على الرغم من أن قرار المحلفين في محكمة آلكسندريا بولاية فيرجينيا جاء ليحكم بأن الفرنسي من أصل مغربي، زكريا موسوي هو "القرصان العشرون" من المجموعة التي نفّذت هجمات 11/9 في الولاياتالمتحدة، و هذا ما جعل القاضية (ليوني برنكيما) تصدر حكمها بسجن هذا الأخير مدى الحياة في زنزانة معزولة بأحد السجون الفيدرالية-فإن جانبا من الصحافة الغربية اعتبر هذا الحكم عادلاً، إلاّ أنّ أغلب هذه الصحف لم تنطلِ عليها القضية؛ لأنها لاحظت-في عمومها- أن موسوي في الواقع لا يعدو أن يكون "كبش فداء"، بمعنى أنه يتعين على الإدارة الأمريكية الآن أن تفكر جدياً في العمل على تقديم المسؤولين الحقيقيين عما وقع في ذلك الثلاثاء الدامي. من الواقع الذي لا جدال فيه أن زكريا موسوي البالغ من العمر الآن سن (37)، كان متواجداً في الولاياتالمتحدة قبل وقوع هجمات سبتمبر، و أن ما أثار الشبهات حوله هو -و على حسب التقارير التي تداولتها مختلف منابر الإعلام في الغرب و الشرق على السواء- تصرفاته التي جعلت منه شخصاً يبدو "غريب الأطوار"، خصوصاً خلال تلك الأيام التي قضاها في إحدى مدارس التدريب على الطيران للهواة، و التي كان يركّز أثناء حضورها دوماً على كيفية التحليق، و تغيير الاتجاه، من غير أن يكلف نفسه يوماً عناء السؤال عن كيفية الإقلاع أو الهبوط، مما حدا بمسؤولي المدرسة إلى أن يبلغوا رجالات (أف بي آي) عن تصرفاته الغريبة، فيبادر هؤلاء إلى اعتقاله قبل نحو شهر من 11/9، ثم يقرنوا بعد وقوع الكارثة بين تصرفات الرجل و ما وقع، فيستنتجوا وقتها أن زكريا موسوي هو أحد الذين كان يُفترض وجودهم على إحدى تلك الطائرات، و أن المصادفة وحدها حالت دون تحقق ذلك. هذه، على أية حال، هي خلاصة الرواية الأمريكية، بمعنى أنه يتعين علينا أن نأخذها مع قدر كبير من الحيطة من أن تكون مجرد سيناريو حيك في سبيل صناعة "شمّاعة" يمكن فيما بعد تعليق كل حماقات أجهزة الاستخبارات الفيدرالية فوقها، و لأجل هذا فإن الجديد بالنسبة للأمريكيين بناءً على تعليق جريدة (النيويورك تايمز) أن أهم ما تعنيه الحالة الراهنة: "أن المحاكمة قد جرت" ، لتواصل: "لقد كانت مراحل القضية طويلة، إلا أنها كانت عادلة و مطابقة لشروط القضاء الأمريكي"، و لكنها تنبهت أيضاً إلى أن هذا لا يعني أن العدالة باتت السمة الأبرز في ملامح ما بات يُعرف بالحرب على "الإرهاب"، فذات الجريدة أردفت تقول: "إن هذه الشروط ما زالت غير متبعة مع المئات الآخرين من المحتجزين في غوانتانامو الذين لا شك أن الكثيرين منهم قد جرى توقيفهم صدفة خلال الحرب على أفغانستان من قبل الأمريكيين، ثم حُوّلوا إلى كوبا دونما أي فكرة عما سوف يفعلونه بهم"، قبل أن تذكر: "إنه و لحد الساعة لم تتم سوى محاكمة (10) أفراد من بين هؤلاء ال(490) معتقلاً هناك". صحيفة (لوتون) السويسرية اعتبرت بداية أن الحكم الذي أصدرته القاضية ليوني برنكيما هو بمثابة: "إنقاذ لشرف أمريكا الضائع" قبل أن تواصل حديثها بالقول: "لقد أثبتت محاكمة "موسوي" ما الذي يمكن للقضاء أن يفعله في دولة القانون. إنه يتعين على إدارة الرئيس بوش أن تدرك معاني الدرس؛ فالقاضية لم تر أن الإعدام هو الحكم الأمثل لشخص لم يشارك في عملية القتل التي اتُّهِم بها، ثم إن المحلفين استبعدوا العقوبة القصوى للأسباب ذاتها بلا شك، بمعنى أنه لا يمكننا أن نقتل رجلاً لم يقتل أحداً. صحيح أن المحلفين قد حسموا مصير الرجل من خلال قرارهم هذا، و لكنهم في ذات الوقت قرّروا أن يوجهوا رسالة شديدة الوضوح إلى إدارة الرئيس بوش". أما فيما يتعلق بأولئك الذين تحتجزهم السلطات الأمريكية سراً باعتبارهم المسؤولين الذين خططوا لما وقع في 11/9 فإن الجريدة السويسرية ذاتها كتبت تقول: "لن تتمكن أميركا من استعادة شرفها ما لم يُقدّم هؤلاء للمحاكمة، و هذا ما يعنيه بالضبط قرار محكمة آلكسندريا، فهي وسيلة تربوية مهمة لأجل مواجهة جنون القتل، على عكس طريقة غوانتانامو التي تغذي هذا الفكر". إشارة الجريدة السويسرية في هذا الصدد تتوجه تحديداً صوب خالد الشيخ محمد الذي اعتقلته السلطات الباكستانية في آذار/مارس 2003، ثم سلمته مباشرة للأمريكان الذين يحتجزونه منذ ذلك الوقت في مكان لا أحد من غير كبار المسؤولين في واشنطن يعرفه، زيادة على أن تقارير عديدة تتحدث عن أن هذا الرجل قد تعرّض إلى صنوف من التعذيب الذي لم يعرفه قبل اليوم إنسان، حتى أضحى "متعاوناً بشكل كامل" مع محققي (السي آي إيه). و إذا كان من الصحيح أن المحاكمة قد جرت في ظروف قانونية-على حسب العرف الأميركي طبعاً- فإن الإدعاء العام حاول أثناءها التأثير بكافة السبل على المحلفين بإحضار نحو أربعين من أقارب ضحايا الهجمات لتسمع هيئة المحلفين من أفواه هؤلاء شهاداتهم بطريقة لم تخلُ من التعويل على المؤثرات النفسية التي يُفترض أن تُستبعد في مثل هذا النوع من القضايا. "لقد أوضحت المحاكمة للعيان الحدود التي لا يمكن للقضاء تجاوزها حينما يصير أداة للحرب". بهذه العبارة علقت جريدة (وول ستريت جورنال) في طبعتها الأوروبية على الحكم الذي أصدرته المحكمة الفيدرالية لتواصل بقولها: "كان يتعين علينا أن ننتظر أربع سنوات و نصف السنة لكي نرى صدور الحكم على موسوي الذي تم اتهامه رسمياً في كانون الأول/ديسمبر 2001، لقد تمكن في مرات عديدة من أن يحوّل جلسة المحاكمة إلى خشبة سيرك " أما جريدة (لا ليبر بلجيك) فقد تناولت القضية من وجهة نظر أخرى؛ إذ كتبت تقول: "إن هذه المحاكمة التي شهدت تغطية إعلامية مكثفة، و التي هنّأ الرئيس بوش في نهايتها نفسه على نتيجتها، تظهر في واقع الحال - و من ناحية مغايرة- كل الإخفاق الذي سجلته إدارة هذا الرئيس في حربها على "الإرهاب"". ثم تواصل معددة سلسلة الإخفاقات هذه بقولها: "إخفاقها في أن توقف وتحاكم المسؤولين الحقيقيين عما وقع في 11 أيلول ابتداء من أسامة بن لادن، ثم رفضها أن تقوم بمحاكمة ما يربو عن الخمسمائة معتقل في غوانتانامو، فضلاً عن معارضتها لأن يُتّهم أي من كبار مسؤوليها فيما تعرض له المعتقلون في سجن أبي غريب و غيره من مراكز الاعتقال على ما يبدو. إنه و بناءً على صورة كهذه يمكننا القول إن زكريا موسوي لا يمثل في الواقع غير دور "كبش الفداء" و أما الحكم عليه فهو لا يعدو أن يكون "مواساة مقتضبة" لأهالي ضحايا "الإرهاب"". المصدر الاسلام اليوم