يعتبرُ النسخة المكسيكية ل «روبن هود» البريطاني، وهو من أعلام المكسيك، ولا أدل على ذلك من قيام الممثل «أنطونيو بانديرس» بتمثيل فيلم يحمل اسمه ويسرد قصة حياته وبطولاته. لقد دارت أحداث قصته على عهد الرئيس «ويلسون» وبالتحديد بداية 1910م، حيث كان أحد أعلام الثورة المكسيكية التي قامت ضد حكومة المكسيك. ومع أنه كان يمتهن الحرابة ونهب القطارات والقوافل إلا أنه أصبح بطلًا شعبيًا، حيث استهوى الناس بمهاراته الفروسية وبالغارات الجريئة التي تحولت إلى أساطير بطولية في الشارع المكسيكي، لاسيَّما أنه كان يوزع المال الذي ينهبه على الفقراء. ورغم أن الجنرال «كارانزا» استطاع أن يخمد الثورة ويدحر الثوار، إلا أن «روبن هود المكسيكي» واسمه «بانشو فيلا» استمر في طريق النهب وقطع الطريق. وفي عام 1916م أغار على مدينة «كولومبوس» بولاية نيو مكسيكو وقتل سبعة عشر أميركيًا. ومع أن الرئيس «ويلسون» كان معجبًا ب «فيلا» إلا أنه رأى أن عليه أن يقوم بشيء ليرسل للعالم رسالة مفادها أن أمريكا قادرة على الضرب على يد كل عدو صغيرًا كان أم كبيرًا، ناهيك عن أنه ظن أنه سيظهر بمظهر الضعيف إن لم يرد على الغارة التي قام بها «فيلا». عندها قرر «ويلسون» إرسال حملة سميت بالحملة العقابية تتكون من عشرة آلاف جندي من السلاح البري والجوي، بقيادة الجنرال «جون بيرشينج» الشهير الذي كانت له بطولات في ملاحقة الخارجين على القانون. وصاحب هذا الجيش الحربي جيش من الصحافيين والإعلاميين كلهم يريد تقصي أخبار الحملة. وعرض الأمريكان على من يساعد على القبض على «فيلا» جائزة قدرها خمسون ألف دولار، هي اليوم بمثابة خمسين مليون دولار لاسيَّما في دولة فقيرة كالمكسيك. ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن استمرت الحملة سنة كاملة في الأودية والجبال من دون الحصول على أثر ل «فيلا»، وزاد الرئيس «ويلسون» عدد الجنود من عشرة آلاف إلى مائة وثلاثة وعشرين ألف جندي، وكل ذلك زاد من التمجيد الذي اكتسبه «فيلا» في الشارع المكسيكي الذي أصبح يعطي معلومات مضللة للحملة، بل إن الأمريكان أنفسهم أصبحوا يكنون الإعجاب لذلك الرجل الذي دوّخ جيشًا بأكمله ببراعته وبطولاته؛ حيث كان يقوم بغارات صغيرة ونوعية ثم يرجع إلى مخبئه من دون أن يستطيع أحد القبض عليه؛ مما جعل الجرائد والصحف تستهزئ من الحملة العقابية التي عجزت عن الانتقام من ذلك الرجل الذي أصبح بفضل الأمريكان أسطورة. وفي الأخير وبعد التعب المضني والإرهاق الذي ذاقه الجنود ومع حرارة الصيف وبرد الشتاء، خارت قوى الجيش الأمريكي الجرار وقرر الرئيس الانسحاب وإنهاء الحملة. وأثناء انسحابه كان «فيلا» يُغير ويضرب الفلول الأخيرة من الجيش، مما اضطره للاستعانة بالسلاح الجوي لحماية عودة الجيوش إلى الولاياتالمتحدة. وبعد كل هذا العناء ماذا كانت النتيجة النهائية لقرار الرئيس «ويلسون»؟ 1 - فاتورة حرب أثقلت كاهل الاقتصاد الأمريكي حتى كاد ينهار. 2 - وصمة عار الهزيمة وأصبحت قصة الحملة مثيرة للسخرية في جميع أنحاء العالم. 3 - كل ذلك و «بانشو فيلا» لا يزال طليقًا بل وأقوى مما سبق. لقد صغر الرئيس «ويلسون» بلده الكبير لما جعل منه ندًا لصعلوك وزعيم عصابة، واتخذ قرارًا خاطئًا حينما جعل الولاياتالمتحدة تنازل بكل قوتها وعتادها شخصًا مثل «فيلا»، فكانت بذلك أشبه بالثور الذي يصارع عصفورًا نقره في أنفه، ولو أن الرئيس نأى ببلده عن النزول إلى هذا المستنقع وأناب من يقوم بهذه المهمة، لتحقق له التخلص من هذا الصعلوك الذي أكسبه شهرة زائفة وكلفه مبالغ باهظة. كان الأفضل للرئيس «ويلسون» زرع مجموعة جواسيس من المكسيكيين والأمريكيين لجمع المعلومات بطريقة ذكية تفضي لعملية القبض على «فيلا»، أو دعم مجموعة مكسيكية تُختارُ بعناية للقيام بهذا الدور، مما يوفر على الولاياتالمتحدة التكاليف المادية الباهظة والتكاليف المعنوية التي مست سمعتها. يقول المتنبي: على قدر أهل العزمِ تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ وتعظم في عين الصغير صغارُها وتصغرُ في عين العظيم العظائمُ وقد روي أن مصعب بن الزبير لما تولى على العراق قيل له إن عمرو بن جرموز -وهو قاتل والده الزبير- يتخفى من الناس فهل لك فيه؟ فقال: مروه فليظهر فهو آمِن، والله ما كنت لأقيد للزبير منه، فهو أحقر من أن أجعله عدلًا له!! أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal