هذا الأسبوع كنت على موعد مع مفاجأتين من العيار الثقيل، الأولى عندما تشرفت بالحضور فى الصالون الفكرى للراحل الكبير الدكتور عبد الحليم عويس، وقد حضرت مجموعة متنوعة من الأكاديميين والإعلاميين ورجال الأعمال من تلاميذ عويس وأصدقائه ومحبيه، وقد تحدثت فى اللقاء الدكتورة استشهاد ابنة الشهيد حسن البنا، وطوفت حول المشهد الاقتصادى والسياسى والاجتماعى فى البلاد بعد ثمانية أشهر من حكم الإخوان، وأبدت قلقها من أن سوء الإدارة واضطراب القرار والروح الإقصائية التى تهيمن على سلوك الإخوان الآن تضر بالمشروع الإسلامى ضررا بالغا، واختنقت بالبكاء وهى تقول: أنتم تضيعون الفرصة التى أتت عبر تضحيات أجيال من أبناء الدعوة ضحوا فيها بحياتهم وبأمنهم ومصالحهم، ودعت الرئيس مرسى إلى أن يعتمد فى بناء الوطن من جديد على الكفاءات من كل اتجاه وليس أهل الثقة من الإخوان وحدهم، ودعت إلى مصالحة وطنية شاملة، مؤكدة أن مصر مختلفة عن غيرها من تجارب الشعوب، مثل تركيا، لأن الإسلام متغلغل فى نفوس المصريين، فالليبرالى المصرى مسلم حتى النخاع، واليسارى المصرى مسلم حتى النخاع، وأن هذه فرصة أمام الإسلاميين لكى يوحدوا الوطن ويحققوا شراكة جامعة بين جميع قواه وفعالياته وتياراته لتحقيق نهضته، كانت هذه هى المفاجأة التى قدمتها ابنة مؤسس الإخوان ورمزها التاريخى، المفاجأة الثانية، كانت فى المقال الذى تفضل بنشره عبر صفحات "المصريون" القيادى البارز الشيخ عبود الزمر، أحد أبرز قيادات الجماعة الإسلامية، الحليف الأقوى والأهم للإخوان فى الأحزاب الإسلامية، ورغم الجهود الدؤوبة للإخوان لتحقيق اختراقات للحالة السلفية من خلال "اختراع" عدة تجمعات وهيئات وأحزاب وائتلافات جديدة تقوم كل منها بدور "اسفنجة" لمحاولة امتصاص جزء من الحالة السلفية بعيدًا عن الدعوة السلفية الأم، إلا أن الجماعة الإسلامية تبقى هى الحليف الأقوى وغير المصطنع للإخوان، وكان بعضهم يعاتبنى عندما أنتقد ما أراه خطرًا على المسار الوطنى كله بفعل سوء إدارة وروح إقصائية صريحة، ورغم أنى كنت أستمع منهم فى الجلسات الخاصة لآلام وشكاوى مؤلمة للغاية من سلوك الإخوان معهم وعمليات الأخونة فى جامعات ووزارات ومحافظات ومراكز، إلا أنهم كانوا يقولون دائمًا: لندع تلك المرحلة تمر ثم يكون لكل حادث حديث، مقال عبود الزمر كشف عن أن حجم الاضطراب وسوء الإدارة وصل إلى مستوى يصعب الصمت تجاهه، بل إنى استشعرت من مقاله أن هناك إدراكًا لضرورة الحفاظ على مسافة بعد كافية عن إدارة الإخوان تسمح للتيار الإسلامى بأن يشكل بديلاً للتجربة الإخوانية، إن قدر لها الفشل، لا سمح الله، وحتى لا يتحمل المشروع الإسلامى بكامله مسؤولية فشل تجربة أحد فصائله، وقال الزمر فى مقاله المهم للغاية ما نصه الحرفى: (إن فشل التجربة الإخوانية فى إدارة البلاد لا قدر الله لا يعنى فشل التجربة الإسلامية, لأن هناك تطبيقات أخرى لم تختبر ولم توضع موضع التنفيذ، ولكن المثير للشفقة أن الممارسات الكثيرة الخاطئة أفقدت الحكومة الحلفاء من التيار الإسلامى، وأصبحت بعض الفصائل تعجز عن تبنى موقف الإخوان أو الرئاسة, لأن المشهد لا يسر أحدًا، وفيه من السلبيات ما يحزن القلوب ويبكى العيون, ويشعر المحب فيه لوطنه بالمرارة تجاه ما يجرى من أحداث)، عبارات الرمز الإسلامى الكبير كاشفة بما يكفى لحجم المرارة من التخبط السياسى وسوء قيادة الدولة وشؤونها، غير أن الأكثر أهمية فى سياق كلامه هو إدراك الإسلاميين مؤخرًا أن فكرة الاصطفاف السياسى والأيديولوجى مع السلطة، ظالمة أو مظلومة، ستعرض المشروع الإسلامى بكامله للخطر وخسارة أجيال وعقود مقبلة قبل أن يستعيد حضوره من جديد، وتجعله فى مواجهة وخصومة اعتباطية مع جميع قوى الوطن ومؤسساته، وتختزل الدعوة الإسلامية فى حدود صراع حزبى ومصالح سياسية وسباق هيمنة على المغانم والسلطة والنفوذ، بدلاً من أن تكون الدعوة ورسالتها حاضنة للوطن كله، بجميع مكوناته ومؤسساته وتياراته وأحزابه، مهما تباينت درجات الفهم والإدراك بينهم لمكونات الرؤية الإسلامية. [email protected]