لا أحد يتمنى أن يستمر الانقسام الحالي، فالمصالحة يجب أن تكون الهدف الذي نسعى إليه بدون عرقلة قيام معارضة سياسية قوية تنطلق من القواعد الشرعية المتعارف عليها، أي النضال السلمي من أجل أن تصل إلى السلطة وتحقق برنامجها. أكيد أن المعارضة المستأنسة مجرد ديكور لا يفيد العملية الديمقراطية، وقد جربناها في مراحل تاريخية سابقة، وكانت مدعاة للضحك والاستهزاء أدت بنا إلى سلطة مستبدة ومعارضين مستفيدين. حاليًا الوضع يختلف.. المعارضة قوية في التحريض ولكنها لم تؤسس قواعدها الديمقراطية، لأن القدرة على حشد الناس للتظاهر والابتزاز وقطع الطرق لا تعني أنها صارت قادرة على حشد أصواتهم في الصناديق وهذا هو الأهم والمهم، وقد رأينا كيف فشلت في المرات السابقة، وأنها على أبواب فشل جديد في الانتخابات النيابية القادمة، لدرجة أن كل أحزاب جبهة الإنقاذ وعددها 15 حزبًا لا تضمن أكثر من 50 مقعدًا، وحتى هذه المقاعد القليلة تثير من الآن الانقسامات والأطماع، وعلى رأسها حزب الوفد الذي يطالب بالحصة الأكبر استنادًا إلى التاريخ فقط. الانتخابات النيابية تمثل اختبارًا جديًا وصارمًا لقوى المعارضة ورموزها الكبيرة.. البرادعي وموسى وصباحي، وقد يكون قرار النائب العام بانتداب قاضي تحقيق معهم بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم، وهي التهمة التي تقدمت بها عدة بلاغات، خطوة تدفعهم إلى التفكير في خطورة الانقلاب على العملية الديمقراطية، ومحاولة انتزاع السلطة الشرعية المنتخبة. وإذا كان حمدين صباحي لا يملك من الخبرة السياسية والتاريخية ما يردعه عن ذلك، فإن البرادعي وعمرو موسى، وكلاهما شخصية مرموقة دوليًا، وقعا في حفرة عميقة عندما ظنا أن السلطة تنتزع بواسطة حشود الشارع، وأن صندوق الانتخابات يمكنه أن يصبح كصندوق الزبالة. التحقيق مع الثلاثة على التحريض الذي شجع آلاف الشباب على محاولة اقتحام القصر الجمهوري لا يعني رفضًا للمصالحة والمضي قدمًا في الانقسام. النوايا الطيبة لا ينسفها تطبيق القانون، وما فعله النائب العام يصب في إطار دوره للقيام بمسئولياته القضائية تجاه الوطن. فهل يعود الثلاثة إلى وعيهم وهل نراهم زعماءً وطنيين حقًا، يتنافسون على حكم مصر بالأسلوب الانتخابي المشروع؟.. [email protected]