حذر الدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات من استمرار ما دعاها ب "أزمة الثقة بين المواطن والحكومة"، قائلا: للأسف هناك بعض المسئولين دون المستوى، وأن هناك العديد من المواطنين يلجئون إلى الرئيس حسني مبارك لحل مشاكلهم وأزماتهم. وخلال استعراض الحساب الختامي للدولة للسنة المالية 2008/2009، كشف الملط في اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب أمس برئاسة النائب أحمد عز عن إعداد 180 تقرير حول العديد من الظواهر السلبية الخطيرة، مطالبا بإجراء استفتاء محايد وليس استفتاء حكوميا للتأكد من فقدان الثقة لدى المواطن في الحكومة. وشخص الملط حالة الإدارة في مصر بأنها تعاني من أمراض مزمنة والهشاشة، وقال: أمام تلك الأمراض المزمنة يتدخل الرئيس مبارك بطريقة مباشرة لمواجهة سلسلة من الأخطاء التي ترتكبها عشرات الأجهزة الحكومية، مدللا على ذلك بعبارات الرئيس التي أكد فيها أن مشكلة مصر إدارة ورقابة ومحاسبة. وانتقد بشدة ما وصفها ب "التصريحات "الوردية" لبعض الوزراء والمحافظين دون أن يتحقق منها إلا القليل، وأشار أيضا إلى عجز المسئولين عن التعامل مع وسائل الإعلام وعدم الشفافية والتحرك السريع وعدم اختيار الشخص المناسب الذي يتحدث للإعلام، وعجز بعض أجهزة الدولة في تسويق القرارات العاجلة التي تمس المصلحة العليا للبلاد، خاصة فيما يخص الإنشاءات الهندسية وحق مصر في الدفاع عن حدودها وأمنها القومي. وفي إشارة إلى الجدار الحدودي الذي تشيده مصر على حدودها مع قطاع غزة الذي تسربت الأنباء حوله بدءا في وسائل الإعلام الإسرائيلية وهو ما نفته الحكومة المصرية قبل أن تؤكد صحة الأنباء لاحقا، انتقد الملط التعامل مع هذا الموضوع، قائلا: للأسف المسئولين ظلوا صامتين حتى علم الرأي العام بالأخبار من "بره" ثم بدءوا بعد ذلك واحد يتكلم يمين وآخر يتكلم شمال بعد أن تشبع الناس بالأخبار الخارجية، وقال في سخرية: نحن نحتاج إلى مخرج عالمي لتسويق أخبارنا العاجلة وكيفية الدفاع عنها. من جانب آخر، كشف الملط عن زيادة الفجوة بين الاستخدامات والإيرادات العامة خلال السنة المالية 2008/2009 بنسبة والتي وصلت إلى 90 مليار جنيه، بعد أن كانت في سنوات سابقة 34 مليار جنيه، وأشار إلى أن حجم المديونية الخارجية بلغ 31 مليار دولار مقابل 33.9 مليار دولار عام 2007/2008، مرجعا الفضل في ذلك إلى الرئيس مبارك وليس إلى الحكومة. في المقابل، أكد زيادة الدين العام الداخلي بصورة غير آمنة حيث بلغ 761 مليار جنيه بنسبة 73.3% من الناتج المحلى الإجمالي، في حين وصلت هذه النسبة في الأردن إلى 38.2% وسوريا 17% والجزائر 6.7% واليمن 6.6% وألمانيا 60% وفرنسا 57% وأمريكا 49.9% ولندن 45% وكندا 21.9%. وقدر نصيب متوسط الفرد في مصر من الدين الخارجي والداخلي ب 9526 جنيها عام 2008/2009 مقابل 8478 جنيها عام 2007/2008، وأشار إلى أن نسبة الدين الخارجي والداخلي من الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 90.3%، وأن 25% من الموارد العامة تخصص لسداد الأقساط والفوائد الخارجية، وقال إن عبء خدمة الدين العام الحكومي الداخلي والخارجي وصل إلى 69.6%. وأكد الملط أن نسبة التضخم وصلت إلى أعلى معدلاتها بعد أن وصلت إلى 16.2% عام 2008/2009 بعد أن كانت خلال السنوات الماضية 4.2% و10.9% و11.7%. ووفق الإحصاءات التي أوردها، فقد بلغ نسبة الارتفاع 17% للسلع والخدمات عام 2008/2009 و21% لأقسام الشراب والطعام و38.3% للفاكهة، و32% للبن والجبن والبيض، و23.5% للزيت، و23.3% للخضار، و20.3% للسمك، و17.5% للحوم، و13.2% للسكر والأغذية السكرية، و11.5% للحبوب والخبز و16.7% للخدمات بالمستشفيات و13.8% للكهرباء والغاز و13% للتعليم. وتابع الملط قائلا في سخرية: لدينا أشياء كويسة، منها الاتصالات والتضامن الاجتماعي والبيئة "وما أدراك ما البيئة وبؤر التلوث على مستوى المحافظات وتلوث المياه"، كاشف أنه تم أخذ نحو 873 عينة، وكانت النتيجة أن 29.5% من هذه العينات غير سليمة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي. وحول قطاع التعليم قبل الجامعي، أكد الملط أن هناك تدنيا في مستوى التعليم ولا يوجد تعليم متميز داخل المدارس الحكومية، وقال في مداعبة: هذا الأمر ليست له علاقة بالتغيير الوزاري، وأضاف: يحزنني ما أصاب التعليم الجامعي والبحث العلمي والتي تساوت بصفر المونديال ولم نأتي في ذيل أفضل 500 جامعة باستثناء جامعتين، وجاءت الجامعات الإسرائيلية في المقدمة وأيضا جامعات جنوب أفريقيا. وأكد الملط أن البيانات والأرقام والإحصائيات التي يتناولها تأتي من خلال مستندات موثقة من خلال البيانات الصادرة من البنك المركزي المصري وجهاز التعبئة والإحصاء والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وطبقا لإحصاء مايو 2008، يوجد 17 مليون يمثلون 29.7% من إجمالي عدد السكان للأعمار السنية من 10 سنوات فأكثر، وبلغت نسبة الأمية في الذكور 24.4% والإناث 37.3%، في حين بلغ عدد المحرومين من خدمات الصرف الصحي 34.5 مليون مواطن بنسبة 47.7% من إجمالي عدد السكان. ويقيم بالمناطق العشوائية 12.2 مليون مواطن يمثلون 16.8% من إجمالي عدد السكان، مشيرا إلى أن عدد المناطق العشوائية 1221 منطقة تم الانتهاء من تطوير 352 منطقة في 15 محافظة بنسبة 29.3% من إجمالي عدد المناطق القابلة للتطوير. وحول المنح والقروض التي تحصل عليها مصر، قال الملط إنه لا يجب أن ننسب هذا الأمر إلى الوزيرة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي لكن ينسب إلى الجهات المستفيدة من تلك المنح والقروض التي تستخدمها في إقامة العديد من المشروعات التي تحمل العديد من عناوين السلبيات وعدم دقة الدراسات. وقال: منذ عشر سنوات وأنا أكرر حديثي عن وجود عدد كبير من المشروعات صغيرها وكبيرها تفتقد إلى دراسات الجدوى، وللأسف "نسمي" ثم نعمل المشروع، وقال: هناك مشروعات لم يستفد منها الاقتصاد القومي للبلاد، بينما استفاد المستثمرون الأجانب الذين استنزفوا أيضا المياه الجوفية في زراعات لا تخدم المواطن في مصر، وكشف أن هناك مشروعات لم يتم الانتهاء منها منذ البدء فيها قبل 16 عاما. ودلل على نماذج لمشروعات لم يستفد منها المواطن والاقتصاد القومي للبلاد، ومنها مشروع فوسفات أبو طرطور وترعة الصف والمشروع القومي للصرف الصحي ومشروع العوينات ووادي الصعايدة ووادي النقرة ومشروع غرب السويس والحسنية وشمال مطوبس ومشروع استصلاح 42 ألف فدان في الضبعة. وتابع: رغم تكرار تلك المخالفات والسلبيات الخطيرة على مدار السنوات الماضية إلا أنه لا يوجد حساب وتمر المسائل هكذا(!!)، لافتا إلى أن من يقومون بالحساب هم رئيس مجلس الوزراء والسلطة التشريعية والوزراء ومساعدو الوزراء. إلى ذلك، انتقد رئيس الجهاز المركز للمحاسبات بشدة بعض الذين توكل إليهم مهمة الدفاع عن الحكومة لأنهم يرفضون أن يتحدث أي شخص عن السلبيات التي تقع فيها الحكومة، وأشار إلى من بين هؤلاء وزراء ومحافظين، وقال إن الاعتراف بالأخطاء هو طريق الإصلاح والأمل، وللأسف هناك من يحدث نوع من الخلط بين الدولة والحكومة. وقال: الدولة شيء أما الحكومات فهي متعاقبة وزائلة، وأضاف: تحدثت مع عضو بارز كبير وقلت له لا تخلط بين الحزب "الوطني" والحكومة وقلت له الحزب يرسم السياسة العامة والحكومة تنفذ تلك السياسة ولا تطبقها حرفيا. وأكد الملط أن الجهاز المركزي للمحاسبات بنص الدستور والقانون هو عين السلطة التشريعية في أعمال رقابتها الدستورية على النشاط المالي والاقتصادي للحكومة، وأشار إلى أنه منذ إنشاء الجهاز عام 1964 يقوم بمراقبة الأداء الحكومي وتقييمه إيجابا وسلبا ومراجعة تنفيذ السياسات، وقال الملط: إذا سألني أحد وما هي النتيجة من وجود الجهاز والأجهزة الرقابية الأخرى أقول "مش بتاعتي". وحول التواصل بين الجهاز والوزارات، أكد أن التواصل يصل إلى نسبة 100% بين الجهاز ووزارة الدفاع التي تمثل الامتثال والانضباط وأيضا وزارة الداخلية التي تستجيب دوما للجهاز وتوصياته، وقال الملط إن وزارة الداخلية كثيرا ما تتحمل أزمات بعض الوزارات والمحافظات والهيئات العامة التي تعجز عن حل مشاكلها. وحول الأزمة المالية العالمية، أشاد الملط بدور وزراء المجموعة الاقتصادية ونجاحهم بالخروج من هذه الأزمة، لافتا إلى أن معدلات النمو الاقتصادي المصري بلغت 4.7% في حين وصلت هذه النسبة بالسالب بالولايات المتحدة إلى 2.7% وفي الاتحاد الأوروبي 4.2% بالسالب والسعودية 9% بالسالب والكويت 1.5% بالسالب والإمارات 2% بالسالب وسوريا والأردن 3% بالزائد. وقال إن هذه الأرقام المقارنة تدل على قوة الاقتصاد المصري وعدم تأثره بالأزمة المالية العالمية، و"هنا نرفع القبعة لحكومة الدكتور نظيف ومجموعته الاقتصادية". من جانب آخر، كشف الملط عن زيادة حصيلة الضرائب على الدخل إلى 89 مليار جنيه والضريبة العامة على المبيعات 50 مليار جنيه وزيادة حصيلة الجمارك إلى 14.5 مليار جنيه ووصول الدعم إلى 94 مليار جنيه بعد أن كان 10 مليار عام 2003/2004.