من أخطر ما يواجه الأمة المصرية الآن دخول معادلة الفتنة الطائفية على خط الأحداث الساخنة في مصر، و أحسب أن أي فتنة تتعرض لها البلد ممن لا يريد الخير له دون تلك الفتنة، وهذه الورقة كلما يئس المجرمون من إنفاذ مخططاتهم حركوها، ثم يخمدها الله بلطفه و كرمه، ثم ما نلبث أن تتجدد بعد فترة أخرى طالت أم قصرت، وتأتي المتابعات دائمًا من كتيبة إعلامية مدربة كاذبة خاطئة مركزة على ردود الأفعال دون الفعل الأصلي واستغلال الحدث لأهداف لا تخفى على أحد. للأسف مازلنا كعهد مبارك في رئاسة مرتعشة عينها دائمًا على ردود الأفعال الخارجية وخوف تحريك ملف الأقليات والاضطهاد والاعتراض ثم الأممالمتحدة فالعقوبات وهلم جرا. لم يعد مقبولًا أبدًا بعد ثورة 25 يناير أن لا تفعل دولة القانون، و إلا فقد كسر حاجز الخوف لدى الجميع، ولا ينتظر حينئذ أن يضبط أحد أعصابه إذا تعرض للاستفزاز المستمر خاصة إذا كانت الإساءة لأعز ما يملك دين الإسلام وعقيدته. لا نريد أن نتتبع خيوط المؤامرة التي لا يمكن أن ننظر إليها على أنها أحداث عفوية وليست ضمن مخطط شامل لإدخال مصر في دوامة الاضطرابات والفوضى ومن ثم إفشالها، ولكن ما نريده أبسط من ذلك، تفعيل دولة القانون وإعماله على أي أحد مهما كان شأنه ووضعه ودينه. إن مسارعة الرئيس مرسي لتطييب خواطر المسيحيين والأنبا تواضروس وفتح باب التحقيق في أحداث كتدرائية العباسية وغض طرف الحديث عن أحداث الخصوص- و إن كانت التحقيقات لابد أن تطالها- دون اعتبار لمن قتل أولًا ومن اعتدى على مساجده أولًا و من استهزئ بدينه أولًا لا يبشر بخير ويشعرنا أننا مازلنا في نفس العقلية ونفس التعاطي ونفس الحلول التي تهدر الحق والتي قد تؤجل الفتن ولكنها لا تقطع دابرها. رحم الله السادات الذي ما إن شعر بالفتنة وعلم أطرافها حتى ضرب على رأس الأفعى مباشرة دون اعتبار لتحالفه مع أمريكا أو معاهدة سلامة مع إسرائيل أو غير ذلك، لأن أمن الدولة الداخلي وسلامه الاجتماعي لا يقل إن لم يكن أخطر من الأمن الخارجي وحفظ حدود الوطن و جواره. إن المسيحيين جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن ولم يغمطهم أحد حقهم بل إنهم في غالبيتهم من أعلى طبقات المجتمع ماديًا واجتماعيًا ولا يقرصهم جوع ولا عوز كجيرانهم المسلمين وهذا منطقي في النظرة المجتمعية لأن أي مجموعة من الناس تتقوقع داخل نفسها ولا تندمج مع بقية أطراف المجتمع نفسيًا وعمليًا تتآزر إلى بعضها فيصبح التكافل الاجتماعي سهلًا بين أفرادها، بخلاف المسلمين الأكثر عددًا واتساعًا، وإن كان تجمعهم هذا الذي رسخه البابا الراحل نتج عنه هذا الشعور بالبعد والاضطهاد وعدم الاندماج المطلوب في المجتمع، ولكن ماذا يفعل المسلمون تجاه هذا الاحساس القاتل الذي عشش في عقول أكثرهم. ينبغي لشركاء الوطن من المسيحيين أن يعرفوا قدر شركائهم من المسلمين ولا يستهينون بهم ولا يميلون لطرف وموقف سياسي دون آخر انطلاقًا من عداوات دينية أو تاريخية متوهمة، و إلا كان عاقبة ذلك رد فعل غير محسوب العواقب من عوام المسلمين قبل غيرهم، فيترتب على ذلك ما لا يحمد عقباه وما لا نرضاه وزيادة عزلتهم وعزوفهم عن الانخراط في المجتمع. يجب كذلك على الإعلاميين والقوى السياسية التي تتبنى مواقف الأقباط أكان الحق معهم أم غير ذلك أن يراجعوا مواقفهم و يبنوها على إيثار مصلحة الوطن على مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة وأن يجنبوا الوطن تلك المهاترات التي إن لم يتداركها العقلاء فستكون نتائجها وخيمة على الجميع. أما السيد الرئيس وجماعة الإخوان فلا ينجرفوا فيما انجرفت فيه دولة مبارك التي تبنت مواقف أدت إلى ما نحن فيه من الاستقطاب الطائفي ولم يفلحوا أن يدمجوهم في المجتمع كما كانوا من قبل ولا يسارعون بإدانة ولا تطييب خاطر طرف دون آخر وليصروا على تفعيل القانون على الجميع ولا تأخذهم لومة لائم في تطبيقه وإلا فإلى أين نصل؟!. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]