أتصور أن القيادات الأمنية قالت للرئيس مرسى خلال اجتماعه بالمجلس الأعلى للشرطة إن الوضع خطير للغاية إذا لم يصل إلى حل سياسى للأزمة، نفس التصور ينطبق على لقائه بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة. اعتدنا أو افترضنا أن رئيس الجمهورية لديه كل الخيوط من أجهزته الأمنية ولا يحتاج إلى لقاءات من هذا النوع ليعلم ذلك، فأى قرار يتخذه يجب أن يقوم على المعلومات الموثقة التى تصل إليه. لكن أن يصرح مصدر مسئول برئاسة الجمهورية أن سيادته اجتمع بالمجلسين ليستمع إلى تقييمهما للوضع لتكون الصورة واضحة أمامه خلال اتخاذه أى قرارات تتعلق بالأمن، فهذا مثير للدهشة لأن معناه أن الاضطرابات التى تشهدها البلاد منذ 25 يناير الماضى مرت عليه كأنها رذاذ مطر فى ليلة صيف، ولم تحرك فيه أى إحساس بالخطر. الخائفون على مصر انتابهم قلق شديد، فتصريح المصدر المسئول يشير إلى أن الرئيس يفكر فقط فى القرارات التى تتعلق بالأمن وستكون بالطبع قرارات أمنية، لأنها خلاصة تقييم أكبر مؤسستين أمنيتين. لا أحد يعارض قرارات أمنية توقف الفوضى العارمة المتفشية، لكن مثل هذه القرارات وحدها لن تأتي بالنتيجة التى نتمناها، فالدماء تؤدى إلى مزيد من النزيف والقتل يولد الثأر، وجيوب الحرائق والاضطرابات تتوسع كأنها أوانٍ مستطرقة، تنتقل من محافظة إلى محافظة ومن حرائق أمام الاتحادية إلى أخرى أمام مديريات الأمن ودواوين المحافظات، كما شهدنا فى طنطا أثناء تشييع جنازة محمد الجندي. القادم سيكون أسوأ إذا لم يخرج الرئيس من مكتبه ويحاور المعارضة حوارًا سياسيًا، تتخلله تنازلات من الطرفين من أجل إنقاذ مصر من مصير دول مجاورة. البعض من أنصار الرئيس يتهم انتقادات كاتب هذه السطور وغيره من الزملاء بأنه تحول وتغيير فى الموقف، وهذه نظرة ضيقة للأمور تعتقد أن التأييد شيك على بياض. ليست مهمة الصحفى أن يكتب شيكاً كهذا، فقد أيدنا حق مرسى فى أن ينال فرصته كرئيس منتخب، ورفضنا أن نصدق أنه ليس مستقلاً فى قراره، لكن أسلوبه وعناده والتصريحات التى تصدر من قيادات الجماعة فتصب الزيت على النار المشتعلة، تجعلنا نراجع أنفسنا، فالوطن فوق الأشخاص وأمن الناس فوق مرسى وصباحى والبرادعى وعمرو موسى وأى شخصية سياسية أخرى. سنظل ننتقد مرسى حتى يمارس مسئولياته كرئيس على الوجه الصحيح، فهو الخاسر إذا استمرت الأوضاع على ما هى عليه الآن، لكن ذلك لن يقتصر عليه وإنما سيطيح بمصر كلها. بصراحة أكثر.. الوقت ينسل منه وذلك فى صالح العملية الديمقراطية. الانتخابات البرلمانية القادمة قد تكون نهاية المطاف، فإما أن تنتج استقرارًا وتنتهى الاضطرابات، وإما أن يزيد الاحتراق ويقترب الاحتراب، وهنا سيتدخل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وسنشهد رئيسًا لمجلس قيادة الثورة من العسكر يؤيده الشعب كله لأن الحلم الكبير سينحصر حينها فى الحصول على الأمن. لن تكون تلك الانتخابات مقبولة النتائج من جميع الأطراف بدون حكومة مستقلة ترضى بها المعارضة، وهذا ما يجب أن يدركه مرسى ويفكر فيه بشكل سياسى مستقل. أى شيء آخر يجعل اتهام تزوير الانتخابات جاهزًا حتى لو لم تشبها شائبة تزوير واحدة. من يقولون لك غير ذلك هم "الرويبضة" ولو كانوا من أنصارك، ولسنا نحن كما اتهمنى أحدهم أمس. [email protected]