إنها قصة صبي ترعرع لسنوات عديدة في ألمانيا، وكان إعجاب هذا الصبي بوالده كبيرًا، فقد كان والده يهوديًا متدينًا تتمحور حياته وحياة أسرته حول الشعائر الدينية، ودائمًا ما كان يصحب أسرته في خشوع إلى الكنيس. وخلال سنوات مراهقة الصبي اضطرت العائلة للانتقال إلى مدينة أخرى ولم يكن يوجد بها كنيس، وكان علية القوم في تلك المدينة من ساسة ورجال أعمال... الخ ينتمون إلى الكنيسة اللوثرية وتتمحور حياتهم حولها. وبعد فترة من استقرار أسرة الصبي في المدينة الجديدة، جمع الوالد أسرته وطلب منهم التخلي عن معتقداتهم والالتحاق بالكنيسة اللوثرية. لقد صعقت الأسرة وسألت الأب عن السبب، فكان رده أن هذا أنسب لأعماله ومصالحه. كان وقع الصدمة شديدًا وقاسيًا ولكنه كان على الصبي أشد وأقسى، فقد ذهل لما سمع وارتبك وأصابه إحباط وخيبة، وشعر بمرارة وغضب أرقاه طوال حياته. وبعد زمن غادر الصبي ألمانيا قاصدًا إنجلترا لأجل الدراسة، وهناك في مكتبة المتحف البريطاني كان يقضي أيامه في صياغة أفكاره التي ضمنها كتابه المحتوي على فهم مغاير للواقع حيث وصف فيه الدين بأنه أفيون الشعوب، وبشر فيه بحياة لا مكان فيها للدين. فانتشرت أفكاره في العالم ودانت بها شعوب وحكومات، واعتنقتها مجتمعات كثيرة يقارب تعدادها نصف سكان الكرة الأرضية. أظنك عرفت اسم الصبي؛ إنه كارل ماكس مؤسس الفكر الشيوعي، لقد مر القرن العشرين من عمر البشرية وهو مصحوب بأكبر رواج لفكر الإلحاد وإنكار وجود الله سبحانه وتعالى، مما جعل العالم ثمنًا باهظًا بسبب ذلك، لا لرجحان براهين الفكر الإلحادي أو قوة أدلته المنطقية، وإنما نتيجة صدمة نفسية أصابت الصبي في الصغر. إن الإنسان العاقل العالِم بسير التاريخ وعواقب الأمور، يدرك خطورة المسؤولية الأخلاقية الفردية، ويعي أهمية القدوة الحسنة، فيحفظ أمانة المسؤولية الملقاة على عاتقه. وهنا تتجلى عظمة الإسلام في قوله تعالى]:لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[؛(الأحزاب/21)؛ فلم ينزل إلينا دينا ومبادئ وقيمًا مجردة، وإنما أرسل محمدًا أعظم بشر ليكون قدوة عملية، تترجم حياته المبادئ وتتجلى فيها القيم بأبهى صورة وأرقى سلوك عملي، حتى قيل فيه كأنما هو قرآن يمشي على الأرض.