كان من المفترض ان اكتب هذه السطور عقب التعديل الوزاري الذي جري في الثالث من شهر يناير الحالي ولكن احداث غزة وسيناء ونجع حمادي فرضت نفسها كأولوية صحفية في الكتابات. فضلا عن ان بعض الاحداث يفضل الكتابة عنها بعد قراءتها وفهمها جيدا ومتابعة ردود الفعل عليها والتريث في التعليق عليها ومنها التعديل الوزاري الاخير الذي خرج فيه د. يسري الجمل من الوزارة ليصبح د. احمد زكي بدر وزيرا جديدا للتربية والتعليم وذلك هو التغيير الاهم والابرز في هذا التعديل الذي اراه عاديا ولايحتاج مثلما حدث لمثل هذا الصخب الاعلامي ودعوات التشفي والانتقام وحملات الاساءة علي وزير ادي دوره طوال اربع سنوات كاملة بشكل راق ومحترم ووفقا لسياسات عامة وضعت للتعليم وقام باستكمالها والبناء عليها, لذلك لم تعجبني حملة الافتراء والهجوم علي شخص واداء د. يسري الجمل والتي شنتها عليه بعض وسائل الاعلام ووجدها البعض فرصة لذبح الرجل بعد ان ترك منصبه ولم يعد وزيرا!! ولا احد يستطيع ان ينكر بالطبع ان قضايا ومشاكل التعليم كثيرة وقديمة ولهذا جاءت دعوة الرئيس مبارك منذ اكثر من عشر سنوات بضرورة تطوير العملية التعليمية واعتبار التعليم مشروع مصر القومي وخلال هذه السنوات اسهم كل وزير تولي حقيبة التعليم بقدر كبير في حل كثير من القضايا والمشاكل والتصدي لها ونجح د. حسين كامل بهاء الدين في وضع اسس هذا التطوير وساعده في ذلك دعم الدولة له واستمراره في منصبه لسنوات طويلة اتاحت له تنفيذ كل خطط التطوير التي وضعت لتحقيقها خلال هذه السنوات وتولي د. احمد جمال الدين بعد ذلك الوزارة ليستكمل ما بناه د. حسين ولكن كانت18 شهرا الذي قضاها د. جمال الدين في الوزارة غير كافية لاختباره فقد تولي د. يسري الجمل المنصب في اليوم الاخير لعام2005 وخرج من موقعه الوزاري في اليوم الثالث لعام2010 اي انه تولي موقعه لمدة4 سنوات كاملة استطاع خلالها ان يبني علي ما تم بناؤه واضاف الكثير عليه وكان ملتزما اشد الالتزام بسياسات الدولة التعليمية الهادفة الي الاصلاح وتطوير المناهج والبحث عن نظام جديد للثانوية العامة ووضع استراتيجية قومية للتعليم وخلال4 سنوات فقط تم بناء1800 مدرسة جديدة وتحسين احوال الآلاف غيرها وفي عهده انشئت الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد والاكاديمية المهنية للمعلمين وتم اعتماد الكادر الخاص للمعلمين واعتبار المعلم صاحب مهنة وليس موظفا. لم يبخل الرجل بجهده وعلمه وخبرته العلمية والتربوية في تنفيذ السياسات العامة للتعليم ولان التعليم يرتبط بمصير18 مليون تلميذ وتلميذة اي18 مليون اسرة مصرية فقد كان نصيب الرجل مثله مثل كل وزراء التربية والتعليم عدم الرضا والقبول من ملايين الاسر واولياء امور تغيرت نظرتهم لدور التعليم والمدرسة والمعلم واصبح همهم الاول هو نجاح ابنائهم بأي شكل والحصول علي الشهادة حتي ولو كان ذلك بتسريب الامتحانات او بحالات غش جماعي لقد كان الاصلاح التعليمي والحديث عن الجودة وتغير نظام القبول في الجامعات الذي عرف بالثانوية العامة والحديث عن اهمية مشاركة الطالب في النشاط التعليمي والبعد عن التلقين وحساب درجات لهذه المشاركة امورا لم تفهمها الاسر المصرية ولم يحاول الاعلام ايضاحها ووضح ان هناك مقاومة غير مفهومة لاساليب التطوير وان هناك من يريد التمسك بطريقة التعليم التقليدية الي جانب ذلك جاءت عدوي انفلونزا الطيور ثم الخنازير لتعيق كل احلام الساعين لاصلاح جاد وتطوير حقيقي وملموس للعملية التعليمية. ورغم انني اعرف ان د. يسري الجمل كان دائما يفتح ابواب مكتبه للجميع وعلي صلة بكل المؤسسات والهيئات المهتمة بالتعليم الا ان الاعلام قصر في توضيح ماهية الاصلاح ولم يستطع الوصول بفكر التطوير التعليمي للاسر المصرية وهنا جاءت الفجوة ربما يقع الخطأ علي الوزارة وربما يطول بعض الاقلام التي لم تساند الرجل في معركته ضد هؤلاء الذين مازالوا يصرون علي المفاهيم القديمة والتقليدية للتعليم او ملايين الاسر التي لايهمها كيف يتعلم ابناؤها بل تحرص فقط علي حصولهم علي الشهادات حتي وان خرجوا وهم لايستطيعون القراءة والكتابة!! لا استطيع القول ان د. يسري الجمل كان وحيدا في معركته ولكنه وبكل صدق ادي دورة بامانة واخلاص واقتناع كامل واستطاع تحقيق عدد من الانجازات التعليمية علي مستوي المناهج وتطويرها واستكمال منظومة بناء المدارس وتحسين الاوضاع لبعضها وواصل مسيرة من سبقوه مستفيدا من خبرته التعليمية السابقة في كبري الاكاديميات الشهيرة. وكعادتي اتصلت بالدكتور يسري الجمل ووجدته راضيا بما حدث سعيدا بعودته لحياته كأستاذ جامعي مرموق فهو معيد وباحث بقسم المفاعلات النووية بهيئة الطاقة الذرية وحصل علي دبلوم الالكترونيات النووية من الوكالة الدولية للطاقة النووية وعلي درجة الماجستير في هندسة الحاسبات من كلية الهندسة وعمل محاضرا لاجهزة القياس والتحكم الآلي ثم رئيسا لقسم هندسة الالكترونيات في الاكاديمية العربية ثم نائبا لرئيس الاكاديمية لشئون التعليم والبحث العلمي والذي لايعرفه البعض ان د. يسري الجمل هو احد ابطال حرب اكتوبر المجيدة حيث كان نقيبا احتياطيا وبحكم تخصصه ساهم في تأسيس فرع الحرب الالكترونية وشارك في انشاء وحدات الصواريخ وادخال التكنولوجيا الحديثة فيها. وكم اسعدني اتصال الدكتور احمد زكي بدر وزير التربية والتعليم عقب حلفه لليمين الدستورية بالدكتور الجمل وحرصه علي مناقشته في كثير من امور الوزارة وملفاتها المتعددة وهو كما اعلم تقليد اتبعه د. الجمل مع د. جمال الدين.