لا يمكن بحال فصل دعوة تهاني الجبالي الجيش للاستيلاء على السلطة، عن سلسلة من المواقف المتواترة والصادرة من قوى محسوبة على التيار المدني.. تنحو ذات المنحى بالتزامن مع جمع توكيلات من "نشطاء" للجيش لتولي إدارة البلاد!! أجزاء الصورة قد تبدو مبعثرة، ولعل الرأي العام، في زحمة الأحداث المتلاحقة، والانشغال اليومي في الجري وراء "لقمة العيش".. قد لا ينتبه إلى الملامح الكاملة ل"اللوبي" الذي لا يزال يتبنى ذات السيناريو الانقلابي على السلطة. ثمة خطأ إجرائي، تتحمل مسؤوليته السلطة، في تنامي ظاهرة الداعين إلى عودة العسكر للحكم.. فالدعوات تلك كان من المفترض وأدها من المنبع من خلال سن تشريع واضح، يجرم أي دعوة للاستيلاء على السلطة، بعيدًا عما ارتضاه الشعب المصري بعد ثورة يناير، وهو "الصندوق" والاحتكام إلى رأي الشعب. دول ديمقراطية كبيرة، وضعت تشريعات لتجريم إنكار "الهولوكوست".. وبعضها يحاكم من يدعو إلى "النازية" أو إلى تأسيس أحزاب نازية.. أو كل من يتكلم بتبتل عن "هتلر" و"موسوليني".. وحوكم بالسجن وبالغرامة شخصيات عامة كبيرة ولها هيبتها العالمية بتهمة إنكار المحرقة مثل المفكر الفرنسي الكبير "روجيه جارودي". المصريون قاموا بالثورة.. وسددوا عبر ستة عقود، فواتير باهظة، من أجل إخراج العسكر من السلطة، ولا يمكن بحال أن يعود العسكر إلى السلطة تحت أية ذريعة.. ولعل هذا التاريخ من النضال الوطني بكل تضحياته، يقتضي أن نوفر لانتصاره الكبير في 25 يناير 2011، مظلة حماية صارمة من القوانين والتشريعات التي تجرم تسفيه تضحيات الشعب المصري، وأحلامه وأشواقه في أن يعيش بدولة مدنية ديمقراطية، يخضع فيها العسكريون للسلطة المدنية المنتخبة. ستظل تهاني الجبالي، وغيرها تنفخ في نار الفتنة بين السلطة والجيش، وستحرض الأخير آناء الليل وأطراف النهار، على مصادرة الإرادة الشعبية العامة، ما لم يتم ردعها بقانون يجرم كل تلك الدعوات باعتبارها "خيانة" للثورة ولشهدائها. الأخطاء التي ارتكبت في اليوم التالي من 11 فبراير 2011، كثيرة، من بينها التراجع عن فكرة عقد محاكم ثورية لمنظومة فساد مبارك بالمؤسسات السياسية والأمنية والإدارية والإعلامية والمالية.. ومن أبرز تلك الأخطاء أيضًا، ترك مكاسب الثورة بلا حماية قانونية، ما سهل على أعدائها التحرش بها ومحاولة إجهاض كل الجهود الرامية لتأسيس "الدولة المدنية". في تقديري أن أية دعوة لتحريض الجيش للاستيلاء على السلطة، تظل "جريمة" و"خيانة" للثورة.. ولا يجوز مطلقًا التساهل أو التسامح مع من يتبناها أيًا كانت منزلته السياسية أو حصانته المهنية. [email protected]