أحسن صنعًا الرئيس محمد مرسي أمس الأول عندما تذكر الثورة السورية ومحنة الشعب المقاوم ضد الدكتاتور الطائفي بشار الأسد، وصحيح أن موقف الرئيس له طابع رمزي إلى حد كبير، ولكنه إشارة معنوية وسياسية أعادت الاعتبار إلى مصر، حكومة وشعبًا، بعد أن ساءت ظنون أهلنا في سوريا ومختلف بلاد العرب تجاه موقف مصر الثورة من ثورة سوريا، وكانت الفرحة الغامرة التي تفجرت في موقع الاحتفال كافية للكشف عن أنه حتى مؤيدي الرئيس كانوا يتمنون في قرارة أنفسهم موقفا شجاعًا لنصر الثورة السورية ولكن تجاذبات الأحداث في مصر كانت تمنعهم من معاتبة الرئيس على ذلك، حتى لا تكون خصمًا من رصيده وموقفه في وقت يترصد فيه الجميع للجميع، بل كانوا يهاجموننا كلما ذكرنا الرئيس بتراجع موقفه تجاه ثورة أشقائنا في سوريا، فهذه السعادة الغامرة والهتافات تعني أنهم كانوا يدركون في قرارة نفوسهم أن هناك ما ينبغي فعله من قبل الرئيس، وما هو ممكن فعله وأنه تأخر فيه، وعلى كل حال، حتى لو أتى الموقف متأخرًا فإنه يستوجب الشكر والتقدير، ولكني أتمنى أن يكون لهذا الموقف الرمزي انعكاس عملي على أرض الواقع، لا يصح أن تغلق السفارة السورية، وإنما المنطقي أن يتم تسليمها إلى الممثل الشرعي للشعب السوري الآن وهو ائتلاف قوى المعارضة، ولو على مستوى القائم بالأعمال لحين تشكيل حكومة الثورة، لأن هناك مصالح للسوريين من إجراءات وتجديد جوازات سفر وخلافه، ويصعب تصور أن تتعطل مصالح مئات الآلاف من السوريين الذين لجئوا إلى حضن مصر من بطش الطاغية هذه الأيام، وقرار الاعتراف بالائتلاف الوطني ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب السوري هو قرار القادة العرب في مؤتمر القمة الذي عقد بالدوحة، وصدق عليه رئيس الجمهورية والدولة المصرية، كما أنه قرار غالبية عظمى من المجتمع الدولي تجاوزت مائة وثمانية دولة في الأممالمتحدة، وهناك دول سلمت السفارات السورية بالفعل للائتلاف، كما فعلت دولة قطر على سبيل المثال، وبالتالي فإن تسليم سفارة سوريا إلى ائتلاف القوى الوطنية هو الخطوة الضرورية والعاجلة، أضف إلى ذلك الإجراءات العملية الأخرى في دعم صمود المقاومة الوطنية السورية في وجه الغزاة الإيرانيين وميليشيات حسن نصر الله. على جانب آخر مما حدث في اللقاء الجماهيري الذي حضره الرئيس مرسي، لم أكن أحب أن يخرج المشهد بتلك الصورة التي يبدو فيها رئيس مصر كأنه رئيس لتنظيم سياسي ديني معين، هذا تعزيز للانقسام يضر بالرئيس مرسي، وسبق أن نبهنا إليه في خطابه أمام الاتحادية في جمع من الإخوان، هذا المشهد يبعث برسائل سياسية خاطئة جدًا ومضرة جدًا، أيضًا لا يصح أن يتحدث الرئيس عن معارضيه الذين يحشدون له بأنهم فلول وأعداء الثورة وأنصار النظام السابق، الجميع يعرف أن هذا الكلام غير صحيح، حتى وإن استغل الفلول هذا الصدع بين شركاء الثورة، إلا أنه من التبسيط المخل وغير المقنع وصف المحتشدين آخر الشهر على أنهم فلول وأعداء الثورة، بل هم شركاؤك يا دكتور مرسي في الثورة، بل كانوا السابقين إليها وكلنا يعرف ذلك ويشهد به، أنا لست مقتنعًا بذلك الحشد وأرى أن ضرره أكثر من نفعه، وأتمنى أن تكون هناك مبادرات وطنية شجاعة تقطع الطريق عليه وتعيد التلاحم للقوى الوطنية والإسلامية الرئيسية، لأن هذا الاحتراب الأهلي خطير، ولا يوجد فيه غالب ولا مغلوب، كما أنه بلا سقف وبلا نهاية منظورة، وكنت أنتظر من الرئيس كلامًا أكثر عقلانية ودعوة إلى البحث عن حلول، وأن يقدم هو نفسه مبادرة محددة المعالم متجاوزًا الدعوات الغامضة والفضفاضة إلى الحوار والتواصل، فبدلاً من لغة التهديد وتسخين الأجواء والتحدي والإثارة كان الأولى بالمسؤول الأول في الدولة أن يقدم خطابًا إجماعيًا ويقدم مبادرة معقولة وعملية، حتى لو كان يستعد بكل قوة لمواجهة أي انفلات محتمل، مصر الآن ليست بحاجة إلى المزيد من لغة التهديد والتحدي والعناد والإثارة، ففيها ما يكفي للانفجار، ولكنها تحتاج إلى لغة الاحتواء والعقل والهدوء والحكمة السياسية التي تنزع فتيل الانفجار. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.