خرجت بعد شروق الشمس إلى بلكونتى الصغيرة المُطله على الصحراء الواسعة أمام بيتى بعد أن صليت ركعتى الضُحى .. نظرت شمال البيت، فإذا بحمار جارنا .. يتمتع مثلى بشروق الشمس تماما كما احب أن اتمتع بها .. دائرا حول مربطهِ الموجود تحت شجرة "الفيكس" المجاوره لبيت صاحبه .. فيما يبدو كان مزاجه معتدلا.. فلا نهيق، ولا زعيق.. ولا إحساس كما البشر بالوحشة والضيق ..!! لا ادري.. هل هو يغني ..؟ ولو كان .. من يا ترى مطربه المفضل..؟!! أكيد.. مش شعبان عبدالرحيم بس قد يكون سعد الصغير الوحيد اللى فتح نفسه وقال "بحبك ياحمار" ..!! لاأظنه كان يفكر – وهو ليس خارج التغطية كما يظن البعض – ربما كان يتأمل ويحلل كأرقى مثقف نُخبوى من مثقفي الفضائيات، والتنظيمات و التويتريات ..!! في خلق الله ، وفي وجبته إفطاره المقبله هل من الشعير المحلى بالتبن أم من البرسيم وقد تكون حزمة دراوه خضراء ..!! نعم قد يفكر وينظر للأمور الاستراتيجية بصبر وروية كأكبر محلل سياسي وإستراتيجى إستراتيجى ..!! لابد انه يفكر في بنت الحلال.. !! ياعم بلا هم ووجع دماغ "دهب – وعفش – ومقدم – ومؤخر – وشقه – وتليفزيون بالدِش اشتريه لوجع الدماغ" كما يفعل بنو البشر هذه الأيام .. لالا ..! وقفتُ انظر اليه .. احسده ..آسفٌ ..اغبطه على قناعته، ورومانسيته، وروقان باله، وهو يتمرغ في تراب الطريق المجاور للشجرة محل إقامته..!! ويفك عضلاته فى تمرين إحماء صباحى ولا أجدعها لاعب في المنتخب الوطنى، بينما انا اتحسر على مافات ..!! و اتذكر أن العيد مر قبل عدة أيام .. كأي يوم عادي بدون حس، ولا خبر.. !! أحسده نعم .. حمار مؤدب، وخلوق.. بدون وعظ ولا إرشاد، ولا ترهيب ولاترغيب بالفضائيات.. مايعرفش يتحرش ويمشى مع هوجة هذه الأيام اللى وصلت فيها نسبة التحرش حسب تقرير المجلس القومى لحموم الإنسان ل64% بالشوارع والحارات وااااه .. يابنى البشر ياللى كللكم فى الشوارع متحرشين وصوروكم للعالم بإعلام الفلول وكأنكم لسراويلكم بالنواصى والميادين خالعون ومثقفيكم ونخبتكم على الفضائيات يفضحون ويرصدون وفى نهاية الليلة يقبضون ..! قلت في نفسي : ااااه يا ليتني كنت مكانك ..!! كنت ارتحت من هم العيال .. ومن القيل، والقال .. ومن مكالمات ورسائل المحمول .. ومن فواتير الميه والنور .. ومصاريف المدارس والبوتاجاز السولار ووقفة المخابز وقرف الطابور .. !! كنت ارتحت من أخبار الجزيرة ولندن والعربية وأنباء الوكالات الدولية .. وكمان المواقع الألكترونية .. من فيديوهات التعذيب وقتل الأطفال والنساء وهدم الأحياء على أيدي الجيش السورى ..!! كنت ارتحت من اخبار فلسطين والسودان ولبنان والعراق وتفجيرات الصومال وتقسيم ليبيا والتهديد بضرب ايران .. وإغلاق المحلات في العاشرة مساء ،بينما الكباريهات مفتوحة حتى الصباح..!! كنت تخلصت من كوني "معارض" على موجة واحدة.. و صرت لين التفكير.. سهل القياد حسب ما يريدني مولانا الأمير .. روح مؤيد .. حاضر.. روح معارض ..حا ضر .. ولا اقولك رووووح خالص بعيد..!! وفي كل الحالات برضوا أكون حمارا..!! حسب مفهوم الرأي، والرأي الآخر في الاتجاه المعاكس وايضا عند لميس وعماد وخيرى ومجدى ومحمود والإبراشى وريم والقرموطى وحتى عند إعلام الإسلاميين .. !! يعنى عند الموالي إن كنت معارضا ،وعند المعارض إن كنت مواليا ..!! المهم فى النهاية فى نظرهم حمار..!! كنت ارتحت من صداع مبادئي ،ووجع ذكرياتي عمن أحببت، ومن كرهت ..!! واكتفيت بذكريات حمارية خاصة مختصرة عن روعة شريكة حياة.. مطيعة متصدعنيش بحقوق المرأة و شاكوش الغلاء..!! كنت ارتحت من مشاكل فتح وحماس..!! ومن هم المصالحة وهدم الانفاق ..! كنت ارتحت من غيبوبة الأزهر واتحاد الكتاب ومعارك الصحفيين وتآمر الليبراليين والعلمانيين وكره اليساريين للإسلاميين، وكذلك عضوية فلسطين..!! كنت ارتحت ..من إخطبوط الجهل.. ،ومن غثاء المنافقين ..!! إما بالتجاهل ، او برفسة في الوجه فيها كل غل الصابرين..!! وتحليل عبقري..!! يرى (جند الله) في إعصار ساندي الذي دمر من امريكا اجزاء وآخر يدعمه بالآيات البينات ..!! وثالث يدعي أن هذا الإعصار ورائه نجاح الإخوان المسلمين ..!! وأمان يا ربي أمان..!! يبدو أني أطلت التفكير.. تنبهت.. أعدت النظر إلى المنظر بالصحراء .. فوجدت جاري يمشى نحو حماره ملوحا بعصاه الجريد، وبدون احم ولا دستور إنهال عليه ضربا باليمن، وكأن بينهما ثأرٌ قديم ..!! تعاطفت مع الحمار، وأخذت أشجعه كما أشجع الأهلي إمام الترجي .. ،ولكنه نهض من مكانه ، وحنى رقبته ،واستسلم .. صرخت مغتاظا :يا جبان ..!! كنت أتصورك حمارا ثوريا مقاوما ..مدافعا عن نفسه ..مناضلا حتى آخر نفس ولو برفسة واحدة بقديمك ..!! هذا الموقف.. آلمني وخذلني.. !! رغم طرافة أنك ترى حمارا يضرب حمار..!! عرفت فيما بعد أن بطل المشهد الذى رأيته (حمارة ) مكسورة الخاطر.. تتحمل الضيم من اجل جحشها الغالي الذي يتبعها أينما تذهب .. وليس من المستبعد أن تبدأ المسكينات لاحقا ربيعا مستحقا آخر تحت عنوان (الحماره تريد إسقاط الحمار...)..!! قلت: شكرا يارب أن خلقتنى بشرا .. فابن آدم تحت التعذيب "يصرخ" .. يتذكر وجه جلاده .. يستطيع إن كُتبت له حياة أن يشتكى لديوان المظالم او لدكاكين حقوق الإنسان .. أما الحمار عاوز مليون ثورة على ظلم البشر له .. وبعدها يُفضل أن يكون حمار .. لإنه جباااااان ..!! [email protected]