تحدثنا أمس عن أزمة كاهن كنيسة العذراء بالجيزة القس "بلوفاتير جميل" مع البابا الشنودة ، و تبين من النص الذي عرضته على أعزائي القراء ، الذي نشر في حوار له بصحيفة صوت الأمة ، أن الرجل "طائفي" و غضبه من مبارك لم يكن لأسباب وطنية و إنما تعصبا لطائفته التي يرى بلوفاتير أنها أضيرت بنظام حكم الرئيس مبارك . فضلا عن أن الرجل لم يكن بذات الصلابة التي حاولت الصحف إظهاره بها ، بل إنه و باعترافه في ذات الحوار ، أصيب بالضعفو الخوار في أول محاكمة كهنوتية أحالته إليها الكنيسة ، و تراجع عن "عنجهيته" و كتب اقرارا أقر فيه تأييده للبابا شنودة !! . فأين "وطنية" الرجل في الأولى؟! ، ثم أين صلابته و معارضته للنظام و للبابا شنودة في الثانية؟! لقد حظيت قضية "بلوفاتير" باهتمام إعلامي مريب لم ينل مثلها ، القس الوطني الكبير الصديق الراحل إبراهيم عبد السيد ، الذي ظل معارضا للنظام "أيام جبروته" و للبابا شنوده ، أيان أنزلته النخب المصرية جميعها منزلة "المقدس" الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه . و ظل عبد السيد على موقفه ، عفيفا شريفا و ما رأيته مرة إلا بثياب بالية رثة لعفته و زهده ، إلى أن وافته المنية ، و حرمه البابا شنودة من الصلاة علية في الكنائس المصرية التابعة له ، و لم يرق له إلا قلب الكنيسة الإنجلية ، التي قبلته و صلّت عليه قبل أن يوارى جسده التراب . كلنا ك"إصلاحيين" غير راضين أو مقتنين بأهلية النظام السياسي الحالي على قيادة البلاد ، و نحمله مسئولية ما حاق بها من انهيارات على كافة الأصعدة ، و نتصدى لجبروته و لفساده ، و لرغبته في تحويل مصر إلى "ملكية تافهة" لا وزن لها و لا قيمة ، و لا دور لها إلا اشباع شهوته في أن يظل متشحا بوشاح الخلود الأبدي على عرش مصر . و لكن ليس معنى ذلك ، أن نقبل أو نرضى بكل من اتخذ من هذا النظام موقفا ، لمجرد أنه "معارض" له ، من قبيل "الشماتة" في النظام ، حتى لو تبنى أجندة طائفية مآلها ، تأجيج نار الكراهية ونشر ثقافة الفتنة و الانعزال و التقسيم . و إذا كانت بعض القوى استحسنت موقف "بلوفاتير" من قبيل الشماتة كما أسلفنا و تصفية الحسابات مع السلطة ، فلماذا لا تتحالف مع أقباط المهجر ، الذين يتخذون موقفا من مبارك ، لذات الأسباب التي أوردها كاهن كنيسة العذراء بالجيزة وفي أكثر من صحيفة مصرية ، فليس ثمة فارق بين الإثنين كما قرأنا له و لغيره ممن أيدوه أو استغلوه في التشهير و الشوشرة على حساب سلامة الوطن و أمنه و استقراره. لسنا ضد أن يمارس الأخوة الأقباط حقهم في التعبير عن آرائهم السياسية ، ولا في حقهم في اختيار من يمثلهم "سياسيا" و ليس "طائفيا" كمصريين و ليس كأقباط ، بل إننا كم نادينا بضرورة أن يتخلى الإخوة الأقباط عن عزوفهم عن العمل السياسي و التخلي عن اتخاذ الكنيسة بديلا عن الدولة و عن مؤسساتها الشرعية ، و التي ظهرت جلية في أزمة إسلام السيدة وفاء قسطنطين ، و قلنا أكثر من مرة إنه لا حل إلا في أن ، ينخرط الأقباط في المشاركة السياسية من خلال الأحزاب المصرية المدنية ، باعتبارها أطرا سياسية مصرية وطنية لجميع المصريين ، تذوب فيها الفوارق و الانتماءات الصغيرة الضيقة ، و يكون الولاء للدولة و ليس للمؤسسات الطائفية و يكون الاحتكام لمؤسسات الدولة الشرعية المناط بها الحكم و الفصل بين الجميع مسلمين وأقباطا . و يوجد بين الأقباط نماذج على درجة عالية من الوعي ، خرجت من شرنقة الوعي الطائفي الضيق إلى الوعي الوطني الأوسع و الاذكى و الأطهر للجميع ، و شاركوا إخوانهم المسلمين في النضال الوطني من خلال الأحزاب و المؤسسات الأهلية و حركة المجتمع المدني مثل جورج اسحق و أمين اسكندر و رفيق حبيب و جمال أسعد . ما جعلهم علامات بارزة في النضال المدني الوطني المصري ، لا يختلف على وطنيتهم و لا على شفافيتهم لا قبطي و لا مسلم . [email protected]