وإذا كنا لا نستند إلى هذه الأقوال وحدها ولا نعتمدها في وثائقنا ما لم تكن مدعومة بوثائق أخرى إلا أننا نؤكد أن المتهم الأول وزعيم الجماعة والذي لم يعترف بكلمة أو يقر بفعل قد أيد هذه الحقيقة فقرر أنه هو الذي استدعى المتهم "عبد المنعم عبد السلام أبو يس" إلى "مصر" وقرر أيضا أن العرض "الليبي" كان يشتمل على إمداد الجماعة بالمال والسلاح ومحطة إذاعة مقابل القيام بعمل موجه ضد الدولة على غرار ما قام به "صالح سرية" في الكلية "الفنية العسكرية" وقد سبق وأن ذكرنا ذلك في الجزء الأول من هذه الموسوعة ونحن بصدد بحث قضية "الفنية العسكرية". غير أن الجديد أن "شكري مصطفى" قرر في التحقيقات التي لم يعترف فيها ولم يقر كذلك بأي فعل من الأفعال المؤثمة قرر في هذه التحقيقات أنه بحث المسألة من الناحية الشرعية وانتهى إلى جواز قبول أي مساعدة مالية من أي دولة ما لم يكن مشروطا بما يغير من المنهاج الحركي الشرعي ومن الأعجب أن ماهر عبد العزيز بكري قد أكد هذه الأقوال ولم يعدل عنها حتى نهاية المحكمة وأيد قبول الأموال من ليبيا وذكر ما نصه : "هذا الأمر مقرر عندنا قبل موضوع "ليبيا" وهو جواز أخذ الأموال من أي ناس أمر مباح بل يجب ما لو يتعارض مع أهداف الجماعة الأخرى وأولها أن توجد في مناخ صالح للدعوة تمامًا وخصوصًا في مصر التي تقدر أنه يلزمنا ويلزمها حاجتنا للمال". وقال أيضًا ما نصه: "وأن كنا في نفس الوقت وأنا أقرر الآن على لسان الجماعة لا نرفض أن يعطي لنا مال ولو كان من الشيطان نفسه". "انتهى نص أقوال ماهر بكري" الحقيقة التاسعة : أن تعامل وزارة الداخلية في هذه القضية قد اتسم بالليونة الشديدة التي تصل إلى اللامبالاة فهي من جانب قد نفذت كل مطالب جماعة "التكفير والهجرة" والأعجب من ذلك أنها سلمت الطفلة بذات الطريقة التي رسمها "شكري مصطفى" بل وقامت باستجداء الخاطفين إلى الدرجة التي عرض فيها مدير الأمن نفسه كرهينة بدلا من الشيخ المخطوف، وقامت أجهزة الأمن بإدخال الأستاذ "شوكت التونى" المحامى رحمه الله كوسيط بين الدولة وبين الخاطفين بل وجاءت المفاجأة مدوية حينما طلبت وزارة الداخلية من بعض المتهمين المفرج عنهم أن يتوسطوا لدى "شكرى مصطفى" بطلب الإفراج عن الشيخ/ الذهبي بعد أن نفذوا كل ما طلب منهم إلا مسالة دفع النقود التي طلبها "شكرى مصطفى" فضلا عن مسألة التحقيق مع النيابة ورجال القضاء والصحفيين فقد رفضت الدولة أن تبحث هذه المسألة. الحقيقة العاشرة والأخيرة: أنه قد تمت وقائع عنيفة سابقة على تاريخ الواقعة لم يقع ضمن وثائقنا أي إجراء تم من وزارة الداخلية ولو من باب التحري الجاد، ومن هذه الوقائع مثلا حادثة سينما "سفنكس" والتي تم تفجيرها باستخدام بعض المفرقعات وقد وضعت في صالة السينما وتحديدًا في الثلث الأمامي للصالة بين الصفين السابع والثامن وذلك بتاريخ 6/7/1977. وبالرغم من شدة هذا الانفجار والذي أحدث حفرة دائرية بالأرضية الخرسانية إلا أنه لم يؤد إلى الوفاة وإنما أدى إلى إصابة مجموعة من المواطنين. ومع ذلك لم تسفر التحريات عن نتيجة محددة هذا إن كانت هناك تحريات جادة. كما أن هناك حوادث أخرى ومشابهة حدثت في مبنى "معهد الموسيقى العربية" وكانت أيضا يوم 6/7/1977 وكان حادث ميدان "العتبة" هو الشقيق الثالث لتلك الأحداث وقد وقع يوم 9/7/1977 م . وإذا كانت المحكمة قد استدلت على نسبة هذه الأحداث إلى جماعة "التكفير والهجرة" من خلال أقوال المتهمين وبعض المضبوطات الخطية إلا أن الغريب في الأحداث أنه قد تم العثور على مسودة بيان في منزل "شكري أحمد مصطفى" الكائن بالعقار رقم "10" بشارع المراغي بدير الملاك وكان نصها كالآتي : "قامت جماعة المسلمين أمس في تمام الساعة الحادية عشرة إلا الربع بمهاجمة معهد الموسيقى العربية" ومسرح "فريد الأطرش" بقصد أخذ المدعو/ عبد الحليم نويرة مدير المعهد ورئيس فرقة الدعارة العربية كرهينة لإجابة مطالبنا فلما لو نجده قمنا بوضع عبوة ناسفة في المبنى وقد وقع الاختيار على نويره بصفته سهرا للسادات. وأيضًا فقد قمنا بوضع عبوة صغيرة في سينما "سفنكس" كتحذير مبدئي في مراحل الخطة ونعتبر ذلك بداية الرد على المدعو/ أنور السادات شخصيًا بإعلانه" "انتهى بيان المسودة" وليس المقصود هنا أن نبرر خطورة الأعمال التي قامت بها الجماعة بقدر ما أردنا أن نظهر مدى استهانة الجماعة بهيبة الدولة وبوزارة الداخلية إذ كانت النية هي أن تقدم الجماعة ردا على قرار رئيس الجمهورية بإحالة قضيتهم إلى القضاء العسكري وقد ورد في الأوراق أن الذي قام بعملية تفجيرات "معهد الموسيقى العربية" هو المتهم "أحمد طارق عبد العليم" بتكليف من أمير الجماعة "شكري مصطفى" إلا أن المحكمة قد وسعت من دائرة الإدانة في حكمها الصادر في القضية رقم "6" لس 1971 لتشمل الإدانة "ماهر بكري"، و"أنور مأمون"، و"محمد خالد صقر"، و"مجدي صقر". وقد اتبعت المحكمة نفس المنهج في قضية حادث ميدان "العتبة" قامت بإدانة المتهم "حسن البنا" ثم توسعت في الإدانة على النحو السالف ذكره واتبعت ذلك في بقية الأحداث وللقارئ أن يتابع الأحداث وتسلسلها السريع ويستنتج منها ما يشاء فتاريخ الخطف هو يوم 3/7/1977 ليبدأ بعده التفاوض مع الخاطفين وتسلم الدولة بكثير من الطلبات إلا أن الجماعة تقتل الرهينة وهو الشيخ / الذهبي في 4/7/1977. ثم تبدأ عمليات التفجير الواسعة بتاريخ 6/7 ، 9/7/1977 ونظن أن الأمر على هذا النحو يبين مدى الوهن الذعر كانت تعانى منه وزارة الداخلية في سياستها العامة . نتيجة المقدمات: يتضح من تلك المقدمات العشر أن العلاقة بين المؤسسات الحاكمة وبين هذه القضية لا تخلو من فروض ثلاثة : الفرض الأول: إما أن وزارة الداخلية كانت تمر بفترة انتكاسة شديدة وقصر في المعلومات فتسببت بهذا القصور والإهمال في عدم متابعة أو ملاحقة ما تم من أحداث. الفرض الثاني : وهو أن هذا التسيب كان مقصودًا لذاته رغبة في التخلص من بعض الشخصيات السياسية. ونعتقد أن هذين الفرضين غير مقبولين عقلا ليأتي دور الفرض الثالث. الفرض الثالث: هو أن أجهزة الأمن قد رفعت يدها عمدا عن جلب المعلومات ليتجرع الرئيس "السادات" كاسه الذي صنعه بيديه وخطته السياسية التي كان قوامها السماح بحرية الحركة للتنظيمات "الإسلامية" الصحيح منها والمخطئ والمعتدل منها والتشدد دون تفرقة وهذا مجرد استنتاج وصلنا إليه دون أن نفرضه على الآخرين ولكل قارئ أن يصل إلى ما يشاء من خلال المقدمات العشرة التي سلف بيانها.