انحنت الحكومة أمام عاصفة الاتهامات التي وجهها المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أثناء استعراضه أمام مجلس الشعب الحسابات الختامية للموازنة العامة للدولة لعام 2007/2008، وانسحبت بهدوء من معركة كان يتوقع لها المراقبون أن تكون حامية الوطيس، بعد أن علق وزير المالية يوسف بطرس غالي على ملاحظاته على أداء الحكومة في أقل من دقيقة، قبل أن يخرج من القاعة، رافضا الاستجابة لطلبات النواب بالبقاء، إلى حين انتهاء المناقشات. ولم تشهد الجلسة التراشق اللفظي المعتاد بين رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ووزير المالية والنائب أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة بالمجلس، فيما لم يتعد رد غالي على التقرير دقيقة واحدة، قال فيها إنه له عتاب وحيد على المستشار الملط، وهو " أنه لو كان وزع علينا البيان الذي ألقاه قبل مناقشة الحساب الختامي في لجنة الخطة والموازنة، لكنا قد تفادينا الكثير وأوضحت الكثير". وأثار غالي غضب النواب لرفضه الاستماع لملاحظاتهم، ومسارعته بمغادرة القاعة على الفور، بعد أن رفض الاستجابة لنداء النائب مصطفى بكري له من أجل البقاء، فيما اعتبره الأخير يعكس "عدم احترامه للنواب"، كما تعرض للهجوم من النائب جمال زهران وزير المالية، وقال إن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات اعتراف بأنه تعرض للتجريح داخل لجنة الخطة والموازنة. في الوقت الذي برر فيه الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس المجلس، مغادرة وزير المالية الاجتماع قبل انتهاء المناقشات بأنه جاء "لظرف صحي، ولأنه على ميعاد لزيارة الطبيب"، وطالب زهران بعدم "إشعال الحرائق والاعتماد على ما ينشر في المضابط وليس في الصحف التي تريد إشعال حرائق"، كما طلب من بكري أن يكون حادا في كتاباته و"حنينا" في ملاحظاته داخل المجلس. من جانب آخر، نفى الملط أن يكون قد ذهب لمقر أي حزب من الأحزاب السياسية لمقابلة أي مسئول بها، ردا على ما أثير حول حضوره اجتماعا مع النائب أحمد عز في مقر الحزب "الوطني"، وقال إن ما حدث كان في مقر إحدى لجان مجلس الشعب ويكفيني دعم الرئيس مبارك وأعتبر الموضوع منتهيا عند هذا الحد. وكان الملط، وجه انتقادات حادة إلى الحكومة، أثناء استعراضه تقريره، متهما بعض المسئولين بالدولة بعدم إيلاء المشاكل الحياتية للمواطنين الاهتمام المطلوب، وقال إن الرئيس مبارك اضطر للتدخل المباشر لمواجهة سلسلة من الأخطاء في عمل عشرات الأجهزة الحكومية. وأضاف أن المناصب ضريبة يدفعها الكفء وليس ميزة يختص بها المقربون، معتبرا أن هيبة الدولة هي الضمانة الوحيدة للاستقرار والشعور بالأمن والأمان والثقة في المستقبل، واستدرك قائلا: للأسف هناك بعض المسئولين بالدولة لا يأخذون الأمور الحياتية للناس بالجدية المطلوبة، ويتخذون قراراتهم بناء على ما يعرض عليهم من تقارير مكتوبة دون معايشة الواقع. واتهم هؤلاء المسئولين بأنهم غير قادرين على التنبؤ بالمشكلات عاجزين عن مواجهة المواقف والأزمات والتصدي للمشكلات العامة، ويفتقدون القدرة على المبادأة غير قادرين على العطاء والإبداع، وقال إن بعضهم يصنعون الأزمات فلا يجد الناس أمامهم إلا الرئيس مبارك يرفعون إليه شكواهم. وتحدث الملط عن وجود أزمة ثقة بين المواطنين والحكومة، مرجعا ذلك إلى كثرة التصريحات "الوردية" على لسان بعض الوزراء والمحافظين، التي لم يتحقق منها إلا النذر اليسير، وعجز بعض المسئولين عن التعامل الصحيح مع وسائل الإعلام بالشفافية المطلوبة، والتحرك السريع، وحسن اختيار من يتحدث إلى المواطنين عبر وسائل الإعلام، فضلا عن لجوئهم إلى التعتيم الإعلامي وإنكار حدوث أزمة في بدايتها، وعدم الاعتراف بوجود أي خلل أو التقليل من شأن الحدث. وأرجع سبب انعدام الثقة بين الطرفين إلى إحساس المواطنين بتجاهل الحكومة لهموم ومواجع وأنات المهمشين ومحدودي الدخل، متهما الحكومة بسوء معالجة الأزمات والكوارث، ومنها أزمة الخبز حوادث الطرق القطارات الحرائق غرق العبارات كارثة انهيار الصخري بمنطقة الدويقة، حيث قال إنها فشلت في تبرير الأزمات وتركت الأزمات تتفاقم برغم وجود مؤشرات كثيرة كانت تنذر باقترابها. وأكد الملط أن الإدارة في مصر تعاني من أمراض مزمنة وقال إن الحكومة مطالبة بتطوير قدراتها على الاكتشاف المبكر للأزمات، وقال: يكفينا أن الرئيس مبارك تدخل لحل أزمة الخبز. كما تطرق إلى العديد من وقائع الفساد وإهدار المال العام واستخدام جانب كبير من أموال بعض الصناديق والحسابات الخاصة في غير الأغراض التي أنشئت من أجلها بالمخالفة لأحكام القوانين، وصرف هذه الأموال على الدعاية والإعلان ونشر التهاني والتعازي وصرف المكافآت. وقال إن هناك ملاحظات عديدة واردة في التقرير، منها عدم الاستفادة من آلاف الوحدات السكنية التي تم الانتهاء من تنفيذها منذ فترة طويلة، وتعثر بعض المشروعات الممولة بقروض من بعض الصناديق والحسابات الخاصة وتوقف البعض منها، فضلا عن عدم الاستفادة من التبرعات المحصلة والأموال المتاحة ببعض الصناديق والحسابات الخاصة. وطالب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بتعديل قانون الإدارة المحلية "لمواجهة التسيب الذي يصل إلى حد الفساد في قطاع الإسكان والبناء. وأكد أن مديونية مصر الخارجية تصل إلى 33.9 مليار دولار في 30/6/2008 وبما يعادل 180.4 مليار جنيه بزيادة 4 مليار دولار، في حين بلغ الدين العام الداخلي في 30/6/2008 نحو 666.9 مليار جنيه بنسبة 74.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن متوسط نصيف الفرد في الداخل والخارج من صافي رصيد الدين العام الداخلي نحو 8527 جنيها عام 2007/2008. وقال إن هناك زيادة مستمرة وكبيرة في صافي رصيد الدين العام الداخلي، وإن نسبته تعدت أعلى النسب بين الدول العربية والأجنبية، وقال إن هذا الأمر يتطلب حلولا حاسمة تكفل السيطرة على هذا الدين. وكشف الملط، أن عبء خدمة الدين العام الحكومي الداخلي والخارجي "أقساط وفوائد" بلغ نحو 58.6 مليار جنيه عن العام المالي 2007/2008 بزيادة بلغت 5.1 مليار جنيه عن العام المالي السابق، وقال: لقد بلغ متوسط نصيب الفرد بالداخل والخارج من إجمالي أعباء خدمة الدين العام الداخلي والخارجي الحكومي نحو 748.9 جنيها عن عام 2007/2008م. وأشار إلى استمرار وارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري مع الدول العربية والأوروبية فضلا عن ارتفاع معدل التضخم. واتهم الملط، الحكومة بعدم قدرتها على السيطرة على الأسعار وضبط الأسواق ومواجهة ظاهرة تهريب السلع بالأسواق وإغراقها بالعديد من المنتجعات مجهولة المصدر والمغشوشة، مؤكدا ارتفاع الأسعار للسلع والخدمات، طبقا للنشرات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بنسبة 12.4%، وفي مجموعه الطعام والشراب بنسبة 18.4%، والخبز والحبوب بنسبة 30.5%، والزيوت والدهون بنسبة 24.9%، والخضروات 24.1%، والألبان والجبن والبيض 12.6%، واللحوم 12.5%، والأسماك 12.1%، والفاكهة 29.2%، والتعليم 26.4%، والكهرباء والغاز 9.3%. وانتقد الملط تدني مستوى الرعاية الصحية للمواطنين، وقال إنها لا تزال دون المستوى وأيضا مستوى التعليم بالمؤسسات التعليمية الحكومية بكافة أشكاله لعدم وجود رؤية توجيه ينفذها الوزراء فضلا عن تخلف النظام التعليمي الجامعي.