طلب أحد ملوك الصين من وزيره الأول أن يأتيه بأفضل الحكماء في مملكته، فأتاه الوزير بجمع من الحكماء وقال له: أيها الملك المعظم هؤلاء هم أحكم الحكماء في الصين. فقال لهم الملك: أريد منكم أن تعطوني عبارة تصلح أن تُقال في جميع الأحوال، فمتى قيلت في حال كانت موافقة لهذا الحال؛ بمعنى أن تكون عبارة مناسبة لحال الحرب أو السلم ولحال الصحة أو المرض ولحال الغنى أو الفقر فهي صالحة لكل الأحوال. فلما انتهى من كلامه قال له الحكماء: أيها الملك المعظم إن ما طلبته لا يمكن حدوثه أبدًا فإن اختلاف الأحوال يقتضي اختلاف الكلمات والحِكم المناسبة لها ولا توجد حِكمة صالحة لكل الأوضاع والأحوال، ولذلك نرجو أن تعفينا من هذا الطلب. قال الملك: لا أعفيكم ولابد لكم من تنفيذ أمري، ثم أمر بهم فحجزوا في مكان، حيث يأتيهم طعامهم وشرابهم ولا يسمح لهم بالخروج إلا بعد تنفيذ ما أمروا به. وبعد مضي عدة أيام طلب الحكماء لقاء الملك ثم جاؤوا إليه وهم يحملون لوحة كبيرة مغطاة بقماش، فلما دخلوا عليه قال لهم: هل نفذتم ما طلبت منكم؟ قالوا: نعم والعبارة التي طلبتها مكتوبة على هذه اللوحة، ثم نزعوا القماش، وإذا مكتوب عليها: (وهذا سيتغير أيضًا). فقالوا: أيه الملك المعظم ضع هذه العبارة على أي شيء أو قلها في أي وضع ستجدها مناسبة له، فالمريض لا يبقى على حاله بل يتغير إما لموت أو صحة، والصغير يكبر والقوي يضعف، ولا حرب تستمر ولا سلم ولا غنى يدوم ولا فقر، وهكذا سترى أنها تطابق الواقع، فمهما طال الزمان فكل واقع لابد وأن يتغير. والحقيقة أن التغيير سنة من سنن الله الثابتة في الكون والحياة حتى قيل: إن الثابت الوحيد في الكون هو التغيير، وهو يشمل الأفراد والجماعة والمؤسسات والدول والأمم، وأما بقاء الحال على ما هو عليه فمن المحال. ولكن لابد من فهم حقيقة التغيير والتعامل بذكاء ليكون في صالح الأفراد والأمم، وليس ضدها، فالتغيير نوعان: أولهما التغيير الإيجابي، وهو المخطط له والمقصود عن عمد وفق خطة مُعدة وخطوات محددة باتجاه هدف معين، وهذا النوع من التغيير عادة ما ينتج النجاح والعلو والرفعة وتحقيق الهدف. وأما النوع الثاني فهو تغيير سلبي، ويحدث عادة بمقاومة التغيير والسعي لإيقافه أو عندما نتجاهل التغيير ونظن أن الأمور ستبقى على حالها في حين أن الأمور تتغير سلبيًا ونحن في غفلة، ودائمًا ما تكون نهاية التغيير السلبي الفشل والضياع والبؤس والدمار. ومشكلة الكثير من الناس أنه وبسبب أن التغيير الإيجابي يتطلب عزيمة وعملًا وجهدًا ومشقة فإنهم يُحجمون عنه ويتركون الأمور على حالها ويدفنون رؤوسهم في الرمال، متوهمين أن الأمور ستدوم كذلك، ويغفلون أنهم بتركها على حالها أنها تتجه نحو التغيير السلبي وبالتالي للأسوأ. يقول مايكل فينر: إن المشكلة التي يعاني منها أغلب الناس هي رغبتهم في أن تظل الأمور على ما هي عليه شريطة أن يتطوروا للأفضل في الوقت نفسه، ولكن هذا الوضع مستحيل حدوثه فإذا كانت للإنسان الرغبة الحقيقية في التطور، فعليه ليس أن يقبل التغيير، فحسب بل عليه بالسعي الجاد إليه مع دفع الثمن عن طيب خاطر. والمبادئ الأساسية في التغيير هي: أولًا: ربط عملية التغيير بالهدف من خلال توضيح الصورة المشرقة للوضع بعد حدوث التغيير والصورة المأساوية للوضع إذا استمر الواقع الحالي على ما هو عليه دون تغيير، مع شرح الأسباب الدافعة له للناس الذين يعنيهم أمر التغيير سواء كانوا أفرادًا أو أسرة أو موظفين أو غيرهم، فيفهمون بعقولهم وقلوبهم الأسباب وراء ضرورة حدوث التغيير والهدف من ذلك، وإلى أين سيؤدي وماذا سيكون وضع كل منهم بعد حدوثه. ثانيًا: أخذ الأمر بحزم وجدية فلا يكافأ ولا يُدعم ويُرقَّى إلا من كان متبنيًا للتغيير مؤمنًا به ومتحمسًا لدفع ثمنه عن طيب خاطر. ثالثًا: الإبعاد والتخلص من الرافضين للتغيير والمعوقين له، ولو كان أداؤهم مُرْضِيًا ومكانتهم عالية؛ لأن بقاءهم واستمرار وجودهم يُسْهم خفية في دعم المقاومة ضد التغيير الإيجابي، ويثبط الروح المعنوية للمؤيدين له، ويشتت الجهود ويضيع الأوقات. وقد يكون هذا من أصعب الأشياء على النفس، ولكنه ضرورة في نجاح التغيير للوضع المأمول. يقول الشاعر: هي الأمور كما شاهدتَها دولٌ من سره زمن ساءته أزمان وهذه الدار لا تُبقي على أحد ولا يدوم على حالٍ لها شانُ • أكاديمى وكاتب قطرى [email protected] http://twitter.com/AlThani_Faisal