أمامى قصة من صفحة واحدة أو أقصر ، هى تمثل مأساة يصعب على أى إنسان – غير مصرى بالطبع- تصديقها ... قصة مخترع يشقى باختراعه . فبعد جهد جهيد وعمل دءوب إستطاع أن يبتكر محرك احتراق داخلى بدون بستم وبدون كرنك بسرعة تصل إلى 14 ألف لفة فى الدقيقة وبمواصفات أخرى يفهمها المتخصصون . تم تسجيل المحرك كبراءة اختراع فى أكاديمية البحث العلمى تحت رقم 438 لسنة 1992 ، أى منذ ما يقرب من عقدين من الزمان حار خلالهما صاحب الاختراع بين عدة جهات لتنفيذ اختراعة بلا جدوى . من الطبيعى أن يصيبه القنوط وهو يرى أن عمله الذى أنفق فيه نصف سنوات عمره يوأد فى مهده . إننا نبرأ بالأكاديمية أن تتشبه بالشهر العقارى ، بمعنى أن تنتهى مهمتها عند التسجيل وإعطاء مجرد رقم للإختراع . فالظن أن من واجباتها أن تعمل على تسويق الإختراع وتنفيذه والإستفادة من الخير المرجو منه . أليس من المنطق أن تتبنى الحكومة أى اختراع وأن تنظر إليه بعين الجد لا بعين الإستخفاف واللامبالاه وتهتبلها فرصة لتشارك ولو بقسط يسير فى عالم الاختراعات ، وكفانا وصماً بأننا اعتدنا حياة الدعة والخمول والتطفل على الغير . أليس تنفيذ اختراع كهذا أولى من الإنفاق على الكرة والمهرجانات ! . صاحب الإختراع فنى فى محطة كهرباء أبوسلطان (بالاسماعيلية) ، ويخشى أن يكون مؤهله المتوسط عائقاً أمام تنفيذ مشروعه ، إذ قد يكون من شروط الأكاديمية لكى تتبنى إختراعاً أن يكون صاحبه حاصلاً على تعليم عال ، بمعنى أنها ربما تستكثر على فنى لم يكن نصيبه من التعليم النظامى إلا شهادة متوسطة أن يتوصل إلى اختراع ذى شأن . وربما يكون العجب من مخترع ذى نصيب متواضع من التعليم الحكومى قد وصل إلى حد عدم التصديق وإلى الاكتفاء –جبراً للخاطر- بتسجيل الاختراع ثم طى السجل . تُرى هل يغيب عن الأكاديمية تاريخ بعض المخترعين الأفذاذ الذين تجرى أسماؤهم على الألسنة إلى الآن . فمثلاً توماس أديسون الذى لم يتلق تعليماً مدرسياً ، وكان يوصف بالبلادة ، استطاع أن يضئ العالم باختراعه المصباح الكهربى ، فضلاً عن أكثر من ألف اختراع غيره ، وعندما مات أطفئت جميع مصابيح أمريكا عرفاناً بفضله . وهناك جيمس وات الذى كان يوصف بالخمول ولم يحظ بتعليم جامعى ، ورغم ذلك اخترع الآلة البخارية وغيرها وأسمه الآن يتردد فى عالم الأعمال الهندسية . وألبرت أينشتاين وقد تواتر عنه رسوبه فى مادة الرياضيات ومعاناته صعوبة فى الإستيعاب وعدم ترشيحه للإلتحاق بالجامعة أستطاع أن يبهر العالم بنظرياته الفيزيائية والرياضية التى أحدثت ثورة فى الفاهيم العلمية . كل ما سبق وغيره يثبت أن الاختراع ليس بالضرورة وليد تعليم عال أو حتى متوسط . ولدينا فى مصر أمثلة كثيرة ، لعل أبرزها مثال العملاق عباس محمود العقاد الذى لم يتلق تعليماً نظامياً إلا لبضع سنين ، ومع ذلك لا ينكر أحد أنه فى حياته وبعد مماته مثل ويمثل موسوعة للمعارف الإنسانية . فالعبقرية – كما عرفها المخترع العظيم أديسون واحد بالمئة إلهام وباقى المئة عرق . ويقول العالم زويل أن العصر ليس عصر ثقافة وإنما عصر إبداع . لقد مضى على اختراع فنى ابو سلطان حوالى عشرين عاماً كان من الممكن خلالها أن يطور إختراعه ، بل وأن يقدم المزيد من الإختراعات لو وجد تشجيعاً ممن يناط بهم رعاية الإختراع ومخترعه . نعلم أن الأكاديمية تتبنى مشروعات بحثية فى مراكزها وفى الجامعات بمئات الالوف ، وثمارها لم تنضج بعد ، ونحن الآن أمام ثمرة ناضجة متمثلة فى إختراع فنى أبو سلطان تنتظر أن تمتد إليها اليد لتقطفها قبل أن تسقط على الأرض وتصبح عدماً . فهلا منحت الاكاديمية هذا الفنى ما يكفى من دعم . ويالشقاء مصر إن لم تستفد من عقول النابهين من أبنائها قبل أن تلحق بقطار اليائسين الطويل . [email protected]