الظاهرة الأكثر وضوحا في الآونة الأخيرة في الشأن الداخلي المصري هو تنامي مواقف التحرش القبطي بشركاء الوطن ، لا يكاد يمر يوم من دون أن نسمع عن قصة جديدة وتهييج جديد واتهامات جديدة ومظاهرات وهوس طائفي بغيض داخل الوطن وخارجه ، لم تكن مصر الوطن والمجتمع والإنسان يواجه مثل هذا التحرش المهووس من قبل بمثل هذا "الفجور" ، مصلحة البريد تنشيء مسابقة تستند إلى القرآن الكريم مثلا في بلد 95% من سكانه مسلمون فيثور بعض الأقباط بأن هذا فيه إهدار للمساواة وتمييز ضد الأقباط ، يسجد اللاعبون المصريون ويشيد مدربهم بالتزامهم الديني وأخلاقهم فيثور أقباط بأن هذا تمييز واضطهاد ديني وإقلال من شأن الأقباط ، يحفظ الأطفال في المدارس بعض الأحاديث والآيات القرآنية فيثور أقباط وينادون بإلغاء القرآن والحديث وأشعار العرب من كتب التعليم لأنها تمثل تمييزا واضطهادا للأقباط ، يمارس كاهن مسيحي جريمة التزوير والسرقة ويشارك في اختلاس المال العام فيتم التحقيق معه ويحال للمحاكمة فيثور أقباط ويعتبرون أن محاكمة الكاهن اضطهاد ديني للأقباط وأن محاكمته تعود للكنيسة وليس للدولة والقانون ، يتهور بعض الشباب القبطي ويرتكبون جريمة القتل ضد الآخرين فيتم تقديمهم للمحاكمة فيثور أقباط ويعتبرون أن ذلك اضطهاد ديني ، تسلم فتاة مسيحية أو سيدة مسيحية وتعلن ذلك أمام الجهات المختصة قانونا وتسجله في شرائط مصورة ، فيثور أقباط ويقولون أن هذا اختطاف واضطهاد للأقباط ويطالبون الدولة بتسليم المواطنة لهم يفعلون بها ما يشاؤون وإلا كانت الدولة متهمة باضطهاد الأقباط ، وهلم جرا في سيل لا ينقطع من التحرش الطائفي المهووس ، الذي يقوده ويخترعه مرتزقة من أقباط الخارج مع بعض المتعصبين من الكهنة والشباب قليل الخبرة في الداخل ، مدعومين بأموال مليارديرات الفتنة في الداخل الذين يشترون ذمم بعض الصحفيين والإعلاميين من الجانب المسلم مقابل "التخديم" على هذا الهوس الطائفي المتنامي ، والحقيقة أن القدر المتيقن في هذا الجانب أن كل هذا الذي يحدث لا يغير أي معادلة سياسية في مصر ، لأن الإدارة المصرية الحالية أصبحت تمتلك عمقا في البلادة السياسية المصطنعة مع جميع القوى الوطنية والنشطة في الداخل والخارج ، وأصبح لها خبرات بيروقراطية مدهشة في هذا المجال ، أنت تقول ما تريد ونحن نفعل ما نريد ، وهي بلادة مثيرة للغضب في أحيان كثيرة ولكن يبدو أن لها بعض الجوانب الإيجابية ، كل ما في الأمر ، مما تنتجه هذه التحرشات ، هو إتاحة المزيد من الفرص أمام "مرتزقة" في الجانب المسيحي وملاحق لهم في الجانب المسلم ، يسمعون الأقباط ما يسرهم ويقبضون ، والمدهش أن نفس الوجوه والأسماء التي "تقبض" من بيزنس الأقباط هم أنفسهم الذين يقبضون من بيزنس الإعلام الأمريكي والمنظمات الحقوقية الأمريكية والأوربية وهم أنفسهم الذين يلهثون وراء بيزنس الشيعة والبهائيين ، سوق واسع ويبدو أنه مثمر لدرجة أنه يستقطب كل أسبوع تقريبا المزيد من "المرتزقة" من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، التغيير الوحيد الذي يحدثه هذا التحرش الطائفي المسيحي هو تعميق الهوة بين شركاء الوطن ، ومنح المغالين في الطرفين الفرصة أكثر لسيادة منطقهم وتوسيع دائرتهم ، وفي النهاية وبكل أمانة ، سيكون الخاسر الأكبر هم أبناء مصر من المسيحيين الذين يدفعون ثمن "بيزنس" ليسوا طرفا فيه رغم أن فاتورته بالكامل ستكون على أمنهم وأمانهم ومصالحهم المادية والاجتماعية والإنسانية ، والمسألة لا تحتاج إلى الحديث عن الاضطهاد ، فمجرد تعميق فكرة القطيعة يكفي لتجفيف منابع المصالح المسيحية بالكامل ، وإن كنت أتصور أن هذه المخططات ستفشل في النهاية ، رغم ضجيجها والنفخ المتواصل فيها في تلك الأيام ، لأن صوت العقل في النهاية لا بد وأن يفرض نفسه ، وطبيعة الإنسان المصري ، بمسلميه ومسيحييه ، لا تميل عادة إلى التطرف أو الغلو ، ومهما اعتراها من غضب أو إثارة ، إلا أنها سرعان ما تغفر وتتجاوز وتتعايش وتتسامح ، ولعل هذا هو سر وحدة نسيج هذا الوطن وقوته على مدار السنين ، رغم تداول الممالك والدول والسلاطين والملوك عليها مئات السنين . [email protected]