المصريون حائرون بين التمرد والتجرد وكلاهما يؤدي لا محالة إلى مزيد من التشرد.. النخبة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر لا تعبأ بهموم المصريين ولا تلقي لها بالًا.. النخبة سواء من الإسلاميين أو الليبراليين لا يكترثون بما يعانيه الشعب من وطأة الأزمة الاقتصادية الخانقة، يتصارعون على السلطة، ويجلسون في القاعات المكيفة يناكف بعضهم البعض، يشجبون ويدينون ويلعنون ويشككون لتنتهي الندوة أو المؤتمر بتجمع المؤيدين والمعارضين عى مائدة فاخرة لا تخلو من المزَة بفتح الزاي والمشروبات الباردة والأسماك المدخنة الفاخرة.. الشعب لن يرحم هذه النخبة بلا استثناء.. وبالبلدي ( سوف يفش غله ) في أولئك الذين أضاعوا على الشعب الفقير المسكين سنتين كاملتين بعد الثورة في التهريج السياسي والتصارع على كرسي الحكم بعد أن توهموا أن الثورة سوف تفتح لهم طاقة القدر وتحقق لهم العدالة والحرية والكرامة الإنسانية.. يحضرني في هذه اللحظة المشهد الذي يجسد ثورة الحرافيش في أفلام نجيب محفوظ وهم يدمرون كل ما يقابلهم ويفتكون بكل من يتصدى لهم بعدما ذاقوا مرارة الظلم والجبروت.. الحرافيش هنا من أبناء الشعب المصري الغلبان وهم كثر حينما توصد أمامهم جميع الأبواب، وحينما يجدون صرخاتهم وأناتهم من فظاعة الفقر والمرض تائهة في مهب الريح لا يجدون لها صدى بين أحراش السياسيين ودهاليزهم وألاعيبهم فإنهم حينئذ لن يفرقوا بين حزب حاكم أو معارض، ولن يلتفتوا إلى دعوات حركة تمرد أو تجرد، ولن يعبأوا بعبارات حمدين صباحي البراقة أو تويتات البرادعي المغرقة في التنظير ولن تغريهم الملابس الداخلية التي يوزعها ممدوح حمزة مجانًا ولن يستمعوا من جديد إلى حزب الحرية والعدالة أو قياداته الذين وعدوهم بنهضة شاملة وخير وفير ..لن يكترث الفقراء من المصريين بكل ذلك.. وسوف يكون بعض الإعلاميين ممن أشاعوا الفتنة هم الهدف الأول لثورتهم الغاضبة .. ...حرافيش المصريين لن يرحموا هذه المرة ولن تكون ثورتهم سلمية كما كانت من قبل، ولن يأبهوا لأصوات العقل والحكمة والتي ستكون حينها قد جاءت إليهم بعد فوات الأوان بعد أن ملوا من الصبر على هذه النخبة الفاشلة وبعد أن اكتشفوا أنهم لم يكونوا على قدر الثقة والمسئولية وأن من وثقوا في حكمتهم ورجاحة عقلهم قد أغرقوا سفينة الوطن بعد صراع دام على من يكون القائد والربان !! الطوفان قادم إذا لم تنتبه النخبة السياسية وإذا لم تترك ألاعيب الشحن والتآمر والتسخين ... يافرحتي.!!. حينما تجمع حركة تمرد خمسة عشر مليون توقيعا لإقصاء الرئيس مرسي.. ما الذي سيستفيده الشعب من كل ذلك إلا مزيدًا من الفوضى والانقسام وانتشار المزيد من بؤر الإجرام.. فإذا كانت الحركة قد استطاعت أن تجمع مثل هذا العدد الهائل من التوقيعات على حسب زعمها وإن كنت أشك في ذلك، فما الذي يمنعها من الانتظار لشهور قليلة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية لتناضل نضالًا سلميًا دستوريًا لتدفع وتجيش كل المؤيدين لأفكارها لإزاحة الإخوان وتشكيل حكومة جديدة.. وهل الوطن كسبان في هذه الحالة من جمع هذه التوقيعات ..بكل تأكيد لا... لأن الملايين المزعومة التي جمعتها تمرد سوف يقابلها ملايين أخرى من حركة تجرد.. وبين تمرد وتجرد ياقلبي لا تحزن !! المشكلة أن أستاذًا جامعيًا مرموقًا في العلوم السياسية ممن أثق في وطنيته ورجاحة عقله يدعم حركة تمرد على اعتبار أن فيها الخلاص من حكم الإخوان، فهل يدرك هذا الأكاديمي ومن على شاكلته ممن يؤيدون هذه الحركة سواء من جبهة الإنقاذ أوغيرها أن النتيجة سوف تكون كارثية على مصر كلها، وأين المواءمات السياسية التي يدرسها هذا الأكاديمي لطلابه! وهل يعتقد أن تأييده لهذه الحركة المزعومة سوف تنهي التوتر والصراع الداخلي بين القوى السياسية أم ستؤدي إلى مزيد من التطاحن والفرقة والتشرذم بين جميع فئات ومكونات المجتمع المصري!! كل هذه التساؤلات ينبغي أن يضعها المؤيدون لحركة تمرد في اعتبارهم . لكي الله يامصر.. فبعض أبنائك مغيبون.. لا يكترثون بالأخطار المحدقة بك من كل جانب.. سكارى.. يتخبطون في كل اتجاه... فرطوا ومازالوا يفرطون بتصرفاتهم الحمقاء في أجمل وأعظم ثورة عرفتها البشرية، وتكالبهم على لم الغنائم إن كانت هناك غنائم ، تركوكِ يا مصر المحروسة تتوجعين.. تتألمين.. وتنتظرين منهم أن يعودوا إلى رشدهم ليأخذوا بيديكِ إلى إلى بر الأمان.. فهل يستجيب أبناؤك لصرخاتك المدوية قبل فوات الأوان !! [email protected]