غدًا.. انطلاق دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب    الرئيس السيسى: مشروعات المرحلة الأولى لحياة كريمة تكلفت 400 مليار جنيه للآن    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    محافظ الغربية يودع عمال النظافة الفائزين برحلات عمرة قبل سفرهم إلى الأراضي المقدسة    محافظ القليوبية يشهد تكريم حملة الماجستير والدكتوراه بنقابة المهندسين    "لف وارجع تاني" .. ماذا يعني عودة البناء بقانون 2008 ؟    الرئيس السيسي يوجه رسالة للأسر بشأن تعليم أبنائها    بدء قبول الطلاب ببرنامج «تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي» بحاسبات طنطا    الخارجية الألمانية: الأسد ليس لديه رغبة في حل الأزمة السورية    السيسي: مصر لا تعمل على تزكية الصراعات أو التدخل في شؤون الآخرين    الخارجية تعبر عن قلق مصر إزاء التطورات الأخيرة فى جمهورية السودان الشقيق    هيئة الأركان الأوكرانية: الوضع على طول خط الجبهة لا يزال متوترا    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    تعيين محمد رمضان مديرا رياضيا في الأهلي.. مع اختصاصات مدير الكرة والإشراف على التعاقدات والكشافين    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    المعمل الجنائي يعاين حريق شقة في الشيخ زايد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    عروسة قماش ودبابيس.. حيلة تربي مقابر الإمام الشافعي للنصب على مؤمن زكريا    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    3 أعمال تنتظرها دينا الشربيني خلال الفترة المقبلة    عادل حمودة يكشف أسرار حياة أحمد زكي في "معكم منى الشاذلي" الخميس    الخارجية الأمريكية: إسرائيل أبلغتنا بعمليات قرب حدود لبنان لكنها محدودة    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    جامعة القناة تنظم قافلة طبية بالتل الكبير فى الإسماعيلية ضمن حياة كريمة    طريقة عمل الكيكة العادية، بخطوات سهلة ونتيجة مضمونة    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    وزير الصحة: الحكومة تلتزم بتهيئة بيئة مناسبة لضمان قدرة المستثمرين الأجانب على النجاح في السوق المصري    500 وفاة لكل 100 ألف سنويا .. أمراض القلب القاتل الأول بين المصريين    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    والد محمد الدرة: الاحتلال عاجز عن مواجهة المقاومة.. ويرتكب محرقة هولوكوست بحق الفلسطينيين    خُط المنطقة المزيف    الزمالك 2007 يكتسح غزل المحلة بخماسية نظيفة في بطولة الجمهورية للشباب    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    النيابة تواجه مؤمن زكريا وزوجته ب التربي في واقعة السحر    اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    يختصر الاشتراطات.. مساعد "التنمية المحلية" يكشف مميزات قانون بناء 2008    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    ناصر منسي: إمام عاشور صديقي.. وأتمنى اللعب مع أفشة    جامعة بنها: منح دراسية لخريجي مدارس المتفوقين بالبرامج الجديدة لكلية الهندسة بشبرا    هيئة الاستشعار من البُعد تبحث سُبل التعاون المُشترك مع هيئة فولبرايت    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في الوثائق السرية لتنظيم التكفير والهجرة
نشر في المصريون يوم 04 - 12 - 2009


(القضية رقم 6 لسنة 1977 أمن دولة عسكرية عليا):
بحثنا في الجزء الأول من تلك الموسوعة التي نحن بصددها - والتي اخترنا لها اسم "موسوعة الحركات الإسلامية والسياسة الأمنية" وكان عنوانها "ثلاثون عاما من الصراع في مصر" "قضية الفنية العسكرية" وقد تشكل واقع الحركة الإسلامية بعدها بشكل جديد وتأثر هذا الشكل بعدة عناصر بعد عام 1974م فأما العنصر الأول أن هذه القضية كانت أول انقلاب عسكري ينتسب إلى الإسلام، وقد أفرزت تلك القضية في الواقع المصري تعايشًا كبيرًا مع الفكرة الإسلامية بصورة جديدة تواكب ظهورها الأول على مسرح الأحداث مع أحداث قضية "الفنية العسكرية" التي جاءت في مناخ سمحت فيه الإدارة المصرية وقتئذ بقدر من الحرية أتاح حركة من النقاش والجدل، وأتاح أيضًا مساحة لنمو فكرة "البطل" التي عادة ما تظهر في نفوس الشباب مع بداية التحرر من فكرة إلى فكرة، ومع بداية الانتماء الذي وإن كان قد أخذ شكلا متشددًا إلا أنه أخذ أيضا شكلاً بطوليًا مصاحبًا لهذا التشدد.
وكانت قضية "الفنية العسكرية" قد استمرت ما بين تحقيقات، ومرافعات، وأصداء اجتماعية قرابة العامين، وقد انتشرت وقائع وأخبار هذه القضية بين الأفواج التي بدأت في الإقبال على فكرة الإسلام السياسي ونشرت بينهم روحًا جديدة وفكرًا جديدًا، لم يكن بالضرورة فكرًا متكاملاً، فقد جاء في أغلب الأحيان مشوها يربط بين البطولة والانحراف الفقهي في قالب واحد، وفي أحيان قليلة جاء متناسقًا، واستطاع بعض الدعاة المعتدلين أن يحدوا من غلواء الإعجاب المتنامي لفكرة الاقتحام والانقلاب والتغيير بالقوة.
وقد جاء "عمر التلمساني" المرشد العام للإخوان الأسبق رحمة الله عليه في زمنه وفي وقته، وأتى معه مجموعة من الدعاة المعتدلين أمثال الشيخ "صلاح أبو إسماعيل" والشيخ "محمد الغزالي" والشيخ "محمود عيد" والشيخ "عبد الحميد كشك" وغيرهم من الدعاة الذين وإن كانوا قد اتسموا بالحماس في مواجهة الفساد والانحراف، إلا أنهم في ذات الوقت كانوا على توقيت وعلى موعد محدد مع كل الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت، وقد كانوا يمثلون جميعًا الفكر الوسطي وإن اختلف أسلوب كل منهم.
وتم تداول مرافعات قضية "الفنية العسكرية" بين الشباب وبين المجموعات التي تكونت كنتيجة حتمية لمناخ السماح الذي قدمه الرئيس السابق "أنور السادات" للحركة الإسلامية، صحيح أنه كان يهدف إلى تقليم وتقزيم "الحركة اليسارية" التي تربصت به في بداية حكمه لاسيما "الحركة الناصرية" ورموز المرحلة والعهد الأول إلا أن الأمور خرجت من حدود سيطرته لتأخذ "الحركة الإسلامية" مسارًا أقوى وأكثر انطلاقًا.
وقد تم تداول شريط الكاسيت الخاص بمرافعات قضية الفنية العسكرية سرًا وعلانية. وتجاذبها شباب مصر عام 1975م، وهو الجيل الذي يدور تاريخ ميلاده بين العام 1950 وعام 1956، وكانوا قد بدأوا يتخرجون من الجامعات في تلك الأعوام فتزامن ذلك مع ظهور فكرة البطل التي ولدت من رحم قضية "الفنية العسكرية"، وفكرة "البطل" ترتبط بها فكرة التضحية وجودًا وعدمًا، فكلما زادت الفكرة لدى الشاب زادت معها روح التضحية والرغبة في بداية جادة وفي عمل ما ولو من وجهة نظر صاحبها الشخصية.
هذا هو العنصر الأول الذي صنع روح البطولة في نفوس شباب عام 1876م بغض النظر عن تقييمها.
أما العنصر الثاني من عناصر التأثير فكان مصدره هو الموضوعات التي تناولتها كتب وأطروحات هذه الفترة الفكرية، فقد تم تسليط الضوء على الظلم الذي تتعرض له "الحركة الإسلامية"، حتى في الكتيبات الصغيرة التي كانت تصدر عن دور النشر إسلامية التوجه وغير الإسلامية.
وأغلب المطبوعات إن لم يكن كلها في تلك الفترة كان يتحدث عن الظلم الذي وقع على "الحركة الإسلامية" في فترة الستينيات أثناء حكم الرئيس "جمال عبد الناصر"، حتى مرافعات الدكتور "عبد الله رشوان" في قضية "الفنية العسكرية" كانت في أغلبها تتحدث عن هذه الفترة، وكذلك المقالات في الصحف وزاد رواج هذا السوق مع الوقت.
وكان غرض الرئيس "السادات" من إفساح الباب للحديث حول الظلم الذي تعرضت له "الحركات الإسلامية في عهد الرئيس "عبد الناصر" هو أن يحكم الناس على هذه الفترة بأنها فترة سوداء وأن يشعر المواطن المصري بالامتنان الكامل لها يسمح له به من هامش الحريات خلال عهد السادات كما أن رغبة السادات في إظهار عبد الناصر كديكتاتور حكم مصر كانت كامنة في نفسه لاسيما وهو يتجه إلى الديمقراطية التي استهدف منها عقد المقارنات بين العهود، وكان يهدف أيضا من وراء ذلك إلى إسقاط هذه الفترة والحكم عليها دوليا ومحليا عن طريق إفساح المجال للمتحدثين من المظلومين خلالها بما فيهم الكاتب الصحفي "مصطفى أمين" وكذلك العديد من المعتقلين من أصحاب التوجهات السياسية الأخرى وهذا من وجهة نظرنا الخاصة.
كانت هذه سمة عامة أظهرت ما تعرضت له "الحركة الإسلامية" من ظلم، حتى أن كتاب الحاجة "زينب الغزالي" والذي يتحدث عن تعذيبها داخل السجون كان له أثره الكبير على الشباب في ذلك الوقت، إضافة إلى الكتب اتلي كانت تتحدث عن مذابح سجن طره والمذابح التي حيكت للإخوان المسلمين داخل السجون والتي كان لها أثر بالغ في تنمية فكرة البطل لدى الشباب المسلم.
هذان العنصران جعلا الشباب في حالة تأهب قصوى، وانقسمت "الحركة الإسلامية" في ذلك الوقت وفقا لحماسها الشديد إلى عدة شعب وأقسام:
فأما القسم الأول فهو القسم الذي ازدادت عنده روح البطولة وحب التضحية إلى الحد الذي تخطت معه مرحلة العلم الفقهي فتجاوزت الصحيح من الأحكام، وذلك ربما بدافع من حماس نفسي أعماها أو أضلها حتى عن ما أجمع عليه المسلمون فاتخذت هذه الفرقة سبيلا انعزاليًا وأطلقت على نفسها اسم "جماعة المسلمين" واعتبرت أن ما دونها هو الكفر، وأن من دخل فيها اقتناعا وخرج اقتناعا فهو مهدر الدم كافر العقيدة مستحل المال بمجرد خروجه من الجماعة "جماعة التكفير والهجرة".
وقد اتخذ هذا القسم منهاجًا حركيًا محددًا تمثل في كف الأيدي خلال المرحلة الأولى، وفي الإعلان عن الجماعة في المرحلة الثانية، وأخيرًا الجهاد من أجل التمكين في المرحلة الثالثة، وأطلق هذا القسم على نفسه اسم "جماعة المسلمين" استنادًا إلى ذلك الحديث النبوي الشريف الذي يتحدث عن انقسام الأمة إلى بضع وسبعين شعبة وأن كلها في النار إلا واحدة، فأعلنت هذه الجماعة التي تم تأسيسها على يد "شكري مصطفى" أنها "جماعة المسلمين" التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف.
أما القسم الثاني من الحركات الإسلامية في ذلك الوقت، فقد اتخذ من العلم سبيلاً، وأفرط في اللجوء إلى التراث حتى أنه رجع بعقله وتفكيره لأعوام طويلة تبلغ المئات ثم تجمد حولها. صحيح أن هذا القسم كان يتسم بعمق البحث، إلا أنه أيضًا كان يتسم بالجمود في أحيان كثيرة، وأطلق على نفسه اسم "الحركة السلفية" ورفض أن يكون جماعة واحدة فقرر ممثلوا هذه الحركة بأنهم يمثلون أفكارًا وحركة وليسوا جماعة أو حزبًا.
وقد مثل هذا الفريق بالعديد ممن خلع عليهم الشباب لقب المشايخ، كالشيخ "أسامة عبد العظيم" والشيخ "الدبيسي" والشيخ "محمد إسماعيل".......وغيرهم.
أما القسم الثالث من "الحركات الإسلامية" فقد أصر على أن يعود بذات الاسم الذي بدأ به وهو جماعة "الإخوان المسلمون". وقد بدأت هذه الجماعة بنفس البداية التي بدأها الإمام "حسن البنا" في بدايات تكوين دعوته، فالتزمت بالأصول العشرين كحدود لا ينبغي الخروج عنها سواء في القضايا الفكرية أو القضايا الحركية، وحتى في المجالات الخلافية أصرت هذه الجماعة على أن تبقى على الأصل الذي أعلنه الإمام "حسن البنا" في حسم المسائل الخلافية، واعتبرت هذه الأصول بمثابة المرجع التاريخي والمستقبلي أيضًا.
وبدأت الانتشار في تكوينها الجديد على يد الشيخ "عمر التلمساني"، وقد كان محاميًا ذكيًا حسن الخلق عف اللسان فاستطاع أن يجتذب الكثير من الشباب.
ولأنه كان منفتحًا على الآخر فقد شهدت الدعوة الإسلامية التي تحمل فكر "الإخوان المسلمين" في ذلك الوقت تطورًا ملحوظًا، إلا أن هذا التطور لم يستطع أن يحتوي الأفكار المتباينة التي ظهرت، وذلك لظروف سياسية فضلاً عن ظروف تكوين الجماعة ونظرًا لما التزم به "التلمساني" من حرص على تكوين التنظيم فقد عجز الجميع عن إنقاذ البلاد من كارثة محققة تمثلت في الأفكار المتشددة التي ظهرت في ذلك الوقت وأعادت جماعة "الإخوان المسلمين" نفسها إلى الواقع السياسي بالمعنى الدقيق وأنقذت نفسها من أن يتسرب إليها مثل هذا الفكر، إلا أنها أيضًا لم تشارك بصورة جادة أو حقيقية في مواجهة هذه الأفكار بالقول أو بالعمل على الأقل لعدم رغبة النظام في أن تقوم الجماعة بدور "المرشد" للحركات الإسلامية فضلاً عن أن النظام المصري كان حريصًا على إبعاد الإخوان المسلمين عن الدور القيادي في المجتمع المصري.
بل إننا لا نتجاوز الحقيقة إذا ما قلنا إن جماعة "الإخوان المسلمين" قد كانت هدفًا في ذلك الوقت لكل هذه الحركات وأنها عجزت حتى عن حماية نفسها في بعض الأوقات من الاعتداءات التي وصلت إلى حد الاعتداء باليد من قبل هذه الحركات.
أما القسم الرابع فهو عبارة عن مجموعات اتخذت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة يظهر فيها التغيير باليد وبالقوة واضحًا، فكانت على هذا النهج "الجماعة الإسلامية" بأسيوط والجماعات الإسلامية التي ظهرت في مختلف أنحاء الجمهورية.
واتسمت هذه الحركات الأخيرة باتخاذها طريقًا عنيفًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واستطاعت أن تجتذب الكثير من الشباب المتحمس في ذلك الوقت، وكان من تطور مجموعات هذه الحركة المجموعة التي قامت بتكوين الخلية الأولى لفكرة الجهاد وقضية مقتل السادات.
ومن الغريب أن هذه المجموعات الرئيسية قد تفرع عنها أكثر من مئة وعشرين جماعة صغيرة مثل جماعة "شوقي الشيخ" والتي يطلق عليها اسم "الشوقيون" ونسب إليها أحداث قرية "كحك" بمدينة الفيوم وجماعة "الملواني" بالوجه القبلي وجماعة "التوقف والتبين"... وجماعة كثيرة وعديدة كانت فترة السبعينات قد أفرختها بحكم المناخ السائد وقتئذ.
ونختم المقدمة بسؤال: لماذا هذا الكم الضخم من الجماعات في فترة السبعينيات؟ والإجابة واضحة، فالسياسة الأمنية كانت تدور حول منهج القضاء على ما هو قائم وليس منهج التوقع بما سيكون.
فلما قرر السادات استخدام المعسكر الإسلامي في حربه ضد المعسكر اليساري، وترك المناخ مفتوحًا لهذا التيار الإسلامي، تعاملت الأجهزة الأمنية وفق سياسة "كف الأيدي" بما يخدم الرؤية السياسية للنظام الحاكم، فتركت الساحة لهذه المجموعات، واكتفت بالمراقبة من بعيد، حتى إذا قرر النظام استخدام بعضها لضرب الآخر، كانت الأجهزة الأمنية مستعدة للتعامل مع هذه المجموعات، وهو ما حدث تفصيلاً مع جماعة شكري مصطفى "التكفير والهجرة" ثم مع تنظيمات تالية مثل الجماعة الإسلامية والجهاد.. ثم الإخوان المسلمين، وتنفرد صفحات هذه الموسوعة بكشف سيناريوهات التعامل الأمني معها، وهي سيناريوهات لم تكن للسياسة الأمنية الكلمة العليا فيها دائمًا، بل أحيانًا كانت صاحبه رد فعل لا أكثر، لأن زمام الأمور كان قد أفلت من يدها واستطاعت هذه الجماعات والتنظيمات على اختلافها أن تبني لنفسها هيكلاً منظمًا لم تكن ملفات الأمن تعلم عنه شيئًا، رغم أن أكثرها تم تشكيله تحت سمعها وبصرها في السجون والمعتقلات!!
ونعود إلى القسم الأول من الحركات والذي انخرط فيه مجموعات من الشباب أطلقت على نفسها اسم "جماعة المسلمين" وأطلق عليها الإعلام المصري في ذلك الوقت "جماعة التكفير والهجرة".
وهذه الجماعة تحديدًا هي بطلة الأحداث التي سوف نتحدث عنها في ذلك الكتاب.
ثم نبدأ بعدها في قضايا "الجماعة الإسلامية" من أول طريقها مرورًا بأيام سجنها الطويلة وانتهاءً بالمراجعات الفكرية التي قاد حركتها قادة هذه الجماعة وعلى رأسهم "كرم زهدي" و"ناجح إبراهيم" و"عصام دربالة" وغيرهم.. إلا أننا وقبل أن نمر بأحداث 1981م والتي هي أحداث اغتيال السادات التي صنعتها "الجماعة الإسلامية" بالاشتراك مع جماعة "الجهاد" لابد لنا وأن نقف مع محطة هامة في عام 1979م وهي محطة قضية "الجهاد الصغرى" وذلك في الحلقات القادمة من الموسوعة إن شاء الله.
إلا أننا نجمل الصورة التي كان عليها الواقع السياسي الإسلامي في الفترة ما بعد قضية "الفنية العسكرية" "الجزء الأول من الموسوعة" وحتى عام 1979 في عدة ملامح.. كان منها:
أ تعدد الجماعات الإسلامية بصورة فاقت كل تصور وظهور مجموعة من القيادات الدينية "السلفية" المنظمة وغير المنظمة مثل "أسامة عبد العظيم"، "محمد الدبيسي"، "محمد إسماعيل"، وغيرهم ومن الإخوان المسلمين مثل "عبد المتعال الجبري"، "نصر عبد الفتاح"، "محمد حسين"، وغيرهم ومن الحركة الإسلامية الشبابية "عصام العريان"، "عبد المنعم أبو الفتوح"، "حامد الدفراوي" و"وجدي غنيم"، وغيرهم.
ب اتسمت الساحة السياسية الإسلامية بالالتهاب الشديد والحماس غير المنظم وظهرت روح التحدث للغرب بعد ظهور عدة كتب زادت شعبيتها بمرور الأيام مثل كتاب "قذائف الحق"، "أحجار على رقعة الشطرنج"، "لعبة الأمم" وكذلك بعض الكتيبات شديدة اللهجة مثل كتاب "قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام وأبيدوا أهله".
ت غاب الدور الأمني وغابت معه السياسية الاستراتيجية الحكيمة.. وعمدت الدولة إلى ترك حالة من الفوضى بصورة عمدية حتى أن كثيرًا من القضايا المتعلقة بالاعتداء على الأشخاص والأرواح تم حفظها ولم تكن أحداث "الزاوية الحمراء" "الفتنة الطائفية الكبرى" إلا نتيجة لهذا المناخ وسوف نتعرض لها في الجزء الثالث من هذه الموسوعة التاريخية.
ث ظهور حركة "التكفير والهجرة" بصورة عملاقة.. أكبر من حجمها الواقعي أو السياسي وأكبر حتى من حجم المعرفة السياسية لدى مؤسسها "شكري مصطفى" إذ قام بتأسيس هذه الجماعة عقب خروجه من المعتقل في عام 1971م وأعلنت الجماعة مبادئها وأصولها العقائدية في تكفير المسلم بالمعصية والحكم على المجتمع بالجاهلية.
التحولات الكبرى التي شهدتها بعض الجماعات الإسلامية، مثل فوز أعضاء الجماعة الإسلامية بكامل عضوية الاتحادات الطلابية في العديد من جامعات مصر، في الوقت الذي نجحت فيه جماعة الإخوان المسلمين في استقطاب عشرات القيادات من الجماعة الإسلامية في مقدمتهم خيرت الشاطر وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح وأبو العلا ماضي.. وكان ذلك في عام 1977م. وهو نفس العام الذي شهد مقتل الشيخ الذهبي على يد جماعة التكفير والهجرة.. وفي ذلك وضوح تام لما كانت عليه الساحة، وما كانت عليه تلك الجماعات فيما بينها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.