سيظل مجلس الشورى الحالي دليلًا وشاهدًا حيًا على أسوأ عملية غدر سياسي تعرضت لها الثورة المصرية وأبناء التيار الإسلامي بشكل خاص، لقد كنا نعرف أن هذا المجلس "كمالة عدد"، وعندما تجاهله الشعب المصري فلم يخرج للانتخابات فيه سوى 7% من الناخبين قال الجميع وقتها إن هذا بمثابة استفتاء شعبي على دفن هذا المجلس المصطنع وإعلان وفاة حقيقية له بدليل أن الشعب زهد فيه ورفضه ولم يعبأ به ولا يرى فيه أي فائدة، وكان الجميع يتوقع في مشروع الدستور الجديد الإعلان عن إلغاء وجود هذا المجلس ومحوه تمامًا، وعندما أسقطت المحكمة الدستورية مجلس الشعب باعتبار أن قانون الانتخابات غير دستوري كان بديهيًا أنها ستسقط مجلس الشورى لأنه باطل مثله وتأسس على نفس القانون غير الدستوري، ولكن الدكتور محمد مرسي تسرع وأصدر إعلانًا دستوريًا لحماية هذا المجلس "الباطل" من الحل القانوني البديهي، وبرر ذلك بأنه مضطر لإبقائه من أجل بعض "الضرورات" المحدودة جدًا، مثل إنجاز قانون الانتخابات حتى يتم انتخاب مجلس الشعب الجديد، ووعد محمد مرسي الجميع، بمن فيهم أحزاب التيار الإسلامي بأنه لن يستخدم مجلس الشورى إلا في حالة الضرورة وفي نطاق ضيق جدًا، وصدقناه، وتسامحنا مع تمرير مجلس الشورى ووضعه في الدستور الجديد، بناءً على ثقتنا في وعد الرئيس ووعود الإخوان، ووقفنا مع الاستفتاء الدستوري بكل قوة رغبة منّا في استكمال مؤسسات الدولة، فما إن تم له المراد حتى انقلبوا علينا جميعًا، وأظهروا الوجه القبيح، ويعطونا المواعظ عن احترام السلطة التشريعية المزعومة والفصل بين السلطات، وراحوا يستخدمون مجلس "الغدر" المسمى بمجلس الشورى كهراوة يصفون بها خصوماتهم السياسية مع سلطات الدولة، ويحاولون اغتصاب كل شيء في البلد، وبسرعة أسطورية، يريدون أن يكبلوا الوطن بقوانين ونظم تحكمه لعشرات السنين المقبلة في غيبة مجلس الأمة الحقيقي، مجلس الشعب، على النحو الذي يفعلونه الآن مع مشروع قانون تنمية قناة السويس، وهو مؤامرة حقيقية لاغتصاب جزء من أرض مصر لتسليمه للمحاسيب واللصوص والمحظوظين والتنظيم الدولي للإخوان وأنصاره وحلفائه والمتأخونين الجدد، رغم أن بديهة العقل تقول إن قانونًا خطيرًا للغاية كهذا ومشروعًا تاريخيًا كهذا ينبغي أن يكون معروضًا على الشعب المصري نفسه، من خلال برلمانه المنتخب من غالبية الشعب المصري، وليس من خلال "تهريبه" في مجلس باطل تعهد رئيس الجمهورية علنًا أمام الوطن كله بأنه لن يستخدمه إلا كأكل الميتة وشرب الخمر، حالة الضرورة، الآن يستبيحون به الوطن كله، ويحاولون به تفكيك سلطات الدولة ذاتها كالسلطة القضائية وإعادة تركيبها على مقاس الإخوان ومكتب الإرشاد، ويعتصرون عقولهم لإخراج أفكار شيطانية مثل قانون نقابة الدعاة المزعوم الذي يريدون به وضع أيديهم على مساجد مصر بكاملها وطرد أي تيار إسلامي مستقبلًا من أن يكون له أي حضور مزاحم لهم فيه، ويبدو أنها كلها مشروعات دخلت في إطار "حالة الضرورة" وأكل لحم الخنزير التي تكلم عنها محمد مرسي، والغريب أن القانون الوحيد الذي من أجله طلب محمد مرسي تمرير مجلس الغدر هذا، وهو قانون الانتخابات، لم ينجزوه حتى الآن، وتعمدوا أن يجعلوه في صيغة ترفضها المحكمة الدستورية، ورفض الرئيس مرسي بإصرار أن يعيده إلى المحكمة الدستورية لمراجعته، وهو يعرف أن المحكمة سترفضه لأنه احتوى على تعديلات ونصوص جديدة، وكل ذلك من أجل إطالة أمد هيمنتهم على السلطة التشريعية الاستثنائية من خلال مجلس الغدر المسمى بمجلس الشورى لأنهم يسيطرون عليه، ويدركون أن أي انتخابات الآن ستطيح بهم بعيدًا عن السلطة التشريعية، لذلك يهربون من هذا الاستحقاق بأساليب اللف والدوران واصطناع صورة الضحية التي تضطهدها المحكمة الدستورية، رغم أن الملعوب ملعوبهم، وقصدوه قصدًا. عفوًا يا سيادة الرئيس، لقد غدرت بنا جميعًا، ونقضت العهد الذي عاهدتنا عليه في هذا الموضوع، وأنا شخصيًا، وأظن أن ملايين المصريين معي، نشعر أننا شركاء في خيانة الوطن بتمريرنا لدستور قام على الغدر والخديعة. [email protected]