جاءنى صوت إحداهن عبر الهاتف متهدجًا, متحشرجًا, تكاد تبكى جرَّاء تحرش أحد الجيران بها رغم أنها تلبس الخمار الذى تتزين به معظم بنات مصر ونسائها..! ما يؤكِّد عدم استهداف هؤلاء المرضى للسافرات, والمتبرجات فقط, ويضع علامات الاستفهام حول هذه الحوادث المفزعة, التى لم تعد حالات فردية وإنما ظاهرة خطيرة موجودة فى الشارع, ومعظم مجالات العمل وأماكن الدراسة ومنتشرة فى مناطق كثيرة من مجتمعنا المصري, المتدين بالسليقة, المحافظ بطبعه.. وإن كان تعاظم مثل هذه الجرائم المخلة بالشرف, يمكن أن يعيد النظر فى موقفنا من هكذا تدين مغلوط فى مجتمعنا دونما إقرانه بالسلوكيات والأخلاقيات ولدى علماء الاجتماع والنفس, معيار مهم جدًا: إذا أردت أن تحكم على أخلاق أى شعب؛ انزل إلى الشارع, وراقب سلوكياته ! إن ما حدث خلال العامين الأخيرين, وخاصةً فى أعقاب قيام هذه الثورة الرائعة؛ هو التطور الطبيعى لما يحدث فى المجتمع من انفلاتات أمنية وإعلامية؛ وللأسف لم يستثمر البعض قيم ثورتنا النبيلة التى منحتنا الحرية, والكرامة, والعزة لأبناء الوطن, بل أساء توظيف نتائجها.. والعجيب والمريب فى الوقت نفسه, أن هذا المرض الذى أصاب البعض لم يفرِّق بين شاب مراهق أو رجل كبير, ولا بين أعزب ومتزوج: عاطل كان أم عاملاً! ما يعطى مؤشرًا خطيرًا حول تراجع منظومة القيم والأخلاق عن الشارع المصرى الذى يتعامل باستهانة شديدة مع ظاهرة التحرش طالما لم تصل إلى حدِّ الاغتصاب! وهو الذى كان يُضرب به المثل فى الفروسية, والشهامة والمروءة, وإغاثة الملهوف ومكارم الأخلاق..! فلم تعد حالات الفوضى والانفلات الأمنى والإعلامي, التى نشهدها يوميًا وقفًا على المارة من الشعب نفسه, سواء بتعطيل مصالح الناس أم بروز انفلات من نوع آخر, هو الانفلات الأخلاقي, المتمثّل فى الوباء الجديد الذى انتشر مؤخرًا! ما أقلق المجتمع بأسره, وأرعب الأسرة المصرية, التى تعيش الآن حالة من الخوف والترقب والحذر؛ فحالات الفوضى والانفلات فى الشارع فى ظل تكريس ثقافة الصمت داخل المجتمع؛ وخشية المعتدى عليها من الإبلاغ عن الحادثة تجنبًا للفضيحة.. فى غياب واضح للرادع الأمني، وغياب الأمن الجنائى عن الشارع؛ ما يؤكِّد أن ظاهرة التحرش الجنسى ما هى إلا أحد وجوه الفوضى والبلطجة, المتفشية فى الشارع المصري؛ إذ يظل القاسم المشترك بين كل وجوه الانفلاتات وأحداث الفوضى والبلطجة هو التعدى على خصوصيات الآخرين, أو اغتصاب حقوقهم؛ أو حتى محاولة فرض الآراء، أو الأفكار عنوةً: إرهابًا فكريًا؛ أو تهديدًا ووعيدًا . وأعتقد أن حل هذه المعضلة مجهد ويتجاوز أضعاف هذه التصرفات المرضية, التى ابتلى بها مجتمعنا؛ إذ يظل مثل هذا الانفلات الأخلاقى مرضًا اجتماعيًا؛ يمكن علاجه ضمن حزمة متكاملة لعلاج بقية الانفلاتات وظواهر الفوضى فى الشارع وفى الإعلام, بتكليف المختصين وعلماء النفس وخبراء علم الاجتماع, ورجال الأمن, والنخبة الحقيقية لا المزيفة التى جعلت هذا المصطلح سيئ السمعة! بدراسة استقرائية علمية حديثة, يتم التوصل من خلالها إلى الأسباب الأصيلة واستنتاج الوسائل الضرورية لمعالجة هذه الأسباب وإزالتها, كجزء ضرورى لاستتباب الأمن ومكافحة البلطجة، والجريمة المنظمة؛ وتغليظ قانون الآداب والتشدد فى تطبيقه مع اعتبار مثل هذه التصرفات المشينة من الجرائم المخلة بالشرف؛ ومراقبة الأماكن العامة التى يكثر بها التحرش؛ جنبًا إلى جنب مع نهوض وسائل الإعلام الوطنية لا الفلولية بتكثيف البرامج الدينية التى تصحح المفاهيم لدى الشباب؛ ووضع ضوابط لمشاهد العري, ومقاومة الأفلام الماجنة وكل ما يؤدى إلى الانحلال وإثارة الغرائز, وغرس الأخلاق والقيم النبيلة فى المجتمع ليتحقق الأمان والاستقرار؛ لتدور عجلة الإنتاج من جديد, بالإضافة إلى ضرورة تشارك الأسرة, فى تقوية الروابط الأسرية وقيام الوالدين بواجبهما فى رعاية الأبناء وتوجيههم ومراقبتهم فى الوقت نفسه. ويبقى الدور المهم منوطًا بخطابنا الديني, الذى يجب تجديده ليتوافق مع آليات العصر ووسائله, ومغرياته, باجتهاد, يعيد للدين مجده وبهاءه ورونقه فى نفوس المسلمين, لا محض شعائر شكلية, تؤدى دونما وعى أو حضور! همسة: إذا أُصيب القومُ فى أَخلاقهم** فأَقِم عليهم مَأتماً وَعويلا..! [email protected]