو أمن الدولة وغيرها من الأجهزة المختصة حتى يحدد موقفه النهائي ". وطالب شهاب بوضع النص الأصلي للاتفاقية الموقع باللغة الإنجليزية لإزالة الغموض الأمني بصفة خاصة عن الاتفاقية حتى تزال المخاوف الأمنية لدى النواب ، لكن الدكتور شهاب عاد وأيد مطالبة النواب بإعادة بحث الاتفاقية قبل تمريرها. وأكد أن الحصانة مكفولة لكافة الجهات الدولية في مصر عدا الأعمال أو المعدات التي تضر الأمن القومي ، مشيرا إلى أن نصوص سحب الحصانة من أي مكتب دولي يحددها القانون وتطبق في حالات تعرض الأمن القومي للدولة لأية مخاطر. واعتبر شهاب أن وجود هواجس من البعض حول الاتفاقية لخطورتها على الدولة شيء إيجابي إلا أنه أكد في نفس الوقت أن الاتفاقية فيها مصالح كثيرة لمصر ، ودعا إلى المواءمة بين مصلحة الدولة وما تحققه الشبكة من تنمية للبحوث العلمية في مصر مقابل منح مقر للمنظمة والعاملين بها حصانة وامتيازات في الضرائب ، مشيرا إلى أن الاتفاقية إما أن تقبلها الدولة بالكامل أو ترفضها برمتها. لكن ناجي الشهابي عاد وحذر من أن المنظمة تعمل في إطار شبكة عملها أقرب لعمل المخابرات التي تهدد الأمن القومي ، وطالب بمعرفة مصادر تمويل المنظمة خاصة أنها تضم بين عضويتها دولا فقيرة عدا إيطاليا معلنا رفضه الموافقة على الاتفاقية. وتشير نصوص الاتفاقية إلى أن شبكة التنمية العالمية هي منظمة غير حكومية بدأت عملها في أمريكا في تسعينات القرن الماضي ، وتهدف إلى تطوير بحوث التنمية لمساعدة واضعي السياسات الاقتصادية والاجتماعية في العالم النامي ، ثم تقرر تحويلها إلى منظمة رسمية في أوائل عام 2003 كمشروع للبنك الدولي يهدف إلى تدعيم العمل البحثي بالدول النامية من أجل تهيئة المناخ لمسايرة توجهات كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فيما يخص الإصلاح الاقتصادي. وتهدف الاتفاقية إلى تبادل نتائج الأبحاث والمعلومات والخبرات فيما بين الدول النامية والدول المتقدمة وتطبيق نتائج الأبحاث على السياسات الاقتصادية والاجتماعية ووضعها تحت نظر واضعي السياسات التنموية. وبموجب اتفاقية تأسيس شبكة التنمية العالمية الموقعة في داكار صارت المنظمة تتمتع بالصلاحيات اللازمة لممارسة مهامها باعتبارها شخصية اعتباريه كاملة مثل منظمة الأممالمتحدة وغيرها ، ووقع على الاتفاقية حتى الآن: مصر والسنغال والهند وإيطاليا وسريلانكا وكولومبيا. وأشارت الاتفاقية إلى أن الغرض من تأسيس الشبكة هو دعم البحوث العالية الجودة في مجال العلوم الاجتماعية من أجل تشجيع التنمية وبناء القدرات وإنشاء شبكات العلاقة العامة وتعبئة الموارد وتسهيل التنسيق مع الجهات المانحة وتشجيع تبادل المعرفة ومنح شهادات الجودة وإجراء تحليل الاحتياجات وتقييم البرامج من خلال الاسترشاد بمبادئ الحوكمة المتمثلة في الاستقلالية والانفتاح والفاعلين والديمقراطية والتعددية.