حلة محشى بتنجان إسود -بعفاريتها- على دماغك يا مواطن! المهم تكون بالعفاريت الزرق اللى بتعشش فى دواليب المخ مع حلة البتنجان الاسود.. ثورة إيه دى يا مواطن اللى انت داوشنا بيها من ييجى سنة؟ تكونش صدقت حكاية الثورة دى؟ طول عمرك يا دى المواطن إنسان على نياته. معقولة لسه ما اتعلمتش من السبعتلاف سنة بحالها؟ معقولة لسه ما اتعلمتش؟ معقولة يا مواطن؟! إنت مواطن -من فرط سذاجتك- تسمينا: شلة (آسفين يا ريس) أو بتوع (هليوبوليس) بالطبع قبل أن نكتسب أرضا جديدة فى العباسية. ما لم تستطع أبدا يا مواطن أن تدركه هو من نحن بالضبط. نحن النظام الذى تصر أنت على تسميته بالبائد. النظام الذى توهمت أنك تمكنت من إسقاطه. غاية ما فى الأمر يا مواطن هو أنك انتزعت القشرة الخارجية. كل ما حدث يا مواطن هو أنك قمت بكشط طبقة البوية الزاعقة الألوان التى على السطح. من تسميهم أنت بالمخلوع ونجليه والطبقة التى تربت فى كنفه كانت النقطة الأكثر تحصنا بالفعل فى قلعة النظام. لكنها ليست فى نهاية المطاف سوى جزء من النظام الذى ما زال قائما. أما النظام بأمعائه الغليظة والرفيعة ومعداته التى طالما اتهمتها بالنهب، فعلى قلبك لطالون. استمع -إذن يا مواطن- لهذه الحقيقة التى قد تسرق النوم من عينيك. النظام البائد يقول لك بالفم المليان: متى تقتنع بأن مصر منذ مينا موحد القطرين، حتى آخر الزمان لن يحكمها سوى من تسميهم أنت بالطغاة؟ إما الأمان فى ظل ما تسميه أنت بالاستبداد، أو الفوضى مع ما تسميه أنت بالحرية.. كلها -كما ترى- هى مسمياتك أنت. لا تسمح لأحد من الثوريين الحمقى بأن يتلاعب بأحلامك. ما كان ساريا عليك يا مواطن أيام من تسميه بالمخلوع هو نفسه ما يظل ساريا عليك إلى الآن، فمتى ستفهم؟ الجدل حول الديمقراطية أو حقوق الإنسان مكانه الفضائيات. أما على أرض الواقع، فتعالَ معنا بالذوق حتى لا تأتى بالوسائل الأخرى. سلم نفسك يا مواطن. مافيش داعى للمقاومة. المكان كله محاصر. هيا يا مواطن! مش عايزين وجع دماغ! وعلى رأى أخينا فى الله الأستاذ طارق بن زياد، مع بعض التعديلات الطفيفة التى لا تغير فى المعنى بقدر ما تؤكده: النظام البائد أمامكم ومن ورائكم، وعلى اليمين واليسار. فوالله أنتم أضيع من الأيتام على مائدة اللئام. وعلى ذكر اللئام، والشىء بالشىء يُذكَر: هل تعلم يا مواطن أن أخانا فى الله الأستاذ طارق بن زياد كافؤوه على فتح الأندلس ببيعه كعبد فى أسواق النخاسة؟ حدث هذا عندما اتهمه الخليفة فى دمشق بسرقة إحدى أرجل عرشه، لأزوريق أو رودريجو ملك الإشبان؟ بالشين. أى والله بالشين! يعنى بالعقل كده: معقولة بسلامتك تكون أعز علينا من فاتح الأندلس؟ كل الطرق أمامك مسدودة. كلها يا مواطن. المنطقة مبدورة عساكر، والمخبرون فى كل حتة. داخل قصارى الزرع أو فى صفائح القمامة أو تحت حوض المطبخ، المخبرون بالعشرات حتى بين ثنايا رسائل الحب المعطرة أسفل حقائب البنات، خلف الستائر المسدلة أو ما بين طيات الهدوم المنقوعة فى البانيو أو تحت مخدات الأطفال أو على الحائط وراء براويز الصور العائلية القديمة. الوطن -يا بنى يا حبيبى- كله محاصر من زمان! إذا كنت لسه بتفكر فى النجاة، فأحسن لك تخرج رافع إيدك لفوق وبلاش التكشيرة دى. إحنا اللى ينكد علينا بنروّقه. أنا حاعدّ من واحد لتلاتة. هاه، واحد! ما فيش خرم إبرة تستخبى فيه. ما فيش خرم إبرة. مياه الحنفية يا مواطن، إذا خطر على بالك أن تشرب، سنتسلل معها بكل ترسانة الفيروسات إلى أبعد نقطة فى جهازك العصبى. أما إذا سولت لك نفسك أن تستخدمها فى الحموم، فذنبك على جنبك. الأمراض الجلدية إحنا مش مسؤولين عنها. الشوارع ليس فيها ما هو أكثر من الحفر. وقد راعينا أن تكون موزعة بالعدل، بين جميع الأحياء الآهلة بالسكان، خصوصا تلك التى يتكدس فيها أصحاب الدخول المهدودة. وعلى الوسادة الخالية، لن تجد فى انتظارك كل ليلة سوى صورة تذكارية كبيرة بالألوان الطبيعية تضم أصحاب الجلالة والفخامة المستبدين العرب، وهم يحتفلون بالانتصار عليك، أو يتضامنون إلى غير ما حدٍّ مع من تثور أنت لتخلعهم. الأغنية الحلوة التى كنت تستعين بها على قبح الأيام، جففنا منابعها. كانوا يستلهمون أفكارها أو موسيقاها من الحب. أغلقنا نهائيا هذا الملف. أغلقناه نهائيا. دواوين الشعر أدرجناها على قائمة البلطجة، خصوصا تلك القصائد التى تخضع للأجندات الأجنبية. اقتناؤها بهدف التعاطى لا يقل خطورة عن حيازة المخدرات. مكالماتك التليفونية يا مواطن يستمع إليها ضباط متخصصون. ومن ثقب الباب، هناك دائما ألف عين تنظر إليك، فأنت -كما هو ثابت تاريخيا- ندل ابن كلب جبان. كحمار البلدية أنت. ما إن ينعس الراكب على ظهرك حتى تقلبه بلا وازع من ضمير. حبيباتك اللائى يأكلن معك الذرة المشوية أو الترمس على الكورنيش، سيتحرش بهن كل أفراد القوة بأقسام الشرطة فى حضور مندوبى منظمات حقوق الإنسان. النيل الذى تعودت أن تلتمس عنده السلوى فى الأمسيات المخضبة بالأسى، ضربنا عليه جدارا عاليا من الكباريهات العائمة أو كتل الخرسانة الصماء. إذا عنّ لك من الآن فصاعدا أن تكحل عينيك برؤيته، فأنت الجانى على نفسك. سلم نفسك يا مواطن. ما فيش داعى للمقاومة. التهمة ثابتة عليك، والأدلة كلها ضدك. مركزك القانونى -بكل صراحة- فى غاية السوء. هل تنكر أنك ما تزال تحلم بوطن أجمل؟ هل تنكر أن إحساسا غماميا يسيطر عليك فى بعض اللحظات بالحزن، وأنك تشعر أحيانا بالرغبة فى البكاء؟