اتصل بى منذ نهاية الأسبوع الماضى وحتى مساء أمس عدد من الفضائيات مصرية وعربية، وكان السؤال الأبرز والمشترك بينهم جميعًا، يتمحور حول "الإسلاميين والديمقراطية". ولئن كانت التصريحات الأخيرة، لعدد من أصحاب الرؤى المتشددة، والتى لا تعترف بالديمقراطية، وتعيد إنتاج خطاب سياسى ودينى على خصومة مع "الحداثة السياسية".. إلا أن السؤال الذى بات فى بؤرة برامج ال"توك شو" ربما ينطلق فى فحواه الحقيقى من قناعة "ضمنية" تفترض وجود ما يشبه "الطهر الديمقراطى" لدى التيارات التى توصف ب"المدنية" على تنوعها واتساعها من علمانيين ويساريين وليبراليين وغيرهم. وهى فرضية تقوم على "الدعاية" وليس على منظومة قيم حقيقية، إذ تثبت الخبرة المصرية أن نزعة الإقصاء والتهميش الممزوجة بنزعات التطرف الفاشى والنازى، والعداء ل"الدولة المدنية" والأنس بكل ما هو "ميرى" و"عسكرى"، يشكل القوام الأساسى للبنية النفسية من جهة وللوجدان والضمير "المدنى" المصرى من جهة أخرى، والتى تجلت فى أكثر من تجربة سواء قبل الثورة أو بعدها. ولعلنا نتذكر الانقلاب على الشرعية داخل حزب الوفد "الليبرالى" والاحتكام إلى السلاح للإطاحة بالقيادة السياسية الوفدية عام 2006 ممثلة فى نعمان جمعة، وفرض محمود أباظة رئيسًا للحزب تحت أسنة "الكلاشينكوف"! وفى السياق ذاته، فقد لجأ الحزب العربى الناصرى إلى تزوير انتخاباته الداخلية، للإطاحة بقيادته الشرعية فى ذلك الوقت، ليؤصل من ثقافة "تزوير الشرعيات" التى استظلت بها مصر قرابة ستين عامًا مضت. فيما يظل عالقًا فى الذاكرة السياسية المصرية، دور اليسار المصرى، فى تغذية نزعات التطرف السياسى والإرهاب الأيديولوجى، واستخدام ما يسمى ب"العنف الثورى" أداة للتغيير.. ولعل البعض يتذكر أن أسماء شيوعية كبيرة تولت فيما بعد رئاسة تحرير صحف رسمية ضبطت فى أحداث 17 و18 يناير، وهى تحمل "جراكن البنزين" فى ميدان التحرير. بعد الثورة لم تتغير التركيبة العقائدية "المدنية" فى مصر، فالليبراليون "أسامة الغزالى حرب" واليسار الناصرى "هيكل" ويسار "هنرى كوريل" رفعت السعيد والغيطانى انتصروا ل"الدولة العسكرية" وحرضوا الجيش للاستيلاء على السلطة، فيما انتظم جيل الوسط من الليبراليين واليسار الناصرى، فى الدعاية ل"الرجعية الفاسدة" التى مثلها الجنرال الهارب أحمد شفيق.. بالتزامن مع النضال الإعلامى لممثلى الانتهازية السياسية داخل التيار المدنى "الفقى وإبراهيم عيسى" من أجل إطلاق سراح مبارك، بوصفه "بطلا" من أبطال حرب أكتوبر!!! يبقى القول هنا، إن التيار المدنى المصرى، لم يقدم عبر تاريخه القريب، أى ممارسة تشير إلى أنه "تيار ديمقراطى".. وفى المقابل فإنه رغم كل ما يؤخذ على الإسلاميين، فإنهم يظلون الأعلى كعبًا فيما يعتبر وإن كان نسبيًا ممارسة ديمقراطية حقيقية، وهو موضوع آخر ربما نتحدث عنه لاحقًا. [email protected]