هذه ملاحظات تتناول أوجهًا ثلاثة من المواجهة بين الحكم والمعارضة الملاحظة الأولى تتناول الصلف الذى تعود السيد محمد حسنى مبارك، بوصفه رئيسا للبلاد، أن يتعامل به مع متاعب البلد وآلام ناسه، لقد تعود على هذا الصلف الى حد أنه لم يعد يستطيع أن يرى ما يتجاوز ما أصبح يعرف ب مقام الرئاسة الذى لم يبق منه شيء سوى بالونة فارغة. وتتناول الملاحظة الثانية حالة الصحافة المصرية، يعنى حالة الإعلام بوسائله المتنوعة، التى تدهور طابعها الغالب الى اعتياد شهادة الزور، وسكوت نقابة الصحفيين على ذلك. أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بما حدث فى مدرسة أم القرى بالإسكندرية باعتباره كاشفا لنظرة الحكم الحقيقية الى الشعب. 1 على الرئيس أن يقف مطأطئ الرأس ليعتذر على هذا الرئيس أن يقف أمامنا - أمام هذا الشعب - مطاطئ الرأس ليعتذر وليكرر الاعتذار عن: أولا: ما ارتكبته قوات الشرطة، سواء بملابسها الرسمية أو بملابس مدنية، ومن استأجرهم الحزب الخاوى الذى يتربع هذا الرئيس على قمته، من عاطلين ومشردين بسبب سياساته، اثناء مظاهرات يوم الاستفتاء المزيف على التعديل الدستورى المخادع، الذى فصل تفصيلا لينطبق عليه وعلى ابنه وعلى أذناب نظامه ومخالبه، دون سواهم من المواطنين. وفى هذا الاعتذار المطلوب - لا المنشود- ليس لهذا الرئيس أن يتذرع بأى ذريعة ترمى الى التخفيف من مسئوليته عن ماحدث، ذرائع من نوع انه لم يعلم بالفعل قبل حدوثه، المؤكد انه - مثل غيره من الناس - علم به بعد حدوثه، ومن قبيل محاولة التهوين مما حدث بإطلاق صفات مخففة مثل التجاوزات. هذه انتهاكات شرسة وبذيئة، ويحسن به، عندما يعتذر ان يستخدم هذه الأوصاف - فما يقل كثيرا عما حدث بالفعل، انتهاك جسيم لكرامة الشعب والوطن. وفى هذا الاعتذار، عليه أن يقر بأنه - بحكم منصبه - مسئول عما حدث. وأن هذا هو مناط الاعتذار. وعليه أن: يقرن الاعتذار باقرار صريح بالمسئولية عنه وبالتزام قاطع بالمحاسبة عليه. ثانيا: عن الصلف الذى يتصرف به حتى الآن، بالتلكؤ فى الاعتذار، ربما اعتمادا على ما أقره حكمه ومجمل حكم الجمهورية المزيفة منذ اعلانها فى 1953، مما سمى عصمة مقام رئاسة الجمهورية. وفوق ان تلك العصمة المزعومة تتناقض مع أبسط مبادئ كل من الجمهورية والديمقراطية فقد تحولت إلى عصمة لشخص الرئيس لم يعرفها من قبل حتى الأنبياء. ثالثا: ان يعتذر عن البلادة التى تصرف بها حزبه عن طريق من أجلسهم بالتزوير فى المؤسسة البرلمانية، حين رفضوا انشاء لجنة برلمانية للتحقيق فيما حدث فى يوم هتك الأعراض، الذى لا يجوز ان يفلت احد من الحساب عنه. إنها مسئولية أولى لقوى المعارضة ان لا تترك ما حدث فى ذلك اليوم المشين دون ان تحصل للشعب الذى تتصدى للتعبير عنه، على رد لكرامته ودون أن تقتضى له عقابا معلنا ورادعا للمسئولين عنه. 2 هل تعقد نقابة الصحفيين جمعية عمومية لإنقاذ المهنة؟ لا يجوز السكوت على شهادة الزور قد يكون هذا هو الوقت الذى يلزم فيه عقد جمعية عمومية غير عادية لنقابة الصحفيين. السبب: انه فى الحال الذى تعيشه البلاد، حال بداية مواجهة متصاعدة بين الحكم والمعارضة، فإن ما اصطلح على تسميته الصحافة القومية، أى المملوكة للدولة. وبعض ما جرى الاصطلاح على تسميته الصحافة المستقلة، إخفاء لكون معظمها يعبر عن تحالف خبيث بين المنظومة غير الرسمية لرجال الاعمال، شريك الحكم فى منظومة الفساد، وبعض أجهزة الأمن، تقوم بدور خبيث ضد حركة المعارضة. وإذا كان هناك تعريف امين لمهمة الصحافة فهو أنها شاهد امين على ما يجرى من احداث: تشهد عليها بالخبر والتقرير والتعليق والتحليل والرأى. أمام المحاكم، يقسم الشاهد بأن يقول الحق، كل الحق، ولا شيء غير الحق. وتنطوى صفة الصحفى والصحافة كشاهد، على قسم مطابق، او انه هذا هو مقتضى الصفة. الحال: أن الإعلام الرسمى وأذنابه من الإعلام الذى ينتحل صفة الاستقلال، والذى يشغل نسبة قد تزيد على تسعين فى المائة مما يصل الى الجمهور، غرق فى شهادة الزور ليس ثمة تسمية أخرى، لدى تناوله لأحداث الصراع الجارى، مثلما كان غارقا على مدى عقود مديدة. وقد قرأ الناس وسمعوا ورأوا صحفيين مصريين يتحدثون وكأنهم ناطقون رسميون بلسان وزارة الداخلية يعاونونها فى جهدها لإنكار الجرم وإخفاء الحقيقة، بل أن أحدهم يضع شروطا على ما يمكن أن يقدم للنيابة العامة من بلاغات عما حدث والمفارقة المؤلمة أنه عضو فى مجلس نقابة الصحفيين، بما يفترضه ذلك من أن يكون حارسا على سلامة المهنة وأمانة ادائها. اشترط عضو مجلس النقابة أن من يدعى او تدعى التعرض لاعتداء بالضرب او هتك العرض، تحديد اسم من ارتكب الفعل! وكأن على من يقدم الى الشرطة بلاغا عن سرقة تعرض لها ان يذكر اسم اللص. وقد يفاجئنا عضو مجلس النقابة هذا بإبداع قانونى آخر يشترط تقديم عنوان إقامة المعتدى ورقم بطاقته الشخصية أو العائلية! هذا هو الوقت الذى يظهر فيه - أكثر من أى وقت سابق - أن على نقابة الصحفيين، ليس مجرد تنظيف بيتها. ليست المسألة مجرد تفعيل المواد المتعلقة بالمحاسبة والتأديب فى نظم النقابة، فمثل هذا المطلب لا يحتاج الى جمعية عمومية - قد تكفى مذكرة الى مجلس النقابة. المحاسبة والتأديب تنسحب على الماضى. وان كانت المحاسبة حازمة وصارمة، قد تكون رادعا عن انحراف السلوك المهنى فى المستقبل. أما مهمة الجمعية العمومية غير العادية، فأوسع من ذلك وتتعلق أساسا بالمستقبل: المهمة أكبر وأوسع وأكثر تشابكا وتعقيدا: المهمة هى انقاذ المستوى المهنى للصحافة المصرية التى تدهورت على مدى عقود بسبب القمع الذى تراوح ما بين الاستئناس والاستذناب والقهر، حتى غلب ان يشغل المستويات القيادية فيها الأقل كفاءة. حتى تعلمت اجيال متتالية دخلت اليها على مدى تلك العقود، ان الطريق الى الصعود فى مراتب المهنة ليس ماذا تعرف وماذا تجيد من عمل وبأى قيم أخلاقية مهنية تلتزم، إنما من تعرف وإلى من تتبع من مراكز سلطة الدولة واصحاب النفوذ فيها. هذه مهمة تتفرع فى اتجاهات متعددة ومتكاملة: مثلا: وضع معايير واضحة للأداء المهنى ينأى بها عن العبارات المطاطة التى تميز بها ما سمى ميثاق الشرف الصحفى وعن الاعتبارات الانتخابية. وعن المراعاة التى تبدأ من مراعاة الخواطر والعلاقات مع مراكز السلطة والنفوذ. و،تحصن النقابة وسلطتها فى المحاسبة والتأديب من التدخلات، وإيجاد الآليات التى توفر رقابة الرأى العام ورقابة القضاء على هذه المهمة الحساسة والدقيقة. توفير الضمانات اللازمة لحرية الصحفى وسلامة ضميره. الضمانات التى تبدأ من تحصين الحق فى العمل وتحصين الأداء المهنى من التدخل وحماية نزاهة الصحفى بأجور عادلة تضمن كفاية المعيشة وكرامتها ضمن شروط واقعية. توفير ما يؤهل الصحافة لمهمتها الحقيقية كخدمة معلومات للناس حول ما يجرى مما يعنيهم. ويصحح توجهها حتى تكون مسئولة امام الرأى العام لا امام سلطات الدولة على نحو ما أجبرت عليه على مدى عقود. رسم الطريق الى تحرير الإعلام من سيطرة الدولة، بدءا من الملكية الى الادارة. وإحاطة ملكية وسائل الاعلام من سيطرة المصالح المالية حتى ولو تملكتها بإقرار حدود صارمة بين الملكية والإدارة، وابتداع الآليات لضبط هذا الفصل ومراقبته حتى يصبح تقليدا راسخا. فى هذا الوقت الذى تعانى فيه البلاد مخاض ماهو مرشح لأن يكون انتقالا حاسما فى تاريخها الحديث والمعاصر، تكون جمعية عمومية للصحفيين إسهاما مهما فى التحول الى الديموقراطية التى من أركانها صحافة حرة وكفؤ لممارسة الحرية. 3 ما حدث أثناء زيارة عقيلة الرئيس الأمريكى مدرسة أم القرى بالإسكندرية، يستحق التغاضى عن غرابته أو غبائه او طرافته. كما يستحق التجاوز عن طبيعته باعتباره لونا وعينة من التزييف الذى قام عليه الحكم واستمرأه، لأن ما حدث أخطر كثيرا من تلك الأوصاف كلها: ما حدث فى تلك المدرسة فى ذلك اليوم - استبدال إدارتها وهيئتها التعليمية وتلاميذها، بآخرين تبدو عليهم مظاهر نعم المعونة الأمريكية - ليس أقل من تعبير دقيق وواضح عن نظرة الحكم الى الشعب. الشعب فى نظر الحكم لا يزيد عما تعرفهم صناعة السينما بصفة الكومبارس. الكومبارس ليسوا حتى ممثلين للأدوار الصغيرة والثانوية. إنهم مجرد مجموعات تُرى فى خلفية المشهد. مجموعات يمكن استبدال اى منها بأخرى. لا دور للكومبارس فى أحداث الفيلم ولا تأثير لهم على مجراها. إنهم - فى سياق العمل السينمائى - أناس بلا وجوه، ليسوا أشخاصا، لا قول لهم فى شيء ولا يقوم على قولهم - إن نطقوا - أى حدث، ناهيك عن الفعل. هذه هى نظرة الحكم الى الشعب واضحة دون مواربة وتنطلق باستهانة كبيرة وتفصح عن إهانة بالغة. ----- صحيفة العربي المصرية المعارضة في 13 -6 -2005