فإذا كان ما مر هو عرض لوقائع عملية الخطف إلا أن علينا جهد استعراضها من خلال الأوراق والتخطيط أيضًا فقد تولى "أنور مأمون" قيادة العملية بادعاء أنه ضابط بمباحث أمن الدولة وقد سمى نفسه بالفعل المقدم "علي" أما "أحمد طارق" فقد قام بدور الضابط المرافق وقد أدى باقي الأفراد دور المخبرين... وقد كان الاجتماع الأول والسابق على تنفيذ الخطة في شقة الجماعة في منطقة "نصر الدين" بالهرم... حضره كل من "ماهر عبد العزيز بكري" وهو المتهم رقم "2" ومجدي صابر رقم "5" وقام أنور بشرح الهدف والخطة وتوزيع المهام والأسلحة بينما تولى "ماهر بكري" تقديم الشرح والتأصيل "الفقهي" لعملية اختطاف وزير الأوقاف الأسبق فأشاد بالفكرة باعتباره من الجهاد وفي سبيل الله... وقد تحدد اسم "أنور" و"طارق" و"محمد السيد صقر" و"محمد أبو دنيا" لكي يرافقوا الشيخ الذهبي بعد اختطافه... ويركب الباقون سيارة "مازدا" وقد استأجرت الجماعة كذلك شقة في العقار رقم "15" المتفرع من شارع استوديو الأهرام حيث قامت المجموعة المصاحبة للشيخ بتسليمه إلى "مصطفى عبد المقصود غازي" المتهم رقم "16" وإلى "صابر مختار مدكور" المتهم رقم "18" و"البط توفيق" المتهم رقم "17" وقد سلموا إليهم رشاشًا ماركة "بورسعيد" وانتهت بذلك المرحلة الأولى من عملية الخطف.. لتبدأ وقائع المرحلة الثانية ويستهلها أفراد الجماعة بقيد الشيخ المخطوف بسلسلة من قدمه على سرير بداخل الشقة، وبتمام قيد الشيخ على السرير تنتهي أحداث اليوم الأول.. وينتهي المشهد المأساوي بصورة للشيخ الذهبي وهو مقيد القدمين واليدين بملابسه البيضاء على سرير في حجرة متواضعة يحرسها من تم تكليفهم بالحراسة وهم "مصطفى عبد المقصود غازي" المتهم رقم "16" و"صابر مختار مدكور" المتهم رقم "18" و"البط توفيق" المتهم رقم "17"... ومن الجدير بالذكر أنه قد كان لكل متهم "كنية" وهو اسم خاص يتم مخاطبته به فعلى سبيل المثال كانت كنية المتهم عبد المقصور غازي "أبو توبة" وكانت كنية المتهم صابر مختار مدكور "أبو نعمان" وكانت كنية المتهم البط توفيق "أبو هريرة". وإلى هنا يجب أن نتوقف قليلا للوقوف على وجهة نظر الجماعة في ذلك الفعل فبينما تراه المؤسسات الرسمية للدولة أنه جريمة كان الفاعلون ينظرون إليه على أنه جهاد، فمن أين أتت هذه الفكرة؟ وما هي وجهة نظرهم الشرعية في هذا الفعل؟ وللإجابة عن السؤالين سوف نضطر إلى استحضار أقوال المتهم "ماهر عبد العزيز بكري" رغم أنها وردت في تحقيقات مطعون عليها بأنها تمت تحت تعذيب، إلا أننا سنعتبرها نقطة انطلاق يتم توثيقا من مصادر متعددة وفيما يلي نص ما قاله "عبد العزيز بكري" المتهم الثاني في القضية وكرره عدد من المتهمين وهم "أنور مأمون" و"محمد عباس" و"البط توفيق" و"محمد أبو دنيا" و"إبراهيم حجازي" و"مصطفى غازي" و"مجدي صالح" وآخرون. ماهر بكري يقرر: أنا سعيد جدًا.. بقتل الشيخ الذهبي. "نص أقوال ماهر عبد العزيز بكري في بيان الناحية الشرعية" ونأخذ أقوال ماهر عبد العزيز بكري كمجرد نموذج استشهادي دون الاقتناع الكامل به كوثيقة وذلك لسببين: أولهما إبلاغ المتهمين للمحكمة بوقوع التعذيب عليهم أما الثاني فهو أننا لا نطمأن إلا إلى الوثائق التي تأتي من خارج أقوال المتهمين أو صناعة رجال الأمن.. ومن هناك نكتفي بأقوال ماهر عبد العزيز بكري دون بقية المعترفين من المتهمين لاشتمالها على التأصيل الشرعي للأحداث من وجهة نظرهم مع ملاحظة أن ماهر بكري كان يذكر هذه الأقوال وهو فخور بها... مزهو بفعلته. فقد قرر: في تحقق النيابة العسكرية أنه تم بحث ومناقشة موضوع الخطف بينه وبين زعيم الجماعة "شكري"، و"أنور مأمون" و"مجدي صابر" ومن الناحيتين الشرعية والسياسية، ووقع الاختيار على الشيخ الذهبي بسبب تشهيره بالجماعة في الجرائد والمؤتمرات العامة ولأنه ذو مركز سابق يجعله محل اهتمام الحكومة والرأي العام، خاصة وأنه حلال الدم نظريًا وواقعيًا. وقد برر إقدام الجماعة على مثل هذا الفعل رغم أنها في حالة استضعاف وأن حكمها الشرعي كف اليد، فقال بأنه تم بحث تأصيل التعامل مع العدو. وانتهى الرأي إلى أن الاستضعاف ليس أمرًا مطلقًا وأن الجماعة من حقها أن تعمل ما يقربها من الهدف بجلب نفع أو دفع ضرر، ولذلك قررت الجماعة أخذ الشيخ الذهبي رهينة لإجبار الدولة على إجابة مطالب الجماعة، فإن رفضتها الدولة تكون هي التي قتلت الشيخ الذهبي. وقال إنه حضر مع الأخوة في شقة "نصر الدين" وكلمهم عن الناحية الشرعية في الأمر، وارتباطه بالهدف العام للجماعة. وسئل عن الحاضرين في هذا الاجتماع فحدد الأسماء والكنى الآتية أنور مأمون "أبو مصعب" ومحمد عباس "أبو العباس" والبط توفيق "أبو هريرة" ومحمد أبو دنيا "أبو عبيدة" وإبراهيم حجازي "أبو رواحة" ومصطفى غازي "أبو توبة" ومجدي صابر.......وآخرين. وأضاف أنه انتظر هو ومجدي في شقة نصر الدين حتى رجع أبو مصعب "أنور" وأبو سهل "محمد السيد صقر"، وأبو يوسف "أحمد طارق" وأبو عبيدة "محمد أبو دنيا" وأبلغوا بتمام التنفيذ وأن العربة "المازدا" تعطلت، فتركوا "أبا سهل" لانتظار أفرادها وانطلقوا هو لإبلاغ "شكري" في بيته في جهة "دير الملاك". وفي استجوابه أمام المحكمة قال ماهر عبد العزيز بكري: إنه سعيد حقًا بقتل الشيخ الذهبي. أما المتهم مجدي صابر حبيب (والذي يحمل رقم 5) فقد أقر: بأنه من المجموعة القيادية التي تتكون من شكري وماهر وأنور ومحمد خالد وهو معهم وإن هذه المجموعة قررت خطف الشيخ الذهبي. وأفاض في التحقيق في بيان الأسباب والبواعث، فذكر المظالم التي لحقت بالجماعة وأنها أرسلت خطابًا لرئيس الجمهورية ولم يلتفت إليه وأنها كانت تهدف إلى إخراج أفرادها من السجون، والحصول على تعويضات وتحديد التعامل مع جهاز المباحث وأن البحث كان دائرًا عن شخص تحرص الدولة عليه من جهة ويكون مستحق القتل بسبب كفره من جهة أخرى، ووقع الاختيار على الشيخ الذهبي! وقال إنه توجه مع "ماهر" حيث تم شرح الخطة وتوزيع المهام بواسطة "أنور مأمون" وأنه انتظر بشقة نصر الدين حتى عاد أنور وطارق وأبو دنيا ومحمد السيد صقر بعد تنفيذ الخطف، فتركوا محمد السيد بتلك الشقة وانطلقوا لإبلاغ شكري. ويلاحظ من كلام المتهم في التحقيقات قوله: إن جماعته أرسلت خطابًا لرئيس الجمهورية "السادات" ولم يلتفت إليه.. وهي معلومة لم تحقق فيها جهات التحقيق أو تسأله عن نص الخطاب، كما لم يتم البحث عن خط سير هذا الخطاب، ومن الذي تسلمه وهل وصل ليد رئيس الجمهورية أم منع من الوصول... ولماذا؟ وكانت الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ستكشف ولاشك تواطؤ بعض الأجهزة ودورها في استمرار تأزم الموقف لتحقيق هدف ما من وجهة نظر هذه الأجهزة الأمنية!! أو ربما تكشف عن أن الجماعة لم ترسل أي خطابات من أصله.