انتقدت مجلة "ذي نيو ريبابليك" الأمريكية المقربة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الطريقة التي تناولت بها الصحف المحلية سواء الحكومية أو المعارضة زيارة وزير الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس الأخيرة للقاهرة. ورأت أن هذه الطريقة تعكس الاتجاه واسع النطاق الذي نحته الصحافة في مصر على مدى العام الماضي، حيث أصبحت السلطة الرابعة في مصر وعلى نحو ملحوظ "غير محترمة" بدلا من أن تكون عادلة ومتوازنة، وذلك على حد وصف المجلة الناطقة بلسان الحزب الجمهوري بأمريكا ، مؤكدة أن الانطباعات التي سادت بعد زيارة كونداليزا رايس تعطي الانطباع بأن إدارة بوش وافقت على ما أسمته المجلة " ست سنوات أخرى من الاستبداد " في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المزمع إنجازها في مصر نهاية هذا العام . وقالت المجلة إن التغطية التي قامت بها هذه الصحف لزيارة رايس يمكن إدراجها وفق وجهتي نظر: الأولى تتعلق بالصحافة الحكومية التي صورت رايس وكأنها تثني على الرئيس حسني مبارك بينما لم تخرج إلى النور الانتقادات التي وجهتها وزيرة الخارجية الأمريكية للنظام المصري. أما الثانية فتتعلق بصحف المعارضة التي، كانت على عكس المتوقع بأنها سترحب بدعوة رايس للإصلاح السياسي، فإنها أدانت تدخل الوزيرة الأمريكية في الشئون الداخلية في مصر، حتى أن البعض، على حد ما ذكرت المجلة، أطلق صفات العنصرية على حديثها. وأثنت المجلة في ذات الوقت على الاننتقادات التي وجهتها الصحف المعارضة للرئيس المصري ووصفها إياه بأنه "ديكتاتور"، مشيرة إلى أن الثناء في هذا الموضع يعد من أوجه الإنصاف. وأشارت المجلة في عددها الأسبوعي الأخير في مقال عنوانه "محاربة الفرصة" إلى أن وجهات النظر "المحرفة البعيدة عن الواقع" هي فقط التي وصلت المصريين عن طريق الصحف وراديو وتليفزيون الحكومة المصرية . واعتبرت المجلة أن رايس بحديثها على النحو الذي تناولته الصحف المحلية أبرزت الشقاق الخطير فيما بين وسائل الإعلام في البلاد، مشيرة إلى أنه لم يحسن أحد من طرفي الشقاق النية بالولاياتالمتحدة. ودلل كاتب المقال جوزيف برودي، مؤلف كتاب "العراق الجديد" على رؤيته من خلال تسليط الضوء على عدد من عناوين وتعليقات الصحف المحلية، مستهلا بصحيفة الجمهورية المفضلة لدى الجيش المصري حسب قوله والذي رأي برودي أنها قررت أن تتجاهل حديث رايس تماما.. فيما اكتفت بانتقاء بعض التعليقات من حديث رايس لقناة "أيه بي سي" الأمريكية ولقاءها بالرئيس مبارك. واعتبر الكاتب أن صحيفة الجمهورية بما استنتجته حول أن أمريكا تؤيد إعادة انتخاب مبارك في تقرير لها جاء تحت عنوان "الرئيس مبارك فتح الباب أمام الإصلاح في المنطقة بكاملها" تكون قد حرفت بالطبع تصريحات وزير الخارجية الأمريكية.. مشيرا إلى أن تصريحات رايس خلال المقابلة مع "أيه بي سي" بأن الرئيس مبارك "فتح الباب" وتأكيد أنها "لها علاقة طيبة" معه، لا تعني في هذا السياق ما ذهبت إليه صحيفة الجمهورية. وقال: إن هذا التقرير الماكر قصد به التأكيد لكل جندي مصري أو أي شخص آخر يهتم بقراءة الصحيفة أن الحالة لا تزال مستقرة. وأخذ جوزيف برودي التغطية التي قامت بها صحيفة الأهرام الرسمية لزيارة رايس مثالا آخر على التشويه والتحريف الذي تتبناه وسائل الإعلام الحكومية، مؤكدا أنه مع الأخذ في الاعتبار جمهور قراء الأهرام، باعتباره القطاع الأعرض من قراء الصحف المحلية لديه من وسائل الإعلام البديلة مثل الإنترنت والقنوات الفضائية والصحافة الأجنبية، فإن محاولات صحيفة الأهرام التستر على حديث رايس لم تكن تستحق سوى السخرية، حيث تعمدت الصحيفة التعتيم على الهدف الحقيقي وراء لقاء رايس بالرئيس مبارك، واكتفت بالتركيز بعد يوم من زيارة رايس في القاهرة على زيارة وزيرة الخارجية لعمان ورام الله وإسرائيل والتطورات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وعلى الساحة العراقية. وقال: إن الإصلاح السياسي، وهو الهدف الرئيسي من زيارة وزيرة الخارجية للقاهرة، كانت ثمة محاولة مقصودة لجعله يبدو وكأنه شي ثانوي. وألمح الكاتب إلى ما نسبته الأهرام إلى رايس في القول إن "الإدارة الأمريكية حريصة على تقديم المساعدة لمصر خاصة مجتمعها المدني ومؤسساتها التعليمية"، مؤكدا أن رايس لم تقل ذلك أبدا في حقيقة الأمر.. واعتبر أن هذا النموذج من تشويه الحقائق يمثل صورة أخرى من اللهجة الدعائية التي تبنتها الجمهورية لإخفاء التوتر بين أمريكا ومصر ومحاولة التأكيد على أن واشنطن تواصل دعمها لنظام مبارك. في السياق نفسه، أكد الكاتب في مقاله بالمجلة أن التحريف الذي تعمدته وسائل الإعلام الحكومية في تناول رسالة كوندوليزا رايس في القاهرة مثل أخبارا سيئة بالنسبة لإدارة بوش، خاصة وأنه أضعف تأثير زيارة وزيرة الخارجية لدى جمهورها المستهدف. وعلى صعيد الصحف المعارضة رفض الكاتب الهجوم الذي شنته بعض هذه الصحف على الولاياتالمتحدة ورفضها التدخل الأمريكي لفرض الإصلاح على النظام المصري، مشيرا إلى أنه لولا الضغوط التي تمارسها واشنطن لما استطعنا رؤية صحيفة بالقاهرة تصف الرئيس مبارك "بالديكتاتور" على سبيل المثال، ومعتبرا أن الضغط الأمريكي هو الذي جرأ المعارضين حتى المناوئين لأمريكا أنفسهم على انتقاد النظام الحاكم. واختتم جوزيف برودي مقاله بالقول إنه بصرف النظر عن التقارير الصحفية، سواء المؤيدة أو المعارضة لمبارك، فإن الولاياتالمتحدة يبدو أنها وافقت على ست سنوات أخرى من الاستبداد، في إشارة إلى اتجاه الإدارة الأمريكية للموافقة على بقاء الرئيس مبارك في الحكم لفترة ولاية خامسة مدتها ست سنوات.