الاحتلال يرمم الدير لصالح الأحباش دون موافقة الكنيسة القبطية «الكنيسة الإثيوبية» تتهم البابا تواضروس ب«تزييف الحقائق».. والكنيسة المصرية ترد: يحمل اتهامات ظالمة ومغالطات تاريخية جبرائيل: محادثات غير معلنة لتسوية الموضوع.. والنجار: حصلت على حكم لصالح الكنيسة المصرية لم تنفذه إسرائيل شهدت الفترة الأخيرة، تجدد النزاع بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، حول ملكية كنيسة «دير السلطان»، الملاصقة لكنيسة القيامة فى القدس، وذلك عقب اعتداء قوات الاحتلال الإسرائيلى على الرهبان المصريين، وصدور بيان من الكنيسة الإثيوبية، تهاجم فيه نظيرتها المصرية، وتتهمها بأنها تزيف الحقائق والتاريخ، إضافة إلى تقديمها الشكر لإسرائيل؛ بسبب بدء ترميم الدير، بزعم أنها مالكة له. وتجددت الأزمة في الشهر الماضي، عندما دعت بطريركية الأقباط الأرثوذكس، إلى وقفة احتجاجية؛ اعتراضًا على رغبة سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترميم الدير لصالح الأحباش دون موافقة الكنيسة القبطية أو مشاركتها بهذه الأعمال، على الرغم من ملكيتها وصدور قرارات من خمسة قضاة بأحقية الكنيسة فى الملكية التى استحوذت عليها إسرائيل عام 1970، ولا تنفذ الأحكام للآن. وجرى الاعتداء على الرهبان المصريين خلال تلك الوقفة، وعقب ذلك، أصدرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بيانًا مفصلًا عن تاريخ «دير السلطان» بالقدس، ومحاولات الرهبان الأحباش السيطرة عليه بعد أن استضافتهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، واللجوء للمحكمة العليا فى إسرائيل، التى حكمت لصالح الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. أهمية الدير عند الأقباط وللدير أهمية كبيرة عند الأقباط، فهو يلاصق سطح كنيسة القيامة من الجهة الشرقية، كما أنه من جهة أخرى الطريق المباشر إلى كنيسة القيامة –المكان الذى يعتقد المسيحيون أن المسيح عيسى بن مريم قد دفن فيه- ولأهمية ذلك صدر قرار من المجمع المقدس سنة 1980 بعدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس لحين استرداد الدير. ودير السلطان، هو دير أثرى تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يقع داخل أسوار البلدة القديمة لمدينة القدس، فى حارة النصارى بجوار كنيسة القديسة هيلانة وكنيسة الملاك ميخائيل والممر الموصل من كنيسة هيلانة إلى سور كنيسة القيامة. ويعد من الأديرة القديمة بالقدس، وتبلغ مساحته نحو1800م2، ويرجع إلى عهد السلطان عبدالملك بن مروان «684- 705م»، الذى وهبه للأقباط، وهو ما يفسر تسميته بهذا الاسم، وتم التأكيد على ملكية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للدير فى عهد السلطان صلاح الدين الأيوبى فى القرن الثانى عشر. وتقول الكنيسة: «فى النص الأخير من القرن السابع عشر، لجأ الأحباش للكنيسة القبطية ليجدوا لهم مأوى مؤقتًا للإقامة لديهم إلى أن تحل مشكلتهم ويعودوا إلى أماكنهم التى انتقلت فى عام 1654م إلى كنيستى الروم والأرمن، بسبب عدم قدرة الكنيسة الإثيوبية على دفع الضرائب، فاستضافت الكنيسة القبطية الرهبان الأحباش كضيوف فى بعض غرف دير السلطان بصفة مؤقتة». فى المقابل، أصدرت الكنيسة الإثيوبية بيانًا، فى الخامس من نوفمبر، هاجمت فيه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقدمت الشكر لسلطات الاحتلال الإسرائيلية على خلفية أزمة دير السلطان الأخيرة. واتهمت الكنيسة الإثيوبية، البابا تواضروس، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية ب«تزييف الحقائق»، فى البيان الذي نشرته الكنيسة حول تاريخ دير السلطان. وذكرت أنه من المقرر إرسال «خطاب تقدير لحكومة إسرائيل، لبدء ترميم كنيسة القديس ميخائيل المتضررة»، دون ما وصفته ب «أعمال الأقباط الاستفزازية». وردت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فى بيان مطول على تلك الادعاءات، قائلة إن «دير السلطان فى القدس بفلسطين جزء من ممتلكاتها فى الأراضى المقدسة، حيث إنه أحد أديرة «الكنيسة» خارج مصر، ومبانيه ومشتملاته ومكوناته تدل على هويته، شأن جميع الأديرة القبطية»، مؤكدو أن هذا الدير كان وسيظل أحد ثوابت مقدسات «الكنيسة القبطية» فى الأراضى المقدسة لكل مصرى فى العالم أجمع. وأضافت الكنيسة: «أما عن بيان الكنيسة الأرثوذكسية التوحيدية الإثيوبية الشقيقة، بخصوص دير السلطان، فإننا ننأى عن الرد على ما جاء فيه من اتهامات ظالمة وإهانات جارحة ومغالطات تاريخية بخصوص ملكية وحيازة دير السلطان القبطي». ووفقًا للبيان، فإن «الدير مجاور لبطريركية الأقباط الأرثوذكس والكلية الأنطونية وباقى الممتلكات بالمنطقة، ولم تنقطع الرهبنة القبطية فى الأراضى المقدسة، ولم يخْلُ الدير إطلاقًا يومًا من الرهبان الأقباط المصريين حتى الآن، وعلى الرغم من المحاولات المتكررة للاستيلاء على الدير لمئات السنين، استطاعت الكنيسة القبطية الاحتفاظ به». وما زال يشكّل دير السلطان مصدرًا للنزاع بين مصر وإثيوبيا حتى الآن، فبينما يدعى الإثيوبيون أحقيتهم، تشدد الكنيسة المصرية على أحقيتها فى الدير، غير أن الأزمة الأخيرة شهدت دخول إسرائيل طرفًا ثالثًا فى النزاع من خلال مساندتها الجانب الإثيوبي. نجيب جبرائيل، محامى الكنيسة القبطية، قال إن «هناك وفدًا من الكنيسة القبطية مكونًا من خمسة أساقفة سافر في الأسبوع الماضى إلى القدس، بأمر البابا تواضروس؛ لتفقد الأوضاع ومتابعة آخر التطورات هناك»، مشيرًا إلى أنه أعد تقريرًا فى هذا الشأن وتم تقديمه للبابا تواضروس. «جبرائيل» أضاف ل«المصريون»، أن «هناك اتصالات مكثفة تجرى خلال هذه الفترة مع الكنيسة الإثيوبية؛ لرأب الصدع الحادث، ولإقناعها بأن الدير خاضع للكنيسة القبطية المصرية، وللتأكيد على ذلك الأمر». وذكر أن «هناك وفدًا من الكنيسة المصرية سيطير في غضون الأيام المقبلة إلى أديس أبابا، لمقابلة رئيس الكنيسة الإثيوبية، لمناقشة القضية وربما تكون هناك حلول»، غير أنه قال إنه ما سيناقشه الوفد غير معلن. محامى الكنيسة، اتهم إسرائيل بأنها «تستغل هذه القضية في ظل المشكلة القائمة بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، واختلافات فى وجهات النظر بشأنها، وهو ما يدفعها إلى محاولة تضخيم القضية». وأشار إلى أن «إسرائيل تساند إثيوبيا؛ لكى تفتح لها أبوابها، وتسمح بالاستثمارات الإسرائيلية على أراضيها، لكن هذا أمر، والشأن الدينى أمر آخر». وذكّر أن «الكنيسة الإثيوبية كانت فى وقت من الأوقات تابعة للكنيسة المصرية، وهذا ما سيتم وضعه فى الاعتبار خلال الفترة المقبلة». وقال رمسيس النجار، محامى الكنيسة القبطية السابق، إنه أثناء عمله محاميًا للكنيسة في عهد الأنبا شنودة الثالث، «تمكنت من استصدار حكم من المحكمة العليا بإسرائيل يؤكد بأحقيتها فى دير السلطان، وأنه تابع للكنيسة المصرية القبطية، وكان من المفترض بمجرد صدور الحكم أن تنفذه سلطات الاحتلال، غير أنها لم تنفذه حتى الآن». وفي تصريح إلى «المصريون» أضاف النجار، أن «سلطات الاحتلال من الواجب عليها الامتثال للحكم الصادر من المحكمة العليا وتنفيذه»، موضحًا أن «هناك إجراءات يمكن اتباعها، غير أن التواطؤ الحاصل من قبل سلطات الاحتلال سيجعل الوضع كما هو». واعتبر النجار، مساندة إسرائيل لإثيوبيا فى تلك القضية، «محاولة من الجانب الإسرائيلى لخلق أزمة بين القاهرةوأديس أبابا، ولتشكيل نوع من أنواع الضغط على الجانب المصري فى القضايا المختلف عليها بين الجانبين». وقال محامى الكنيسة السابق، إن «بيان الكنيسة الإثيوبية الأخير بشأن دير السلطان لا يستند إلى أدلة أو مستندات أو حتى أحكام قضائية تفيد بأحقيتها، بينما البيان الصادر من الكنيسة المصرية يعتمد على أدلة وأوراق ومستندات دامغة، تؤكد أحقيتها في الدير، بالإضافة للأحكام التي حصلت عليها بهذا الشأن وترفض سلطات الاحتلال الانصياع لها». من جانبه، أكد الأنبا بيمن، أسقف مطرانية الأقباط الأرثوذكس بنقادة وقوص، مقرر لجنة إدارة الأزمات بالكنيسة المصرية، أن «الكنيسة ستتخذ جميع الإجراءات القانونية لإثبات أحقية الكنيسة المصرية فى دير السلطان بالقدس، ولديها وثائق تثبت ذلك». وأضاف: «نناقش الأمر بهدوء شديد وبحنكة مع جميع المسئولين، ونسعى لإيجاد حلول وتقديم المستندات التى تثبت أحقيتنا فى الدير، ولدى ثقة بأننا سنصل إلى نتيجة مرضية للجميع». حكم بأحقية الكنيسة المصرية ومنذ ذلك الحين، ظل الوضع على ما هو عليه، حتى أقدمت السلطات الإسرائيلية، عقب نكسة يونيو 1967، على طرد الرهبان الأقباط المصريين من الدير، وتسليمه إلى الرهبان الأحباش، ما دفع الكنيسة المصرية، إلى رفع أكثر من دعوى قضائية أمام المحكمة العليا الإسرائيلية، والتى تُوجت فى النهاية بحصولها على أكثر من حكم يقر أحقيتها فى دير السلطان، لكن سلطات الاحتلال ترفض التنفيذ حتى الآن.