من قال إنه "لا كرامة لنبى فى وطنه" لم يكن يعلم أنه يقوم بتفصيل هذا القول المأثور على أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر، فقد اعتدنا على أن كل فعل يصدر عن سيادته يفسر خارج مصر تفسيرات منطقية تعطى الرجل حقه، بينما داخل مصر يتفنن الجهلة والمتنطعون فى تأليف تفسيرات مغرضة لا تهدف إلا لتشويه شكل الرئيس؛ خوفًا من نجاحه واكتسابه شعبية قد تسمح له باستكمال مدته وانتخابه لدورة جديدة. فمثلاً عندما أصدر قراره بإقالة طنطاوى وعنان، ومن قبلهما بدين وموافى، انتشرت لافتات فى شوارع العاصمة التونسية تحمل صورة الرئيس المصرى والرئيسى التونسى كتب عليها: يا تكون مرسى يا تسيب الكرسى، وهذا يعنى أن الشعب التونسى فهم صراحةً أن الرئيس المصرى الذى انتخبه الشعب اختار ألا يكون لعبة فى يد العسكر وبقايا النظام القديم، وكتب بقراره هذا السطر قبل الأخير من شهادة وفاة نظام مبارك، بينما الرئيس التونسى الذى جاء بتوافق الجمعية التأسيسية دون أن ينتخبه الشعب لم يستطع أن يكون صاحب قرار مثل مرسى، وبالتالى هو يجلس على كرسى لا يستحقه. أما فى وطنه، فقد فرح الشعب كثيرًا وتجاهلت وسائل الإعلام فرحة الجماهير وأخذت تتبارى فى استضافة مجموعة من مقاولى هدم الثورة ممن يطلقون على أنفسهم "نخبة"، وفسروا ما حدث بأنه أخونة للقوات المسلحة وانقلاب على الإعلان غير الدستورى المكبل، وانتهز أحد المرشحين السابقين للرئاسة والمعروف ب "عبده مشتاق" الفرصة ليطلب من الرئيس بهذه المناسبة أن يعيد تشكيل اللجنة التأسيسية، وبالمرة يتنازل عن منصبه وتعاد انتخابات الرئاسة. أما خطابه الرائع فى افتتاح قمة عدم الانحياز، وموقفه من الوفد السورى، فقد أعادا مصر لمكانتها وهيبتها، وأصاب الكثير من أعداء مصر بالارتباك والحيرة، وأصبحت صورة مصر الجديدة أن مصر مرسى تتعافى ومصر مبارك تتلاشى، وأبرزت الصحف الفرنسية فى عناوينها الرئيسية أن مرسى محنك وعبقرى وقائد عظيم، بينما علق أردوغان على ذلك: بأن كلمة مرسى جاءت هادفة وذات مغزى، وأن محمد مرسى أول رئيس مسلم مصرى عربى يصدم النظام الإيرانى فى عقر داره منذ انتهاء دولة الخلافة العثمانية بهذا الشكل المذهل، وأن مصر أصبحت ماردًا لن يقف أمامه أحد بعد الآن. بينما رأى بعض نخبة الندامة أن سيادته يغازل إخوان سوريا، ورأى البعض الآخر أنه يغازل أمريكا وإسرائيل، ورأت صحيفة جديدة أنشأها الفلول منذ عدة أشهر أن كلمة مرسى تمثل إساءة لمصر وتدخل فى الشأن السورى الداخلى، أما عبده مشتاق فرفض أخونة سوريا ولا يزال يطالب بإعادة الانتخابات الرئاسية. ونحمد الله أن ما مر بمصر من ظروف صعبة منذ قيام الثورة وحتى الآن، صنع واقعًا جديدًا يهدم مقولة "لا كرامة لنبى فى وطنه" لتصبح "نحن لا نصدق إلا عكس ما تدعيه نخبة الندامة"، فأصبح الشعب المصرى يتذوق السياسة ويفصل بين الأبيض والأسود، وانخفضت نسبة المنساقين، وفشلت مؤامرة 24 أغسطس، وما يزال عبده مشتاق لا يرى فى السياسة إلا أن يطالب بإعادة الانتخابات الرئاسية، ولن يكف عن ذلك حتى ينجح ولن ينجح. [email protected]