خلق الله الانسان فسواه في أحسن تقويم, وعلي رأس هذا التقويم عقد الزواج والذي يفرض حقوقا وواجبات متبادلة بين الزوجين قوامها حسن العشرة بمفهومها الشامل الذي يستوعب الحاجات المادية والنفسية علي السواء. ولكن عدم فهم الزوجين لطبيعة الحياة الزوجية وادراكهما لما يجب ان يكونا عليه حفاظا علي هذه الحياة واستمرارها وعدم انتهائها الا بوفاة أحد الزوجين أو كليهما وأن كلا منهما راع ومسئول عن رعيته مما يهدد الأسرة بالقلق الذي ينتهي بها الي التفكك أو التمزق. وتتجلي الأمية الدينية في الحياة الزوجية في صور متعددة نذكرها علي سبيل المثال لا الحصر حيث لا يتسع المجال في آن واحد لتناولها ولكن تحتاج الي صفحات وصفحات. الأمر الأول والأهم:. اهمال الأم لرسالتها الأولي:. وقد اقتضت حكمة الله في خلقه أن يقوم البناء الاجتماعي للمجتمع علي أساس الأسرة التي هي نواة المجتمع والبنية الأولي حيث يتميز الرجل والمرأة بخصائص يكمل بها احداهما الآخر في تكامل نفسي واجتماعي وبدني حيث لا تقوم الحياة بدونه وتتعطل الحياة اذا استقل أحد الزوجين بنفسه أو ترك اختصاصه الي الآخر فكل ميسر لما خلق له. والخطأ الفادح أن تهجر المرأة بيتها وتهمل رسالتها السامية التي خلقت لها أن تكون أما وربة بيت ليس فقط وتحرص علي العمل خارج البيت ايمانا منها بضرورة مشاركتها الايجابية في الحياة. والاسلام لا يمنعها منه مادام لا يطغي علي عملها في البيت أو يكون علي حسابه, ولكن المرفوض أن يؤدي العمل خارج المنزل الي اهمالها لشئون بيتها وأولادها مما يترتب عليه الاضطراب في حياة الأسرة وتقويض لأهم مقوماتها ودعائمها وإضعاف لروح الترابط العائلي وهذه هي النتيجة علي عكس ماخلقنا الله تعالي من أجله. ولقد أعد الله الجزاء الحسن لمن أطاعه من الرجال أو النساء وأعد العقاب في الآخرة لمن عصاه رجلا كان أو امرأة قال تعالي من عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون. ومما تجدر الاشارة اليه أن هناك تخطيطا دوليا يتعهد بأن تتخلي المرأة عن رسالتها الأولي بحجة حقها في مشاركة الرجل في معترك الحياة وأن تخرج من بيتها الي عمل لا يتفق مع فطرتها وطبيعتها مما نشأ عنه ظاهرة الحيرة والتمزق التي تواجه الأسرة المسلمة الآن. وقد تبني القائمون علي هذه المؤتمرات الدولية التي انتشرت في ربوع العالم الاسلامي أفكارا تروج لحرية المرأة وانسلاخها عن دورها الطبيعي في الحياة. والمرأة لأميتها الدينية وعدم وعيها بأهمية وجودها في بيتها تستقبل هذه الأفكار والمفاهيم دون فقه لأبعادها أو معرفة ماتسعي اليه مما يؤدي الي خطر فادح يؤثر علي استقرار الأسرة وسلامة كيانها. وهذه الأفكار الهدامة تركت بصماتها علي العديد من النساء اللاتي عشن مناخا من الحرية دون نقد أو تمحيص من قضايا تحرير المرأة وتأكيد استقلالها وحقها في العمل حتي ولو لم يرغب وليها.وليس الاهمال مقصورا علي حرصها علي العمل خارج البيت فحسب. وانما ينتقل الي بعض التقاليد والعادات الضارة كالاسراف في العلاقات الاجتماعية مثل الزيارات المتعددة دونما طائل من ورائها حيث يضيع في ثرثرة وأحاديث ضررها أكثر من نفعها وينقلب حال البيت رأسا علي عقب من مكان للراحة والسعادة تقر به عين الزوج والأبناء الي مجلس للزيارات والقيل والقال. ليصل الأمر الي الخادمة التي تقوم بما يطلبه الأطفال من الأم ومايطلبه الأبناء من الأب, أو ما يطلبه الأب من الزوجة من رعاية واهتمام مما يفقد الأسرة علاقة الوجه للوجه الذي يعزز الرابطة العائلية والدفء العاطفي والشعور الوجداني بين أفرادها وهذا الأمر غالبا ما ينتشر بين الأسر الأرستقراطية التي يسودها سيدات المجتمع أو وجيها ته. الأمر الثاني:. الناتج عن الأمية الدينية في الحياة الزوجية يتركز في تراجع قوامة الرجل التي منحها الله تعالي للرجل بمعني المسئولية الاجتماعية الشاملة حيث لا يقتصر الأمر علي مسئوليته عن الانفاق المادي فقط بل ينبغي وجوده وحضوره بين أفراد أسرته وأن يشعر الجميع بقربه منهم يشاركهم في أمورهم ورغباتهم في حلهم وترحالهم خارج البيت في نزهات أو زيارات حتي يكون لأفراد أسرته القدوة الحسنة مثل الأب والزوج والصديق وليكن لنا في ذلك قدوة حسنة نستمدها من رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم الذي ضرب أسمي وأرقي مثالا في ذلك وطبقا لقول الله تعالي لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا وفي هذا النموذج حماية ووقاية للأسرة من أسباب التفرق والتقاطع في ظل أب يغدق الحنان والعطف الي جانب الشدة والقسوة اذا اقتضي الأمر ذلك وطبقا لقول الشاعر الكريم:. وقسا ليزدجر ومن بك حازما فليقس أحيانا علي من يرحم. لابد من التركيز علي أنه عدم فهم الرجل لدرجة القوامة يجعله يقصر في واجباته نحو زوجته وأولاده, وقد يعتقد أنه بمقتضي هذه القوامة أن له الحرية المطلقة في أن يفعل ما يشاء دون مراجعة من أحد من أفراد أسرته, وهذا السلوك يساعد علي تشتيت شمل الأسرة وفتور العلاقة الزوجية, وقد يصل الأمر الي الشك الذي يدمر هذه العلاقة ويحولها الي أسرة كرتونية تحتفظ بالشكل دون الجوهر. وقد يكون تقصير الرجل فيالقيام بواجباته وغيابه كثيرا عن بيته مبررا للزوجة في أن تثأر لنفسها من تصرفات زوجها فتكثر مرات خروجها من البيت وتختلط مع الجارات والقريبات في لقاءات قد تسهم في تدمير العلاقة الزوجية وزيادة حدة المشكلات الأسرية. فلا شك ان مسئولية الرجل في أسرته هي نفسها مسئولية ربان السفينة إما أن يقودها الي بر الأمان والسلامة ويجنبها الأخطار والأضرار وإما أن يصل بها الي الغرق ويكون الفشل في النجاة هو المصير المحتوم لتلك السفينة. فكذلك الأسرة اذا لم يكن الرجل يقظا وعلي وعي بدوره تجاه أسرته وأبنائه وواجباته فانها تغرق في دوامة الخلل والغرق في بئر ليس له قرار ويكون مصيرها التفكك والفرقة. الأمر الثالث:. الناتج عن الأمية الدينية يتمثل في كثرة الطلاق لأتفه الأسباب. وهي مشكلة تعكس بشكل واقعي تفشي الأمية الدينية بما أباحه الله تعالي من التفريق بين الزوجين وبعداستثناء كل وسائل الاصلاح والعلاج حيث يتسرع الرجل ولا يتبع ما أنزل الله تعالي من المعاشرة بالمعروف وعدم الاستجابة لمشاعر الكراهية والنفور وتحري الدقة لايقاع الطلاق. وهذه الظاهرة تعد نتاجا طبيعيا للزواج الذي لم يستوف شروطه المشروعة بسبب الأمية الدينية المستفحلة في العلاقة الزوجية. رئيس قسم الاجتماع جامعة حلوان