بات أمرًا معتادًا أن يستيقظ المصريون صباح كل يوم على سماع إشاعة جديدة تحاول النيل من سمعة الرئيس الدكتور محمد مرسي للتقليل من شعبيته وتوسيع الفجوة بينه وبين الجماهير وتصويره هو ومن حوله وكأنهم نسخة مكررة من الرئيس السابق حسني مبارك وطغمته الفاسدة ومن ثم واستنادًا للآثار المتوقع حدوثها جراء هذه الشائعات فإن الثورة لم تحقق أهدافها بعد وعليه يجب أن تستمر فاعلياتها حتى إسقاط الرئيس ومن معه واستبدالهم بمن يحقق الأهداف الحقيقية للثورة – كما يصور هؤلاء – وانطلاقًا من ذلك فإن الرافضين لحكم الإسلاميين يحاولون أن يوجدوا المبررات المنطقية أمام الجماهير - التي ما زال قطاع منها وبكل أسف يعتمد في وعيه وإداركه للواقع السياسي على زيف الإعلام الموجه – من أجل استمرار حالة التوتر والتصعيد في الشارع وهو ما يعد في ذاته أحد أهم معوقات الخروج من الأزمات التي تعيشها البلاد حاليًا بما يعني أن مظاهر الاحتجاج على وجود مشكلة هو السبب وراء بقائها ليجد المواطنون أنفسهم في النهاية أمام السؤال المحير "البيضة أولًا أم الدجاجة"؟ ووجود هذه الحالة من الحيرة هو مقصود القوى السياسية المعادية للإسلاميين لتحقيق هدفين أساسييين: الأول ويرتبط بالجماهير حيث يجب أن تسود الضبابية وعدم وضوح الرؤية وطرح التساؤلات المتكررة حول ماذا يحدث في البلاد؟ وإلى أين تتجه الأوضاع؟ وهل الإخوان يسيرون على الطريق الصواب؟ وماذا طرأ على مصر من إيجابيات منذ تولي مرسي للحكم؟ وما هي حقيقة الأخونة ومخططات السيطرة على مفاصل الدولة؟ أما الثاني فيرتبط بالسلطة حيث انشغالها بالرد على ما يثار من شبهات واستنزاف طاقاتها في العودة لحالة الهدوء التي تبدو أنها أمر صعب وانحصار أفعالها في إطار رد الفعل وافتقاد روح المبادرة في عمليات البناء فضلًا عن التضارب والتراجع عن القرارات التي تصدرها بما يظهرها وكأنها عاجزة عن أن تخطو خطوة في اتجاه تنفيذ خطهها الأمر الذي يزيد الفجوة بين الجماهير والسلطة ويقلل من مصداقيتها. غير أن الموضوعية تقتضي أن نلفت النظر إلى أن المستغرب في المسألة هو أنه وعلى الرغم من أن السلطة تعي جيدًا مغزى سلوك المعارضة إلا أنها بقيت أسيرة الحالة التي أريدت لها مع أنه كان يفترض أن تتحرك في اتجاهات أخرى لكسب مصداقية الشارع وتأكيد قدرتها على خدمة المواطنين وتجاوز العقبات المصطنعة للانطلاق نحو تحقيق أهداف الثورة. ولا يعني هذا أن النظام يجب أن يتجاهل المعارضة ومطالبها أو يتجاهل بؤر التوتر التي تتسع وتضيق وفق بعض المناسبات ولكن المقصود هو أن يكون التحرك انطلاقًا من التعاطي مع كل القطاعات الشعبية إذ ليس من المنطقي أن يكون جل اهتمام النظام هو النظر والتحسب لتحركات المعارضة دون السعي للعمل بجدية على إبقاء دوائر المؤيدين والداعمين للنظام سواء من الأنصار والمؤدلجين أو من البقية التي تطمح للاستقرار دون النظر لطبيعة النظريات أو الأفكار التي تحملها السلطة فمثل هذه السياسات كفيل بطبيعة الحال بأن يوسع دائرة المعارضين في حين أن المعارضة المتطرفة لن تحيد مطلقًا عن مطلب إسقاط النظام إن لم يكن بهدف وصولها للسلطة – وهي في نظري ليس السبب الرئيس - فلأن جهات التمويل الخارجية المتعددة الدوافع تستهدف أصلًا إبقاء حالة التوتر لتستمر الفوضى فلا يكون حكم إسلامي ناجح ولا يكون انتقال عدوى الثورة التي ترعب الكثيرين ولا يكون بناء دولة عظمى تؤكد كل المؤشرات إمكانية إقامتها في حال توافرت الإرادة السياسية. نعم ليس من مفر أن يرد النظام على ما يتم ترويجه من شائعات تحقر منه وتنال من سمعته فهذا حق شرعي وقانوني وضرورة سياسية وصحيح أن فرض التهدئة مطلب أمني واستحقاق اقتصادي يعمل على جذب الاستثمارات لكن كل هذا وحده ليس كفيلًا بأن يعطي نموذج الحكم الذي طالما انتظره الناس فالجماهير لم تكن لتتعاطف مع الثورة ولم تكن لتخرج بالملايين في الانتخابات وتقف صفوفًا طويلة للإدلاء بأصواتها لاختيار الإسلاميين من أجل رفع أسعار السلع الرئيسية أو لتزداد الضرائب أو ليكون الشغل الشاغل للسلطة هو إرضاء معارضة تبين أنها لن ترضى أبدًا أو لتستمر عمليات سرقة الوقود وشحه من الأسواق أو لتظل حالة التدهور التي يعيشها رغيف الخبز أو لترتفع أسعار الدواء بشكل غير مسبوق أو ليستشعر المواطنون بغيبة شبه تامة للرقابة على التعليم والصحة والبيئة وغير ذلك من الخدمات فهذا كله كفيل بأن يسقط المثال والحلم وهو السقوط الذي تحتاج معالجة آثاره لعقود وعقود. لهذا وبناءً على ما سقناه وقبيل أسابيع من إجراء الانتخابات التي سيكون لها دور كبير في تحديد المسار السياسي لسنوات مقبلة على القوى الإسلامية أن تنظر للأوضاع بشكل أكثر إخلاصًا ووعيًا بخطورة الموقف فتتحاشى تلك الخلافات البينية التي وقعت في فخها سواء نتيجة أخطاء بعض قادتها أو سواء بفعل الفاعلين الذين يستغلون أقل المشكلات فيضخمونها ويجعلون منها إسفينًا لتفريق وتشتيت شمل الإسلاميين. وعلى القوى الإسلامية أن تجعل من هذه الانتخابات نقطة انطلاق جديدة في علاقاتها البينية فلا تترك فرصة لتنسيقات سياسية تجعل بعض الإسلاميين والعلمانيين المتطرفين في خندق واحد فالأحزاب الإسلامية أولى بهذا التنسيق وأولى بالتعاون على البر والتقوى حتى لو كان ثمة تباين في بعض الرؤى والمواقف فهي في مجملها اجتهادات لا تُخرج حامليها عن المنظور الإسلامي لبناء الدولة المصرية الجديدة في حين أن التنسيق والتحالف مع الآخرين هو ثمة تعاون مع طرف ينظر للإسلام باعتباره دين ينحصر في الشعائر وهي رؤية متناقضة تمامًا مع ما يحمله الإسلاميون. كذلك يجب أن لا تعتقد الحركة الإسلامية بأطيافها المتعددة أن بعض الخدمات التي تقدمها للجماهير قبيل كل انتخابات أو استفتاء هي الحل الأمثل الذي يضمن أصوات الناخبين فهذا اعتقاد سطحي وساذج ويمكن أن يكون له مردوده السلبي فالجماهير تستطيع أن تميز ولو بعد حين بين من صدقت نواياه فعلًا فيما يقدمه للناس وبين من يفعل ذلك براجماتية ومن ثم فإن العمل الخيري يجب أن يكون في كل وقت وحين كما كان عهد الناس دائمًا بالحركة الإسلامية فالعمل الخيري في حد ذاته شكل من أشكال الدعوة الإسلامية والمعروف الذي يجب أن لا يتوقف أبدًا. المهمة إذًا وكما أكدنا مرارًا ليست سهلة ولا يعني وصول الإسلاميين للحكم أنهم حققوا المراد فالمهمة ما بعد الحكم أصعب وأشد وطأة وتحتاج لجهد متواصل وإلى إخلاص متناهٍ يمكنه الصمود أمام هذه الجحافل التي تكتلت متربصة بالإسلاميين وتنتظر الهفوة حتى تجعل منها كارثة.