تمضى الثورة السورية فى مخاض أليم يضحى فيه الشعب السوري الأبى بفلذات أكباده من الشهداء فعلى مدار 18 شهرًا سُفكت دماء عشرات الآلاف من الأبرياء على يد عصابات السفاح بشار، وكأن المصالح المحلية والدولية قد اجتمعت على ادخال سوريا فى مأساة وحشية طويلة ليس لها نظير، فى هذا الإطار تأتى مبادرة الرئيس مرسى لتمثل ضوءًا فى نهاية النفق المظلم، فقد ارتكزت على أربع دول كبيرة لها اتصال مباشر بالشأن السورى (مصر- السعودية- تركيا- إيران) لكن يبقى السؤال المطروح: هل يمكن حل الأزمة السورية دون تدخل دولى؟ وهل يمكن تكرار سيناريو ليبيا أو كوسوفا فى الحالة السورية؟ - على الصعيد الدولى تتخذ الولاياتالمتحدة ودول الناتو موقفاً واضحاً فى إدانة عصابة الأسد، لكن عمليًا يبدو أن للتغيير فى سوريا حسابات أشد تعقيدًا تتعلق بتساؤلات: ما هو البديل المحتمل بعد سقوط النظام؟ وهل تدخل سوريا فى حرب أهلية تثمر نشاطًا مكثفًا للتنظيمات الجهادية؟ وما مدى فداحة الخسائر المتوقعة حال التدخل العسكرى؟ مما يدفعهم للتريث قبل الانزلاق فى المستنقع السورى، وهو ما يتضح فى الإحجام عن إمداد الجيش السورى الحر بالسلاح والاكتفاء بتحركات عقيمة فى الأممالمتحدة فى ظل الفيتو الروسى الصينى فللصين مصالح اقتصادية عديدة مع سوريا وإيران، أما روسيا فتعتبر أن سوريا هى آخر مناطق النفوذ السياسى والعسكرى لها فى العالم العربى. - بالرغم من الانطباع االزائف بأن إسرائيل تتمنى زوال نظام الأسد، فالحقيقة أن البديل فى سوريا يبقى أكثر رعبًا للصهاينة، فالدخول فى فوضى قد يؤدى لظهور منظمات مقاومة تشكل خطرًا دائمًا على الأمن الصهيونى أما إذا انتقلت سوريا إلى نظام مدنى ديمقراطى فإن تجارب الربيع العربى ترجح وصول الإسلاميين السوريين إلى السلطة وهو ما يمثل خطرًا استراتيجيًا على أمن بل وجود الكيان الصهيونى لذا يفضلون بقاء نظام البعث الذى اكتفى بشعارات الممانعة ولم يطلق طلقة واحدة فى الجولان المحتل على مدى 40 عامًا، ويا للغرابة يبدو الموقف الصهيونى متفقًا تمامًا مع الموقف الإيراني الذي يعتبر بقاء النظام العلوى هدفًا استراتيجيًا لكونه حلقة الوصل فى الهلال الشيعى(إيران – العراق – سوريا – حزب الله)، فالتحالف بينهما عقائدى وهو ما ظهر بفجاجة فى دعم حافظ الأسد لإيران الخومينى ضد العراق فى حرب الخليج الأولى(1980-1988)، فإيران تمثل العائق الأكبر فى سبيل إسقاط النظام ولولاها لما صمدت عصابة بشار حتى الآن. -تُجمع مصر والسعودية وتركيا على ضرورة إسقاط بشار كمدخل أساسى لحل الأزمة السورية، فقد أكد أردوغان موقفه الداعم للثورة منذ بدايتها وفتح مخيمات الإغاثة لاستقبال اللاجئين السوريين وأكد مرارًا حتمية خروج بشار من السلطة، أما السعودية فقد اتخذت موقفًا أيديولوجيًا ضد المحور السورى الإيرانى تدافع فيه عن أهل السنة ضد مذابح النظام وترى أن زواله سيصب فى صالح الدول العربية ضد الهيمنة الإيرانية على منطقة الخليج، بينما يؤكد الرئيس المصرى التحرر من التبعية للمحور الأمريكى الصهيونى ويدعم الثورة السورية بقوة، وهو ما ظهر فى تأكيده حتمية زوال نظام بشار فى عقر دار داعمى القتلة بطهران. وترتكز المبادرة على الضغوط المصرية والسعودية والتركية على إيران للتخلى عن بشار مقابل تطمينات على وضعها فى الخليج ووعود بالوقوف ضد أى هجوم عسكرى عليها، كما تعرض مصر على إيران إعادة العلاقات الكاملة معها( كما أشارت الواشنطن بوست) وهو عرض قد يغرى إيران لقبوله لما لمصر من وضع جيواستراتيجى فريد، فضلاً عن عودتها المرتقبة لقيادة العالم العربى، لكن ماهى المتطلبات التى تشترطها إيران للتخلى عن أهم حلفائها؟ وما هو مصير حزب الله فى تلك الحالة؟ تبقى تلك الأسئلة معلقة بمدى جدية الإيرانيين فى التخلى عن مشروعم التوسعى فى المنطقة العربية. ختامًا تبقى المعضلة السورية مستعصية على الحل دون توحد عربى إسلامى جاد على إسقاط النظام، أو دون تغيير جذرى فى مواقف أمريكا وحلفائها الذين يفضلون بقاء نظام البعث خوفًا من مجهول قد يهدد أمن إسرائيل أو يضر بالمصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. [email protected]