لا يعنيني تقييم أداء وزير التربية والتعليم الجديد عندما كان رئيسا لجامعة عين شمس.. أو أنه عاش في بيت وزير داخلية سابق.. مما قد يجعل الهاجس الأمني حاكما لأفكاره مثلما يري البعض.. لأن الأهم عندي وبعد أن أصبح زكي بدر المسئول الأول عن التعليم.. أن نعرف ماذا في عقل الرجل تجاه قضية التعليم.. وما رؤيته في مشروع تطوير الثانوية العامة.. ورأيه في إلغاء مكتب التنسيق.. وكيف يكون مستوي خريجي مدارسنا قريبا من مستوي نظرائهم في دول منطقتنا؟. ماسبق كان بذهني عندما ذهبت إلي صالون الأوبرا الثقافي الأسبوع الماضي.. للاستماع إلي رؤية الوزير الجديد في قضية التعليم.. والتي يجب أن تشغل الحيز الأكبر من عقل الادارة المصرية.. أعرف أن الرجل قد تسلم مهام عمله منذ أيام قليلة.. وأنه لم يلم بعد بتفاصيل دولاب عمل الوزارة.. لكني لم أكن معنيا بالكيفية التي سيدير بها عمله.. رغم أنه أصدر في نفس اليوم قرارا حاسما بإحالة مدير التعليم بأكتوبر إلي النيابة بسبب إجراء الأخير لامتحان في مواد خارج جدول الوزارة. شيء من هذا لم أنتظره من الوزير.. فقط أردت الاستماع إلي حديثه عن استراتيجية التعليم في عهده.. بعد أن أصبح التعليم من أكبر المشاكل المصرية المزمنة.. وبات حقلا للتجارب خلال العقود الثلاثة الأخيرة.. بعد قيام كل وزير جديد للتعليم بعمليات قص ولصق في السنوات الدراسية وكانت الثانوية العامة هي أكثر الحقول تجربة. ورغم التحفظ علي مستوي أداء الوزير السابق لكن توقيت اعفائه لم يكن مناسبا بالمرة.. فقد جري في منتصف عام دراسي وكان الأفضل تأجيله إلي مابعد انتهائه.. كما أن الوزير السابق قد حمل علي كتفيه مشروع (تطوير الثانوية العامة) وقدمه لمجلس الشعب لمناقشته خلال الدورة الحالية بعد إعداد استغرق سنوات.. ورغم اختلاف بعض خبراء التعليم حول هذا المشروع.. لكن يبقي الوزير السابق هو الأب الشرعي الذي يمكنه إقناع الرأي العام ومجلس الشعب به.. لكن مع إعفاء الرجل من منصبه تحول إلي مشروع يتيم.. ليبدأ الوزير الجديد قراءته من أول السطر.. وقد يضيف أو يحذف منه أو يرجئ مناقشته أو يرفضه كلية.. إنها العبقرية المصرية في إنفاق الوقت والجهد دون جدوي. في صالون الأوبرا لم أسمع من الوزير الجديد حديثا عن استراتيجية واضحة المعالم للتعليم.. لها بداية ونهاية.. بل أفكاراً وآراء متقطعة.. فمثلا أبدي الوزير تأييده لفكرة أن تكون الثانوية العامة سنة واحدة.. قد تكون هذه الرؤية سليمة وربما تكون خاطئة.. لكن عند عرضها شعرت أنها رؤية انطباعية ولم تأت في إطار استراتيجية عامة لمنظومة التعليم.. كما لم يعلن الوزير رأيه حول مناداة البعض بإلغاء مكتب التنسيق وطرح المقابلة الشخصية (الواسطة بمعني أدق) بديلا عنه. ورغم حديث الوزير عن نظام موحد للمدارس الفنية.. وبحث انضمام غير المدرسين إلي الكادر.. لكن يبقي ذلك محصورا في إطار المسائل التنظيمية والإجرائية لكنه لايعبر عن رؤية.. وظني أن ماقاله الدكتور بدر في الأوبرا كان مجرد دردشة.. أما الآن فنريد من وزير التعليم أن يطرح استراتيجيته ورؤيته في قضايا التعليم المختلفة وهل سيكمل مابدأه -أو أنهاه-أسلافه أم سيبدأ من جديد؟. نعرف أن مستوي الإنجاز في العملية التعليمية وحتي يكون ملموسا فإنه يستغرق سنوات.. لأنها عملية تراكمية.. لكن المشكلة الدائمة أنه ومع كل وزير جديد للتعليم نعود دائما إلي نقطة الصفر.. فمتي نتجاوزها حتي تخرج مصر من المستنقع؟.