فقدنا ثقتنا بالقيادة التي رأينا كلامها سابقًا وكأنها جاءت من السماء.. القائد الأعلى وصل للمعقل حافيًا وبلا قميص ومستيقظًا لتوهه من النوم تحت عنوان: "بعد 45 عامًا.. قيادات إسرائيلية تسترجع صدمة أكتوبر"، قالت صحيفة "معاريف" العبرية، إن "يعقوب تروستلر وموطي اشكنازي وزبولون أورلاف ومولي رونين، الذين كانوا مسؤولين عن إدارة عدد من المعاقل والحصون على طول خط قناة السويس، يتساءلون حتى يومنا هذا عن إمكانية تعلم إسرائيل دروس الهزيمة". وأضافت: "رونين أدار حصن (درورا) وشغل بعدها بسنوات منصب وزير في الحكومة الإسرائيلية أما أورلاف، فكان يقود معقل (كتوفا) بعد إصابة القائد السابق له مع اندلاع المعارك، أما تروستلر فكان يدير حصن (ميلانو) بينما ترأس أشكنازي معقلاً آخر هو (بودابست) وفي نهاية الحرب قاد الآلاف من الإسرائيليين في الشوارع ضد حكومة جولدا مائير احتجاجًا على التقصير الذي تسبب في الهزيمة". وأوضح أنه "كان هناك 16 معقلاً على طول خط بارليف، يبعد كل منهم عن الآخر كل 10 كيلومترات، كان ينتصب حصن يخدم به العشرات من الإسرائيليين، في هذه الأيام كان نشاطهم يقتصر على عمليات الحراسة والرصد والمراقبة، القادة الذين تحدثنا معهم أداروا معاقل في الجزء الشمالي من قناة السويس، وكان معقل (بودابست) الذي ترأسه إشكنازي على ساحل البحر المتوسط، معزولاً عن سائر الحصون". ونقلت عن اشكنازي قوله: "دخلنا الحرب بشكل مفاجئ، قبلها قلت إنها على الأبواب، عندما جاءت الحافلات لتجمعنا من المنازل وتنقلنا إلى الحصون، جلسنا على الرمال وقالت لنا القيادات: لا تزعجوننا بمخاوفكم وتساؤلاتكم، نحن نعرف كل شيء، مصر تقوم بتدريب عسكري، لقد قلت قبل اندلاع المعارك أن الحرب على الأبواب، قلت إن هذا سيحدث في الفترة بين أكتوبر 1973 إلى أبريل 1974، حين وصولنا إلى الحصن ورأيت الاستعدادات من حولنا، شعرت بالصدمة". وتابع: "لم أتلق معلومة اندلاع المعركة إلا في الواحدة وأربعين دقيقة، دخل ضابط شاب علي قائلاً: القيادة بسلاح البحرية بعثت معلومة تؤكد أن أمرًا عظيمًا سيحدث، أما رونين فقال: تلقيت أوامر لا أذكر هل تلقيتها في الحادية عشر أم الثانية عشر ظهرًا، من القائد أمير رؤبيني، اتصل بي وأعلن أن المعركة تقترب، وأصدر تعليمات بإنزال جنود المراقبة وإدخالهم إلى المخبأ، كان لدي وقت كي أفعل ذلك". من جهته، قال تروستلر: "عندما وصلنا لخط القناة، قال قائدنا: لا تقلقوا إذا ما اشتعلت الأمور سيتم استبدالكم بواسطة لواء الجولاني أو المظلات، ولهذا عرفنا أننا لسنا أكثر من حراس لا مقاتلين واعتمدنا على هذا التصريح من القائد، لم يأت أحد لاستبدالنا سواء المظلات أو الجولاني لهذا لم نعتقد أن الحرب وشيكة، رغم أننا رأينا التطورات أمام أعيننا على الجانب المصري". وعلق في سخرية: "لم أتلق أي معلومة ببدء الحرب، كانت المعلومة بصرية وتمثلت في رؤية الطائرات المصرية تحلق فوق رؤوسنا". وذكرت الصحيفة أن "الجنود الذين كان دورهم المراقبة والرصد فقط، وجدوا أنفسهم فجأة في معركة ومطلوب منهم القتال، القتال كقلة ضد كثرة، فجأة وجدوا حولهم قتلى وجرحى إسرائيليين، كل جحيم الحرب تكشف في الساعات الأولى للمعركة". ونقلت عن تروستلر قوله: "كنا نخرج القتلى من الطريق كي نتمكن من إحلال جنود أحياء محلهم، كأننا كنا نعيش في قبر". من جانبه، قال أورلاف: "على الصعيد الشخصي كان الأمر صدمة بالنسبة لي؛ لأنه حتى نشوب الحرب كان لدي ثقة وإيمان كاملين بالقيادات وبالجيش الإسرائيلي، كل كلمة كان تنطق بها القيادة كانت كأنها قد جاءت من السماء، كالإلهام والوحي، حين وصلت إلى خط القناة قمت بعمليات الرصد والمراقبة، رأيت آلاف المصريين، كان معي 22 زميلاً، سألت عن هذه التطورات فقالوا لي: لا تقلق كل شيء على ما يرام جيش الدفاع الإسرائيلي كبير.. جيش الدفاع الإسرائيلي قوى، يوم الخميس قبل المعارك بيومين، خرج بعضنا لقضاء إجازتهم". وأضاف: "المعلومة الأولى عن قرب الحرب جاءتني في الجبهة الساعة الثانية عشر والنصف ظهرًا، وصل القائد الأعلى مني إلى المعقل ولم يكن يرتدي قميصًا، حافي القدمين، وكان يبدو عليه أنه استيقظ لتوه من النوم، أخرجني من المكان الذي كنت أصلى به وصرخ "برج الحمام"، سألت: ماذا يعني ذلك؟، فأجاب أن هجومًا مصريًا سيحدث في الساعة السادسة من مساء اليوم، السادس من أكتوبر 1973، لكن بعد نصف ساعة جاء وقال: "لا يا زبولون الحرب ستندلع الآن". واستدرك: "لا يمكنني نسيان الضجة الرهيبة والمزعجة للطائرات المصرية، كل شيء كان يهتز والجو امتلأ بالغبار، وبدأت عمليات القصف تقتل رجالنا، لا يمكنك إحصاء عدد القذائف، بعد 20 دقيقة سمعنا من يطلق النيران، حاولت الاتصال بالقيادة لكن لم يأتيني أي رد، بعث أحد الجنود لمعرفة ماذا حدث لكنه لم يعد، خرجت بنفسي ورأيت قوارب مصرية في منتصف قناة السويس، في كل قارب 10 مقاتلين، أصدرت تعليماتي للجنود بالخروج من القبور وفتح النيران". وتابع سرد التفاصيل: "في المساء أحد الجنود الذين كان يجلس ويراقب عبر جهاز الرؤية الليلية صرخ في وجهي قائلاً: "الكوماندوز المصريون يبحرون في قناة السويس، إنني أرى الغواصين"، ركضت ورأيت وجود تحركات في المياه بالفعل، أصدرت تعليمات بإطلاق قنابل ضوئية لإنارة الموقع، وقلت للجنود في اللحظة التي ترون فيها الضوء وجهوا ضرباتكم ونيرانكم على المياه، لكننا اكتشفنا أن الذين كانوا في الماء هم جثث أشخاص كنت قد أغرقناهم في اليوم السابق". وأوضح: "كان لدي ثقة كبيرة في أن الدبابات الإسرائيلية ستأتي لإنقاذنا لكن هذا لم يحدث، في لحظة ما رأيت دبابة تتجه صوبي ناديت عليها لتسعفنا لكنها مرت وغادرت الموقع، حتى يومنا هذا لا أعرف من كان قائد هذه الدبابة وماذا حدث له؟ يبدو أنه كان يشعر بالحيرة والارتباك". واستطرد في روايته قائلاً: "اختفى أحد المقاتلين في الدقائق الخمس الأولى من الحرب، بحثنا عنه ولم نجده، كان الحصن مليئًا بالخنادق والأزقة الضيقة، بعد أن قمنا بعملية الإجلاء من الموقع، فجأة سمعنا بجهاز الاتصال من يقول (أين زبولون؟) كان الجندي هو الذي يتحدث من داخل المعقل، طلبت منه الخروج إلى الطريق والوقوع في الأسر المصري فعلى الأقل سيبقى على قيد الحياة، وهو ما حدث". ومضى قائلاً: "شاركت في المظاهرات ضد مائير وديان بعد الحرب، لم يتعرفوا علي، كنت شخصًا مجهولاً لقد فقدت الثقة في القيادات، دخلت مجال السياسية ولو قال لي أحد قبل الحرب إنني سأفعل ذلك لما صدقته، لكن لأنني فقدت الثقة في السياسيين أردت أن أخوض هذا المجال، اليوم إذا قال لي أحدهم "نهار سعيد"، سأنظر أولاً عبر النافذة كي أتأكد من ذلك، لم أعد أثق بشيء أو بشخص". وأردف: "عندما كان بنيامين بن إليعازر وزيرًا للدفاع اتصل بي وسألني: هل تريد الذهاب إلى سيناء بالتحديد إلى شرم الشيخ؟ في اليوم التالي هبطنا بالطائرة لمقابلة الرئيس المصري حسني مبارك، كان هناك وزير الدفاع محمد طنطاوي، بينما كان بن إليعازر يحادث مبارك سألنا الوزير طنطاوي: "أين كنت في ال6 من أكتوبر 1973؟"، أجاب: "شمال القنطرة"، قلت "لقد كنت قائد الحصن الذي يحارب ضدك"، أوضحت له أنني أحاول اصطحاب عائلتي كي ترى الموقع ولم يسمحوا لي، رد علي طنطاوي: "هذه منطقة عسكرية"، طلبت منه إذنا لكنه قال إن هذا صعب". وواصل: "أثناء وجبة الغداء قلت لمبارك: "سيادة الرئيس.. وزير الدفاع لم يسمح لي بالوصول للحصن وأني أريد إذنا بذلك، ضحك مبارك وقال: "لدي اقتراح أفضل.. هل أعجبك الفندق؟ إنني أدعوك لقضاء إجازة عائلية هنا.. قلت له إنني متنازل عن هذه الدعوة مقابل يوم واحد بالقطاع الشمالي حيث كان الحصن، في النهاية لم أزر المعقل ولم أحصل على الإجازة بالفندق".