أسعدني خبر عزم ال بي. بي.سي إنشاء محطة تليفزيونية، علي الرغم من ان هناك من لم يسعدهم هذا الخبر، لان القناة ستعمل علي تبييض الوجه الإنكليزي في المنطقة، تماما كما كان إنشاء فضائية (الحرة) يهدف الي الترويج للمشروع الأمريكي، وتحسين الصورة الأمريكية في أذهان العرب! برأيي ان الشعوب العربية كانت قد طوت صفحة الاحتلال الإنكليزي، ورفعت شعار عفا الله عما قد سلف، ولم تر في بريطانيا (العظمي) او التي كانت كذلك، الا بلدا يقبل الآخر، ويمثل الأمان للمستضعفين في الأرض، ممن لا يستطيعون بسبب بطش الأنظمة العربية من ان يعيشوا في بلدانهم، وصارت حديقة الهايد بارك تمثل اختزالا لاسم انكلترا. فالشعوب العربية قلبها ابيض، ورقيق مثل ورقة (البفرة)، وبالتالي فقد نسيت تماما الاحتلال البريطاني وما فعله في العالم العربي، مع انه لم يكن شبيها بالاحتلال الفرنسي لمصر، والذي جاء بالمدفع والمطبعة، فرحل بمدفعه تاركا المطبعة! لكن توني بلير، هو من ينزع من بريطانيا اهم ما فيها، بتحالفه الاستراتيجي مع بوش في عملياته المجنونة، في أفغانستان والعراق، والتي ستقضي باذن واحد احد علي المشروع الأمريكي، ليكون الأمريكان مثلهم مثل الذين يخربون بيوتهم بأيديهم، وايدي المؤمنين! وقد سعي القوم في الولاياتالمتحدةالأمريكية الي تحسين صورتهم، وأطلقوا قناة (الحرة) لهذا السبب، وفاتهم انهم لو انفقوا ما في الأرض جميعا، ما نجحوا في تحسين الصورة، ما داموا يمارسون الاستعلاء في التعامل مع العالم العربي، وما داموا علي انحيازهم الفج لصالح إسرائيل. ولم يكن غريبا ان يعترفوا بفشل خطتهم، والتي اعتمدت بالإضافة الي القناة التليفزيونية المذكورة علي الكلمة المسموعة من خلال إذاعة سوا! واذا كنت لست من (سميعة) الإذاعة المذكورة، الا انني أشاهد الحرة، وأري انها تقدم خدمة للشعوب المغلوبة علي أمرها، في مواجهة أنظمة جبارة، لديها طرقها في تأميم الفضائيات العربية! لست مهفوفا في نفوخي حتي أتصور ان (الحرة) معنا علي خط النار، او انها خارج النفوذ الحكومي العربي، فهي تمثل نصف العمي الذي هو أفضل من العمي كله، وقد قامت بدور لا ينكر، في وقت أشيع فيه ان الجزيرة (باعت القضية)، هذا فضلا عن ان النفوذ الحكومي يكون بقدر، لانه لا يمكن ان يصل الي الإدارة هناك، الا اذا تصورنا ان العين يمكن ان تعلو علي الحاجب، لكن الضغوط يمكن ان تمارس علي المراسل هنا في عواصمنا العربية، لاسيما وان الحرة لا تعتمد في الأغلب علي مراسلين خواجات! واذا كان البعض قد وضع يده علي قلبه في بداية بث (الحرة) لبرامجها مخافة ان تستحوذ علي المشاعر العربية، وتجعل العرب ينسون قضية فلسطين، والاجرام الحاصل في العراق وافغانستان، الا انني كنت علي العكس منهم، سعيدا بها، فالمشاعر العربية لا يمكن إخضاعها ببرنامج، والدم لن يتحول الي ماء بخطبة، وقد اعترف الأمريكان أنفسهم بفشل (الحرة) في المهمة التي أطلقوها من اجلها، لدرجة انهم فكروا ذات مرة في التخلص من مديرها الإعلامي موفق حرب، وربما آمنوا في النهاية، بأن المشكلة ليست في ادارة القناة، ولكن في سياساتهم! ان الشعوب العربية لم تتأمرك بسبب (الحرة)، ولم يصبح المتأمرك الأكبر مأمون فندي مثلها الاعلي، وفي نفس الوقت فإننا علي الجانب الآخر استفدنا من الفضائية المذكورة، وخسرت أنظمة القمع العربي، بقدر ما استفادت الشعوب. انها رمية بغير رام! اننا لم نهتم بأن ال بي. بي. سي تمول من قبل جهة بريطانية، لا نظن انها عميلة للشعوب العربية، ومع هذا كانت هذه المحطة الإذاعية، ولفترة طويلة، مصدرا مهما من مصادر الأخبار، تمكن خلالها المواطن العربي من معرفة ما يدور في بلده، ويخترق بواسطتها التعتيم المفروض علي وسائل الاعلام، التي كانت السلطة قد أممتها حتي صارت لا تنشر الا ما يوافق الرقيب علي نشره! ليست لدي حساسية مفرطة إزاء مشكلة التمويل، فقد أنشئت مؤسسة أخبار اليوم الصحافية في مصر بمعونة أمريكية، ولم تنجح في ان تجعلنا نقع في اسر الحب الأمريكي، فعندما ساعدت الولاياتالمتحدة اسرائيل في معركتها ضد مصر، وتآمر البيت الأبيض علي عبد الناصر، كان كل من له نبي يصلي عليه، بل كانت ثورة يوليو قد استحلت الأموال الأمريكية، وتعاملت مع اخبار اليوم باعتبارها غنيمة حرب، لتصبح علي رأس المؤسسات الصحافية التي تروج لمشروع جمال عبد الناصر! ان ثقتي في ان تمويل المشروعات الإعلامية لن يحول الناس الي دراويش للممولين، ما دامت السياسات التي كانت سببا في العداء قائمة، هذه الثقة هي السبب في انني لم اشاطر المنزعجين انزعاجهم، عندما قيل ان هناك مشروعات صحافية أنشئت في مصر بدعم أمريكي خالص، وبعد ان صدرت هذه الصحف، لا أستطيع ان أتجاهل ان إحداها نجحت في ان تمثل إضافة للصحافة المصرية، التي فقدت عرشها بإصرار النظام الحاكم علي ان يولي أمرها للمفسدين في الأرض، والذين استنفدوا أغراضهم فتم الدفع بمجموعة من الجهلة الي موقع الصدارة، لان اهل الحكم يرون ان تمتع الشخص بالجهل النشط، هو الدافع الأساسي لضمان ولائه، تكريسا لنظرية الامن المركزي التي اعتمدها الرئيس السادات رحمه الله، فهو من تفتق ذهنه عن إنشاء هذا الجهاز الأمني، وكانت خطته، والتي لا يزال معمولا بها، تعتمد علي الاستعانة بالمجندين الأميين، حتي ينفذوا التعليمات الصادرة لهم بقمع المظاهرات، والاعتداء علي المتظاهرين، بغلظة، وبدون تفكير، لانهم لو فكروا لعلموا انهم يعتدون علي أشقائهم، لصالح خصم مشترك! فالإنسان المبدع، مهما بلغت درجة استعداده لأن ينافق فانه لن يكون من اهل السمع والطاعة، وهم الذين يري القوم انهم وحدهم الذين لا يمثلون خطرا محتملا عليهم، فولاؤهم مضمون، لا سيما وانهم يعلمون ان ما سيق لهم من نعمة، لم يأت بسبب تحققهم في عملهم، فقد كان شرطا الا يكونوا متحققين، ولهذا فهم لن يفكروا يوما في ان يعضوا اليد التي امتدت لهم بالإحسان، وانتشلتهم من بئر الظلمات! لن استطرد في هذا الجانب، فالصحيفة التي أشرت اليها لا تروج للمشروع الامريكي، ولم تجعل الناس يهتفون باسم بوش، علي الرغم من انها، وحسب ما قيل واشيع، تمول من الولاياتالمتحدةالأمريكية! ومن هنا تأتي نظرتي الي مشروع فضائية ال (بي. بي. سي) التي تخوف البعض، وتحفظ البعض الآخر عليها، لانه من أهدافها تبييض الوجه البريطاني في المنطقة، فيكفينا انها ستكون سندا للشعوب المقموعة في مواجهة أنظمة فتاكة، تخاف، ولا تختشي. هذا اذا سلمنا بما قاله مسؤول عن المحطة من انهم سينافسون الجزيرة ! فضلا عن ان مثل هذه القنوات سيخفف الضغوط الحكومية علي الجزيرة، لانه لا يوجد نظام عربي سيستطيع ان يسيطر علي السماوات الممطرة بالفضائيات، وما دامت هناك فضائية خارج السيطرة، فحدة المنافسة لن تجعل فضائيات ترضخ للتدخل في شؤونها حتي لا تخسر بالاستجابة لهذه الضغوط مكانتها! مرحبا بفضائية ال (بي. بي. سي) واي فضائية سياسية اخري، حتي وان كانت ستمول من البرامكة! إعلانات الشوارع لا يحتاج التليفزيون المصري لأن يتم الإعلان عن برامجه في الصحف، لان من يشاهدونه أضعاف أضعاف من يقرأون الصحف مجتمعة، ومن يجيدون القراءة أصلا، فالصحف هي التي يتم الإعلان عنها في التليفزيون وليس العكس! هذا فضلا عن ان التليفزيون المذكور ليس بحاجة الي ان يتم الاعلان عنه في الشوارع، لانه ليس محطة جديدة، او سرية. لكن فوجئنا مؤخرا بإعلانات عن برامج وفقرات تعرض فيه ويقدمها المذيعون الوافدون من أمثال محمود سعد ونيرفانا، تحتوي علي صورهم بالألوان الطبيعية وبأحجام ضخمة، واضح انهم في حالة سعادة بسبب هذه الخطوة الجبارة في حياتهم، فعملوا فأقاموا لانفسهم حفلة تكريم، وعلي طريقة كله يدلع نفسه! وقد شاهدت مؤخرا صورا لهؤلاء في اعلي البنايات بشوارع القاهرة، لا ندري من تحمل تكلفتها، وهي بالطبع لن تكون مرتفعة بجانب الأجور المبالغ فيها والتي تصرف للوافدين بماسبيرو، والتي تعد أجور المذيعين العاملين في الإذاعة والتليفزيون بجانبها (فكة) وملاليم! لقد كانت هالة سرحان هي اول من سن هذه السنة غير الحسنة، عندما تم استقدامها لتقدم برنامجا في رمضان بالتليفزيون المصري، وقد كانت هذه الإعلانات لها مبررها، فقد وضعتها في كل الطرق التي يمر بها الإعلامي عماد أديب، او المحتمل مروره بها. والان لم يعد يوجد لهالة سرحان سوي صور عن اعلان لها عن مسحوق لغسيل الملابس! ان شاء الله سيأتي الزمن الذي يكون تليفزيون ماسبيرو بحاجة الي ان يعلن عن نفسه في محلات البقالة، وسيقدم هدايا لكل من يتعطف ويشاهده! الوجه المختفي تضع قناة النيل للأخبار في شمال اعلي شاشتها (لوجو) او شعارا به هذه العبارة: الانتخابات البرلمانية 2005، وهي عبارة لا مبرر لها، إلا اذا وضعت في البرامج التي تتطرق لهذه الانتخابات، لكن من الملاحظ انها موضوعة باستمرار! في الاسبوع الماضي عرضت القناة حوارا مع وزير الاعلام الاسبق عبد القادر حاتم، وقد لاحظت ان وجه الرجل اختفي خلف الشعار، والذي من الواضح ان من وضعه في هذا المكان مصاب بالعشي الليلي، علي الرغم من ان الشمس كانت في رابعة النهار. وقد ظننت ان احد المسؤولين في اتحاد الاذاعة والتليفزيون سيشاهد البرنامج وسيلفت نظر القائمين علي امر القناة الي هذا الخطأ، لكن شيئا من هذا لم يحدث! يبدو ان كل المسؤولين في ماسبيرو في انتظار الحادث السعيد للسيد انس الفقي وزير الاعلام. الهروب الكبير هرب كمال الشاذلي الرجل القوي في النظام المصري من مواجهة كاميرات قناة الجزيرة فبعد ان وافق علي ان يستضيفه احمد منصور، وتم الاعلان عن البرنامج، اختفي سيادته في ظروف غامضة، وفشلت كل محاولات الجزيرة في العثور عليه.. ابحث مع الشرطة! كاتب وصحافي من مصر [email protected] القدس