تابعت خلال الاسبوع الماضى أكثر من حديث للدكتور "أحمد زكى بدر" وزير التربية والتعليم الجديد ، تحدث الرجل فيها بنبرة صادقة ، على الأقل كما استشعرتها ، وبكياسة ، وبدبلوماسية ملحوظة ، لم أتوقعها منه على المستوى الشخصى ! لم "يؤكد" الرجل ، كعادة بعض المسئولين الجدد دائما ، أن من سبقوه على كرسى الوزارة كانوا السبب فى حالة "اللاتعليم" التى يتعاطاها أبناؤنا ! أو أن سياساتهم كانت بمعزل عن سياسة منظومة الحكم المتكاملة ، بل أنه قال صراحة "أنه جاء ليسهم فى اتمام ما بدأوه" ، و"أنه لا يوجد ما يسمى ب "سياسة وزير" وانما هى سياسة دولة" !! ، يعنى ، حسب ما فهمت ، أن الوزراء "تروس" داخل ماكينة عملاقة تتحرك فى تناغم "مفترض" ، لتصل بأدائها الى أعلى وأفضل مواصفات للمنتَج ، الذى هو فى النهاية حياة كل المصريين فى شتى المجالات ! وسواء كان الرجل يعزى بكلامه ، وبشجاعة ، الفشل التعليمى فى المراحل التى سبقت توليه الوزارة ، الى السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة ! أو أنه يستبق الزمن بذكاء ليعطى لنفسه مبررا أمام الجمهور اذا لم يستطع تحقيق أحلامه عما يجب أن يكون عليه التعليم فى مصر ، من منطلق تأكيده ضمنيا بأنه ليس وحده صاحب القرار ، أو ليقينه بأنها لو دامت لغيره ما اتصلت اليه ! فيبقى أن الرجل تطرق بصراحة الى نقاط كثيرة ، بعضها بمثابة حقول الغام شديدة الانفجار ! واستعرض ، يحدوه الأمل ، رؤيته لحل المشاكل المزمنة التى نعلمها جميعا سواء عن الثانوية العامة أو الدروس الخصوصية أو نسبة الغياب المرتفعة أو اهمال التدريس أوعدم المتابعة ، كذلك عن حاجة البلاد الى مزيد من المدارس والأبنية التعليمية ، طارحا من الحلول الناجعة ما ان استطاع تنفيذه فسيشكل ، لا ريب ، نقلة حضارية فى مستقبل العملية التعليمية فى مصر بكل المقاييس. ورغم ذلك ، وأوجه كلامى الى الدكتور "بدر" ، فقد كنت أتمنى أن ينحاز وزير للتربية والتعليم ، وللمرة الأولى ، الى جانب المعلم ، وأن يضع على رأس أولوياته تبنى مطالبة الدولة ومشرعيها بوضع كادر جديد يلبى احتياجاته ويليق برسالته الجليلة ، لا أقصد الكادر الذى كان مسار جدل كبير خلال فترة الوزير المحترم ، حتى لو اختلفنا معه ، الدكتور يسرى الجمل ، ولكن أقصد كادر "ثورى" جديد غير مسبوق ، يرفع دخل المعلم الى متوسط دخول فئات كثيرة من الشعب ربما تأتى ، رغم أهميتها ومع كل الاحترام والتقدير ، فى المرتبة التالية له من حيث الدور المنوط بها تحقيقه لصالح المجتمع ، كأعضاء هيئات التدريس والاداريين بالجامعات أو شركات البترول أو ما شابه ، فالمعلم ليس أقل من هؤلاء جميعا ان لم يفقهم أهمية من خلال رسالته التعليمية والتربوية التى تعتبر باكورة تشكيل وتنشئة أجيال المستقبل ، يستوى فى ذلك معلمو رياض الأطفال أو الثانوية العامة ، فهم جميعا بمثابة الأساس والدعامة والهيكل الرئيسى لبنيان السياسات التعليمية فى مصر أو فى أى دولة محترمة ، وبمرحلة تتقدم كثيرا على تطوير المناهج ونسبة الغياب والمتابعة الخ ، وقتها فقط يمكن اصلاح العملية برمتها ، ووضع نهاية للدروس الخصوصية ، ومحاسبة المعلم المقصر بعد أن وفرت له الدولة الحد المناسب من الحياة الكريمة التى تجعل منه قدوة صالحة تمنعه عن تكفكف المجتمع وتسويد وجهه أمام طلابه أو أولياء أمورهم . كذلك أتمنى ألا يتوقف موضوع تطوير المناهج عند الاكتفاء بالاستمرار فى تدريس رواية "الأيام" للأديب طه حسين كما صرح معالى الوزير ! فالتطوير يجب أن يوكل الى مجموعة من كواكب الفكر والثقافة فى المجتمع ، ومن كافة التخصصات الفكرية والعلمية ، بداية من رجل الدين الى المعلم والتربوى والعالم والقانونى والسياسى والعسكرى والفنان والرياضى وغيرهم ، بحيث تُصهر أفكارهم جميعا فى بوتقة واحدة تصب فى النهاية نموذجا عصريا لما يجب أن يكون عليه النهج التعليمى المتطور ، وبصورة تضع رؤية مستقبلية واضحة ثابتة ، لا تتغير بتغير حكومة أو سياسة أو وزير . نقطة أخرى أشار اليها الدكتور"بدر" فى سياق أحاديثه ، هى مطالبته "بضرورة تعاون أولياء الأمور مع الوزارة فى جمع تبرعات صندوق التكافل الذى ينفق منه على الآلاف من التلاميذ الغير قادرين" ، وهى وان كانت نوايا طيبة يجب أن تُترك لرغبة أولياء الأمور وحسن تقديرهم لأوجه انفاق التبرعات ، الا أننى آمل ألا تتحول مناشدة الوزير الى تعليمات شفهية لمرؤسيه بفرض "اتاوة" على أولياء الأمور تحت حجة دعم الصندوق أو الأنشطة التابعة له ! وكنت أتمنى أن يوجه الدكتور "بدر" مناشدته الى من يُطْلَق عليهم ، مجازا ، "شريحة رجال الأعمال" ! بل أتمنى ، وحديثى كله أمنيات !! ، أن يطلق الوزير مشروعا قوميا ، يستعين عليه بالله تعالى ثم بأولياء الأمور ، لخلق رأى عام ضاغط يجعل المنتمين الى هذه الشريحة يساهمون بجزء من ثرواتهم ، زادهم الله من فضله ، فى دعم صندوق التكافل هذا أو غيره من متطلبات العملية التعليمية كما كان يفعل وجوه المجتمع قبل الثورة .. فى "العهد البائد" ! ، أو كما يفعل رجال الأعمال الحقيقيون على مستوى العالم كله .. الا المحروسة !!! ، محاولة منهم لرد جزء من جميل الوطن والمواطن . الحديث يطول ، وربما تسنح الظروف ويأذن الله تعالى بالعودة اليه مرة أخرى ، الا أنه ، وبدون خبث ، بقيت نقطة أخيرة عن عبارة لفتت انتباهى ، قالها الوزير ربما دون قصد ، لكنها تبعث على التفاؤل ان كانت عن عمد وقصد ! هى قوله ( أثناء دراستى بالجامعة كنت معنيا بالنشاط السياسى وليس الحزبى ، لأننى أرفض التقيد أو العمل تحت شعار معين ) !!! ترى .. هل قصد الوزير من عبارته "الجريئة الرائعة" ، الاعلان بشجاعة عن هوية سياسية مفتقدة ومرتجاة ، تؤدى واجبها لوجه الله تعالى ثم لوجه هذا الوطن ومستقبل أبنائه ، ترفض تطويع مبادئها وأحلامها لشعار حزبى معين ، أو التقيد بسياسات خاطئة أو معوقة يفرضها حزب الحكومة ، تجعلنا نقول بالفم المليان "وإحنا معانا بدر" بعد معية الله سبحانه وتعالى ؟! أم أنها زلة لسان ستمنح الفرصة لكتيبة "الأشاكيف" لمحاربته وتقويض حلمه قبل أن يبدأ ؟! أم هى لحظة صدق ! أرجو ألا يحاسب عليها فى المستقبل القريب ؟! هذا ما ستكشف عنه "الأيام" .. أيضا ! ضمير مستتر: يقول تعالى: { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } الأنعام164 [email protected]