لم تعد حالة الفوضي والانفلات الأمني والأخلاقي التي يشهدها الشارع المصري وقفا علي التعدي علي المارة, أو تعطيل مصالح الناس, وفي الميادين نفسها التي انطلقت منها ثورة25 يناير التي منحت الحرية والكرامة والعزة لأبناء الوطن. ظهر العديد من الظواهر السلبية التي انطلقت من الميادين نفسها والشوارع التي شهدت ميلاد الثورة, وبالأمس القريب كان أحد الميادين بوسط القاهرة شاهدا علي انتشار ظاهرة التحرش الجنسي التي أصبحت تقلق المجتمع وترعب الأسرة المصرية وتجعلها تعيش في حالة من الخوف والقلق. وحذر علماء الدين من خطورة تراجع القيم وغياب منظومة الأخلاق عن الشارع المصري وخصوصا في ظل المرحلة الراهنة التي تعيشها مصر, وأكدوا ضرورة غرس الأخلاق والقيم النبيلة في المجتمع ليتحقق الأمان والاستقرار وتعود عجلة الإنتاج, وطالبوا وسائل الإعلام بضرورة تكثيف جرعة البرامج الدينية التي تصحح المفاهيم لدي الشباب, وأن تقوم الدولة بسن القوانين التي تردع كل من يرتكب هذا الفعل. تراجع منظومة القيم يري الدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية, أن التحرش الجنسي نوع من الفوضي التي تزعج المجتمع لأنها تمثل خللا في القيم والعادات التي عاشت عليها المجتمعات المسلمة, فحالة الفوضي في الشارع تشجع بعض الشباب علي ترديد الألفاظ الخارجة وقد يمد يده, ويتطور التحرش من ألفاظ إلي أفعال تؤدي في كثير من الأحيان إلي جرائم هتك العرض في الشوارع والميادين. وقد حرم الإسلام كل هذه الأفعال لأن تكرار النظر وتدقيقه كلها رسائل لها معان واضحة لدي مرسلها ومستقبلها, وإن كان مستقبلها لا يستطيع أن يثبتها ولا يعاقب عليها القانون, ولكن الله سبحانه وتعالي الذي يعلم السر وأخفي حرم ذلك ووضع له الجزاء فقال تعالي: ولا تمدن عينيك إلي ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقي كما أن الله عز وجل يأمر المؤمنين بغض البصر وعدم إطلاق العنان له ليجول في محاسن من أمامه وكما أمر الرجال أمر النساء أيضا بغض البصر, لأن علاقة الرجل بالمرأة كعلاقتها به وقصده منها كقصدها منه, فقال تعالي: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن علي جيوبهن. ويضيف أن الإسلام بهذا يحرم ويجرم كل فعل يفعله المسلم بغير حق ويؤذي به آخر حتي ولو كان مجرد نظرة, وقد حذر الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم من إطلاق العنان للبصر يصول ويجول في النظر إلي ما حرم الله وجعل ذلك في حكم الزنا وسببا له ومقدمة من مقدماته, وقد وضعت الشريعة الإسلامية عقوبات للتحرش بأنواعه الثلاثة سواء كان بالنظر أو القول أو الفعل وجعل التعزير عقوبة التحرش, والتعزير هو تأديب علي ذنوب لم تشرع فيها الحدود, وهو يختلف بحسب اختلاف الذنب واختلاف المذنب, والأمر في ذلك مرجعه إلي ولي الأمر فهو الذي يقدر العقوبة وفقا لحجم الجريمة ومكانة المذنب لأن مشكلة التحرش الجنسي تقلق المجتمع فهو غالبا يؤدي لوقوع جرائم مثل الاغتصاب أو الزنا أو هتك العرض أو القتل, ولذلك ينبغي الاجتهاد لمقاومة ومكافحة تلك الظاهرة من خلال تقوية الوازع الديني وبيان الحكم الشرعي للتحرش وهذا دور علماء الدين ووسائل الإعلام المختلفة, وكذلك ضرورة تقوية الروابط الأسرية ونهوض الأب والأم بواجبهما في رعاية الأبناء وتوجيههم ومراقبتهم, أيضا ضرورة النص علي هذه الجريمة في قوانين العقوبات واعتبارها من الجرائم المخلة بالشرف, وكذلك ضرورة مقاومة التعري والأفلام الماجنة وكل ما يؤدي إلي الانحلال وإثارة الغرائز ومراقبة الأماكن العامة التي يكثر بها التحرش. أما الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه جامعة الأزهر, فيري أن ما يحدث في كثير من المجتمعات العربية من انفلات أخلاقي وتراجع للقيم والأخلاق وظواهر غريبة تتنافي مع ما حملته لنا الشريعة الإسلامية, هو من نتائج ضعف الوازع الديني في نفوس الكثير من الشباب ويقول: ما يفعله البعض من مطاردة النساء في مواضع تجمعهن, كالميادين العامة والشوارع الرئيسية والأسواق والمصالح الحكومية وغيرها, وهذا له الكثير من الأشكال وكلها تدخل ضمن التحرش الذي يتنافي مع قيم الإسلامية النبيلة, فنجد من يفعل ذلك يحاول أن يسمع الأنثي كلمات الغزل بغية لفت نظرها, أو تضييق الطريق عليها سواء كانت مترجلة أو راكبة أو ملاحقتها بالسيارة لإرباكها وإجبارها علي التوقف وهذا يحدث بشكل مستمر في الشارع المصري ولابد أن نعترف بأن كل ذلك يحدث ويتجدد حدوثه, ونظرا لانشغال الناس بأمورهم استفحل هذا المنكر بدرجات متفاوتة نتيجة لعدة أسباب منها, غياب الوازع الديني, والفراغ الذي يعاني منه الشاب, وفقدان الاهتمامات النافعة, وغياب دور الأسرة, وانعدام البرامج الهادفة في وسائل الإعلام, وأيضا تبذل بعض النساء وانتشار العري في الشوارع لغياب القدوة. ويري أن التحرش الجنسي أدي إلي تداعيات أخلاقية, لعل من أهمها, الإضرار بأمن المجتمع, والوقوع في الفاحشة وتلويث سمعة الأسر والعائلات وتفشي الظواهر الإجرامية كخطف النساء أو اغتصابهن وزيادة حالات العنوسة والطلاق بسبب الشك في سلوك المرأة نتيجة لهذا التحرش, وعدم تمكن النساء من مزاولة أعمالهن أو الخروج لحوائجهن, وكل هذه الأمور التي يفضي إليها التحرش محرمة بنصوص شرعية قطعية الدلالة, منها حديث الرسول صلي الله عليه وسلم إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزنا, أدرك ذلك لا محالة, فزنا العين النظر وزنا الأذنان الاستماع, وزنا اللسان الكلام, وزنا اليد البطش, وزنا القدم الخطي, والقلب يهوي ويتمني ويصدق ذلك الفرج ويكذبه, فكل هذه الأدلة وغيرها تدل علي حرمة التحرش بالأنثي, يضاف إلي هذا أن الشريعة سدت كل ذريعة إلي الوقوع في الفاحشة, ووضعت من الأحكام ما تسد به هذه الذريعة, والتحرش بالأنثي يفضي إلي الوقوع في الفاحشة إفضاء قريبا, وإذا كان الزنا من الكبائر, فكل وسيلة تفضي إليه تكون كذلك, لأن للوسائل حكم غاياتها.